الجمعة ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

خوسي ماريا يريدها مغربية

عيبُ خوسي ماريا هو أنّه صادِقٌ إلى أبعد الحدود، وذلك ما تسبب له في الاعتقال في السجون المغربية، وفي معاناة إنسانية قلّما نصادفها عند إنسان من طينتِه.

في سنة ألفين، دخل خوسي الأراضي المغربية بهدف تصدير السمك... ومُخدّر القنَّبْ الهندي إلى إسبانيا. وتعرّف في تاريخه على رجل يُدْعى (نور) تحت وصاية أحد المافيوزيين الإيطاليين (ب.س).

استطاع (نور) أن يقلِّص مدّة اعتقال صاحبه خوسي إلى عشر سنوات بعدما حوكِم بعشرين سنة، وإقناعِه بالمزيد من التقليص إن هو أدّى (لمن يستحقون) ثمن إدراجه ضمن لائحة المُعفى عنهم (...).

لهذا السبب (السيسيلي) أحبَّت المافيا الإيطالية (نور) وصارت تعتمد عليه.

فجاء خوسي بأحلامه وأوهامه، وأعطاه مالَه وأخضعَ له رقبتَه.

في السنين الأولى تمتّع صاحبُنا الإسباني كما شاء في أراضي المغرب: أكل حتى التُّخمة، وشربٌ حتى الثمالة، وخُدام، وخادمات، وفتيات... ولقد قال ذلك لِ (نور):
 بسببك وبسبب المافيا، أعيشُ بينكم كملك.

لكن (يقظة) البوليس المغربي (ونزاهتُه) تمكّنتْ منه، وأودعته السجن لفترة.

قال لي خوسي ماريا:
 أحبُّ المغرب لعِدّة أسباب: الشمسُ الدائمة، البحارُ الزرقاء، الغابات الخضراء، الثلوج، الصحاري، الجبال الأطلسية العظيمة، الكرم، حسن الضيافة، الذكاء المستتر، الثغرات في القوانين، البنات...

لم يتعلّل خوسي لأصحابه السيسيليين والبسكيين عندما اعترضَ رجال الدرك الملكي ـ عند مدخل الدار البيضاء ـ شاحنته المعبأة بطُنٍّ من سمك الإخطبوط الطري وبتسعة عشر طُنّاً من مخدِّر الحشيش الطريِّ كذلك. قال لهم:«الخطأُ خطأي حيث لم أرشُ بما يكفي المُكلَّف بجهاز المسح بميناء أكادير». الظاهر أن هذا الشخص المغبون في عملية الارتشاء هو من باع صاحبَنا. ولعلّه استفاد من هذه البـِيعَة بشكل أو بآخر.

قالت المافيا:«لا بأس! أنتَ رجل ذو أخلاق... سنتدبّر الأمر»؛ فكان أن أخرجوه من سجن مدينة الناضور بعد ثلاث سنوات من الاعتقال فقط.

ـ عشتُ خلالها كأمير. لم ينقصني شيء:الأكل الممتاز، الشراب، الدخان، المجلات، التلفزيون... لا والله؛ السجن في المغرب مريحٌ للغاية. قال خوسي ماريا لـِ (نور).

ولكن السلطات المغربية خيَّرته بين أمرين؛ الرحيل إلى بلده، أو المكوث في منطقة يحدِّدُها هو لفترة. فكان أن اختار مدينة جنوبية،صغيرة، هادئة، وجميلة (...). في هذا المكان، وجد خوسي كلّ ما يريد. ولعلّ المافيا على علم بإقامته الجديدة، إذ كان ثمن الكراء يُدفع من طرف (جهة مجهولة)، وكذلك ديونُه عند البقّال والقصّاب والخضار...

في ليلة مّا، زاره (نور) صُحبة صديقة تُدعى (درهم)؛ وهي خُلاسية من نوع خاص، بل شُكـُلاطية ولذيذة، وذكيّة للغاية، لا طويلة ولا قصيرة، ورقيقة شهية مثل إصبع الحلوى.

قال خوسي ماريا لـِ (نور) باللغة الإسبانية:
 أعتقد أنّ أصحابي مِنْ هناك، يهتمّون بشأني...

وحكى له عن أمر المصاريف واهتمام حارس المبنى به. فردّ (نور):
 ليس هناك من مافيا تريد لك الخير... أنا من كان يدفع ويوصي بك خيرا.
ولم ينتظر كثيرا ليعلن له بأنّه أُغرم بـِ (درهم) لحظة رآها.
 هل هي عشيقتك؟
 لا! هي صديقة فقط... وبيني وبينها أشغال... هي تعمل مُضيفة في الخطوط الجوية المغربية.
 هل هي متزوجة؟
 اسألها!

لحظتئذ تدخلتْ (درهم) بمعرفتها للغات:الإسبانية، الفرنسية، الإيطالية، والإنجليزية.

خوسي في عقده الخمسين، و(درهم) في الثلاثين؛ ولكنّه أرادها زوجة.

لخوسي طليقةٌ وابن مريضٌ مدمنٌ على المخدرات بـِ (لاس بالماس)، وليس لـ ِ(درهم) زوج أو طفل أو عشيق.
 أريدها زوجة وأنا مستعدٌ لكلّ شيء. قال.
 الصداق... هل تقدر على دفع عشرين ألف يورو، وتشتري لي شِقّة باسمي؟ قالت.
 لكِ هذا.

سأل العَدْلُ الشرعيُّ خوسي ماريا:
 هل أنتَ مسلم؟
 لا!
 ولكن لا زواج بمغربية إلاّ أن تُسلم.
 أُسلم.
 قل إذن:«أشهد...
 أشْحَدُ...

بعد الشهادتين، قال المأذون:
 والآن عليك إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام... كما عليك أن تمتنع عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير...

آنذاك انتفض خوسي وقال للفقيهين:
 أريد أن أكون مسلما مثل (نور)، فهو لا يصلّي، ويشرب الخمر، ويأكل ما شاء...

ومع ذلك تمَّ التزويج لأنّ (نور) عرف كيف ينتزع من صاحبه ألف وخمسمائة يورو: خمسمائة للمترجم المحلّف، وألف للشرعيين.
وقبل أن يوقّع لنصراني القديم والمسلم الجديد على عقد النكاح، استوقفه الفقيه الأول قائل:
 هل تعطينا وعداً بأنّك ستـُخضِع نفسَك لعملية الختان؟

بعد الترجمة الرسمية، نهض خوسي وقال بنبرة رسمية:
 كل شيءٍ ما عدا أن أبتر...
ولم يمُرَّ شهرٌ من أشهُر تسجيل الممتلكات وتحفيظها، حتى عاد خوسي إلى حالته الأولى؛ وحيدا بدون نور أو دراهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى