السبت ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم فتحي العابد

رمضاني الأول في تونس

كنت في الثامنة عشر حين أمضيت آخر شهر من رمضان في بلدي.. برغم مافعله النظام في تلك الفترة، من تضييق على الحريات وإرهاب الناس وحرمانهم.. لكن كان الجميع يعين الجميع والكل يقف بجنب أخيه.. كنت أستشعر في أيام صومي، وبعد التراويح الراحة والطمأنينة في عيون من حولي، وكم شعرت بقدر اللحمة والترابط بين أبناء وطني، وقدر التعاطف والطيبة والتكاتف الذي كان عنوان لتلك المرحلة من عمري، تعلمت منهم وقتها الكثير من الدروس التي بقيت معي حتى الآن..

ويأتي رمضاني الأول في تونس هذا العام في ظروف مختلفة تماما عن رمضاني الأخير، فقد انتصر الشعب في معركة الخلاص من ظلم جلاديه، الذين استباحوا كل شيء وحرموه من أبسط حقوقه، وهو أن يشعر بوطنه، أو يفخر ببلده، وأوصلوه إلي حد أن يهرب إلى أي مكان مهاجرا قانونيا أو غير قانونيا، بل تعدى هذا إلى حد أن يخجل كثير منا ذكر جنسيته في بعض الأحيان، بعدما صار الوطن مرتعا للفساد وتابعا ذليلا لا قيمة له أو لصوته..

لايتشابه رمضان ذاك مع رمضان النصر هذا العام.. وقتها هربنا لأنه انتصر علينا خوفنا، واليوم تخطينا خوفنا وانتصرنا على أعداء الوطن.. أيضا، يومها ظهر بعض المرجفون ممن سكن قلوبهم الخوف وبدأوا يحذروننا من مغبة الإستمرار في معارضة النظام، بحجة "الكف ما يعاندش المخيط" خشية قهرنا، وزجنا في السجون، وأودعنا المعتقلات والمنافي رغم خوفنا..
اليوم الناس أدركت أن تونس تغيرت.. ولا صوت يعلوا فوق صوت الحق وقد كان.. فبرغم دعم أمريكا وفرنسا للدكتاتور في بلادنا، إلا أنها لم تستطع إبقاءه عندما هب الشعب كجلمود صخر حطه السيل من عل.

اليوم يعوي بعض المتنطعين لوقف المد الثوري الذي بزغ نوره بحجة البناء وعدم تعطيل عجلة الإنتاج، وهم بخبثهم لا يريدون سوى وقف الثورة، لأنها بدأت تؤثر على مكاسبهم، وهم يقولون قول حق يراد به باطل، فهو من يعلم نوايهم، وهو وحده القادر على فضحهم..

في رمضاني الأول بعد الثورة رأيت شريحة من المجتمع كثر عندها الغش، الكذب، التفكك العائلي، مجاهرة بالمعاصي، وفئة لا يحلو لها الخصام إلا في هذا الشهر الكريم.. وإذا سالته: كيف تتصرف هكذا وأنت صائم؟

يجيبوك بأنه "مرمضن، وغالبتو حشيشة رمضان، ومضبب، ودايخ.." وهلم جر.
أول حادثة وقعت أمامي في السوق القديم وسط سوسة في اليوم الثاني من رمضان، رجل تلفظ بأقبح الكلام وأرخص النعوت لرجل آخر، فلما عاتبه الناس والحال أن فيه نسوة بجانبه، أجاب: "الله غالب حشيشة رمضان!!"

هذا المصطلح الرمضاني التونسي، صار شماعة يعلق عليها الصائم أخطائه بكل أنواعها..
أقول هذا والأسف يقطع فؤادي، رغم أملي في الله وفي هذا الشعب الجبار الذي صنع تلك الثورة التي مازات تبعاتها تترى في العالم أجمع، أنه قادر على أن يغير ما بنفسه وبسرعة إذا استعان بالله وحزم أمره.

ومن ثم وجبت عليه الدراية والمعرفة بأن هذا الشهر شهر الصيام عن كل شيء، شهر التضرع والقيام، شهر قهر النفس والملذات، ولولا فضل الله سبحانه وتعالى ما كان لثورته أن تصل لما وصلت إليه الآن، وما من أحد كان ليتصور أن تنجح الثوره في تحقيق أولى أهدافها، ألا وهو إسقاط نظام بوليسي عاتي في تلك الفترة الوجيزة بمقاييس الثورات، فمن قدر لهذه الثورة أن تنجح (نظريا) في قسطها الأول، قادر على أن ينشر رحمتة ويهدي عباده ممن يريدون الخير لبعضهم، ولهذا الوطن، ويذل كل فاسد يريد أن يعيد العجلة للوراء..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى