الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف الخريبي

وجع الحلم

علي...

ذهبت إليك كل النهار, وكل الليل, وكل ساعة, وما لقيتك والقرية كانت تقف علي أصابعها وتغط في نوم عميق. لما يتسرب هواء الغيطان إلي المخادع في الليل الأسر, تطير النسمات حيث الأجساد الشقيانة, تبقي هامدة حتي الصباح, وأنا أقف. كنت أنتظرك...

أنتظرك دون معني سوي انتظاري لوهمك, سألت عن وجودك الذي يستفز وجودي وعرفت أن لك بيتا وأولادا. سألت المراسي عنك والشطأن والبحر الغريب والأرض التي كانت تعفر جبينك. نعم أعرف ملامحك.

من قديم تقفز في ذاكرتي وترن ضحكة عسلية في أذني.

وناديت علي كل شيء فيك دون رجاء من وقوفي هكذا أمام أعتاب بيتك, وصمتك الذي فتت نظرتي وتبرمي بكل شيء حولي.

وحيدا كنت يا علي وآنت تنام في زمن القياصرة, وتسألني عن الأساطير القديمة, وعن غاب البلاد وزادها وأسألك عن القطار الذي يحمل الناس في بلادي وهم يقفون علي الأرصفة.

وتقول ها هم الناس يسيرون يحملون علي أكتافهم أعناق, وعلي أعناقهم رؤوس, وفي رؤوسهم عيون وفي عيونهم وجع وحلم يؤرجح الليل.

أي حلم يا علي قلت لي عنه, وأنت القادم قبل وقتك والمحال الذي عرفت, كنت تذبح الوهم عند أعناق المدينة وتوغل فى الكلام

ترفع عيونك لأعلى وتصمت

عرفتك منذ عشرين عاما, نائما في قش الغيطان أو في ساعة العصرية عند أشجار الزيزفون والساقية التي رفعت الماء.. ترفع
يجرها طور عتيد مغمض العينين.

لماذا أغمضت أعينهم يا علي؟

حتي لا يدوخوا!!

حين ناديتك خفت وتراجعت وشبح وجهك أمامي يرج أنحائي رجا, يخضني خضا.لم تكن هو أنت ولا أعرف متي بدأت مأساتي معك, اعرف أنك كنت معي..داعبتني وسرقت الحلم مني عند شجر الزيزفون, وذهبت أنا للمدينة التي سرقت النار من عبادها. سرقت الآهات من الحيارى والمسكونين, وأنت تسرق الفاكهة من الغيطان, تعطيني أنا الخائب ابن المدارس كما قلت. واحدة وتقول ذقها

علي.. جئتك.

علي.. جريت إليك

ملهوفا ومحملا بأريج بكر برائحة السنابل وتصاوير الحقول في عيني والطرق المتعرجة في فدادين القمح, سألت عنك.

في الريف البعيد هناك عند أعلي قمة للصمت ولتوحدنا, اعلي مدار للساقية وأبنية تتراص ببطىء شديد, وتصنع أرجوحة للغناء / غناء بدائي له طعم الثريد.

(طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة...)

كنت أنظر في جباه الخارجين والأرض تنظراليهم ولا تعرفهم ولا أنا أعرفهم ولا أنت فيهم. واصرخ من فرط وجعي لانتظارك وحدي أجلس..

نعم وحدي.. يقول النهار أنك لم تعد أخر النهار كما عادوا ولا حتي أخر الليل, وجئتك كل النهار وكل الليل, وكل ساعة وما لقيتك..

يقول المساء: انك هنا متوحد هناك.

أحضرت الفيديو وأشرطة من كل نوع وجلست في صحن دارك لا تخرج للناس ولا تري الأرض مجعوصا تقعد علي أريكة من قماش حرير مفترشا كل شيء أمامك واضعا يدك علي الريموت وخدك الأحمر وجبهتك الناصعة. وأحزن لأني لا أجدك ولا أستطيع استخراجك من ذاكرتي, من عنفوان صداقتى لك وحزنى الذي ألم بك وأصابعي التي مرت علي تقاطيع وجهك المبلول زمان.

وأنا انتشلتك من المدار الذي سقطت فيه, استخرج تعاريج الأرض من قدميك ومن يديك. أتعرف كل شيء فيك شيئا فشيئا وأبكي وأسألك. أنت سليم يا علي؟

ومن يومها تقول أنك مدين بحياتك لى. أنا لا أذكر فيك غير أمك والأولاد والترعة وشجر التوت والبنت. البنت التي كانت نحيفة وتحبك, كنت تقول أنها "رفع القشاية" معك الآن امرأة ثمينة وفاكهة غير التي كنت تسرقها زمان. اشتريتها من فلوسك وشعرك الأسود الفاحم شاب ووجهك الأسمر ابيض بحمرة العز.

وكان القطار يحمل الناس في بلادي حين سرقتني المدينة بما قالت عنك يا علي. جئتك عند مدار الساقية الذي تعرف, فوق تلك المساحة المستطيلة من حزن لا يجيء وشوق يخبط في جوانحي يلم أثار لهفتي عليك ويرميها للمدى وأنت لا جئت. ابدا الى

ماذا تقول يا علي ؟

ها قد عرفتك عشرون عاما نائما في قش الغيطان, وحين رفعت يدي وأنزلتها علي بابك الحديد... أصر الباب صريره الفاحم. ونظرت في وجهي مستغربا. وسألتنى من انت؟

رحبت بي كأي زائر لا تعرفه وفي عينيك سؤال لئيم, فردت يدك علي أخرها وأنت تنظر في دهشة وكان الناس في بلادي عارفين مواعيد القطارات التي تأتي من أقاصي الدنيا.

ولم تكن تعرفني يا علي !!

علي...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى