الاثنين ٢٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١

مديح الهجاء!

عبدالرحمن يوسف

قلت فى يوم من الأيام إننى أتمنى أن يأتى اليوم الذى أكتب فيه قصيدة بعنوان «هجاء الهجاء»، وكان ذلك تعبيرا عن عدم حبى للهجاء، حيث إنه حيلة العاجز، وحيث إنه وسيلة تخرج الطاقة السلبية داخل النفس البشرية، ولأن الهجاء يحول الإنسان من كائن يحب، إلى إنسان يكره، فبدلا من أن نمارس حب الوطن بشكل سوى، نمارسه بأن نكره أعداءه.

كتبت عشرات القصائد فى هجاء الظلم والظلمة، وأنا فخور بذلك، ولكنى - والله يشهد - كنت مضطرا لذلك، فكل طرق النقد مسدودة، لذلك لم يملك المرء إلا الصراخ بأعلى صوته، وكأنه النذير العريان.

ولكن بعد أن أعلن عن تمديد قانون الطوارئ بالهوى والزور، وبعد أن تحول الشهود شاهدا تلو آخر من شهود إثبات إلى شهود نفى فى قضية محاكمة الرئيس المخلوع، وبعد أن وجدنا الشر فى جل ما يخرج ممن يدير البلد، وبعد أن توالت الإشارات السلبية من شتى «المجالس»، التى تظن أنها تتحكم فى مصيرنا.. بعد كل ذلك، أجد قلمى يهرول نحو محبرة الهجاء، كحبيب حنَّ إلى حبيبه!

لا بأس، فلنعد مرة أخرى إلى الهجاء، ولننزل إلى الشوارع مرة أخرى، ولنبدأ بإقناع الناس بأن واقعهم أسود بسبب هؤلاء الذين يقفون فى وجه ثورتهم، وستكون المهمة هذه المرة أسهل بكثير، وستستغرق وقتا أقل.

كنت أتمنى أن أكتب فى مواضيع أخرى، كنت أطمح إلى الوصول إلى أعمق ما أستطيعه، بل كنت أعشم نفسى بالعودة إلى شعر الغزل!

الهجاء بطبيعته ليس أعمق التجارب الشعرية، والهجاء بطبيعته تجربة أقرب للسطح منها إلى العمق، ولكن يبدو أن لعنة السياسة ستظل تلاحقنا، وسنظل مرهونين بمجموعة من المستبدين يحددون لنا مواضيع القصيدة بغض النظر عما يمطح إليه الشعراء.

كل ما أتمناه الآن أن تحظى مصر برجل حكيم، يعفى مصر من أيام سوداء نحن فى غنى عنها، ويعفى المؤسسات الوطنية للدولة من اختبارات شديدة الصعوبة، ويعفينى من العودة لشعر الهجاء!

آمين...

عبدالرحمن يوسف

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 25-9-2011 م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى