الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

زيارة سلوفاكية

«أن تصطبري على الوحدة والمآسي، يأتيك الفرج من حيث لا تحتسبين» بهذه الحكمة خاطبتُ نفسي عند مُهاتفة صديقي (غَزْلاني) لي.
 سأكون غداً في أكادير ومعي صديقـُنا (بومليك) وصديقتي السلوفاكية (ناتاشا).
 في الوقت الذي صارت الصداقة الخالصة من أيّ طمع عملة صعبة؛ صرتُ غنيّاً بالفعل.
من غير المعقول أن تكون سماءُ أكادير في شهر أكتوبر زرقاء إلى درجة البياض، ولكنّها الحقيقة المناخية التي جعلت من مدينتي الجديدة محجّاً للحالمين بدفء الشمس وذهبية الشروق والغروب.
رفقة الأصدقاء، تصير (مدينة الانبعاث) لوحةً تشكيلية سندُها (الصدق) ومادتُها (الحبُّ) وأصباغُها (الأحاسيس الراقية).
 سنحضر للافتتاح معرضنا المشترك بقاعة المتحف البلدي للتراث الأمازيغي.
قال:«معرض تحت عنوان (جماعة الأرض)؛ ومعنا الفنان (دْجيمي)»
أعرف (غزلاني) منذ عِقدٍ ونيِّف، وهو رجلٌ متواضع، وشاعر جميل وفنان رائع، وصاحب (البيان الرعوي) في الفن التشكيلي؛ ابن البادية، ولكنّه ـ وبالتأكيد ـ ابن الإنسانية.
وأعرف (بومليك) الذي أفتخر بفنّه التجريحي للمواد الأرضية، والذي لقّبْتُه ذات لقاء في الدار البيضاء ب(التشكيلي الأسد).
قبل اثنتي عشر سنة وزيادة، لم يكنْ متزوِّجا. والآن هو في قفص من النرجس والياسمين؛ أجل؛ لقد أرادها (ألفة) تونسية.
في فندق (كلوب ألمُكّار) حيث نزلوا، حكى لي قصّته مع تونس بالكامل، وعن الإعجاب الباذخ الذي أعربتْ عنه زوجتُه التونسية بالمغرب.
 كان زين العابدين وبلاطُه يكذبون باستمرار على الشعب التونسي ـ قال ـ وكانوا يُفهمونه بأنّ (تونس) أفضل البلدان العربية على الإطلاق... ولكن (أُلْفة) أدركت الحقيقة قبل ثورة الياسمين، وخلالها، وبعدها؛ وتأكّدتْ لها الحقيقة عندما صارت (مغربية).
رأيتُه كرجل مِكسيكي بشعره الطويل المفتول في الفنّ، وبعضلاته السمراء في لباس الـ (البادي)... من قال بوجوب أن يكون الفنّان/الشاعر/الروائي ذميما مثل ضفدع، ضعيفاً مثل أَرَقة، فقيراً مثل جرادة، وكئيباً مثل المالك الحزين؟
صديقي وسيم، قوي، دائم التفاؤل، وثري بقلبه، وحنانه، وإنسانيته، وتواضعه.
وكانت معه؛ تلك اللوحة السلوفاكية: بالرّب، كانت في جمال (الموناليزا) لكن بعينين زرقاوين وبشرة بيضاء ذائبة في العشق. كانت (ناتاشا)؛ أكادير ثانية تتحدث باللغة الانجليزية.

قالت:
 في سلوفاكيا النساء أكثر عددا من الرجال...
 فقلتُ: عندنا عدد النساء يساوي عدد الرجال ـ وأضفتُ (مازحا) ـ إذا كُنتُنَّ في حاجة إلى الرجال فبإمكاننا أن «نُصدِّر» إليْكُنَّ مليون رجل من «النوع الممتاز»...

فجاء (دْجيمي)، فأصبحنا أربعة رجال وامرأة.

وقالت: نحنُ مليونان فقط.
فتدخّل (غَزلاني) (مازحاً هو الآخر): نفس العدد لدينا في الحي المحمّدي بالدار البيضاء...
لحظتئِذ، تجلّتْ لنا «المرأةُ» في (ناتاشا):
 ... عددنا قليل، ولكن لدينا الجبال والغابات والفنون و... و... و...
في معرض الفنون، استطعتُ أن أتعرّفَ الرابطةَ الفنّية ـ الإنسانية بين أصدقائي الثلاثة: مدينة العيون/الرباط/بنسليمان، الصحراء/العاصمة/البادية، الصخر المجرّح بالفنون البَدْئية ذات الأبعاد الطقسية والدينية والعجائبية/اللوحُ المُضمّخ بالتراب المفقود والألوان الطبيعية والرموز/القُماشُ المطرّز بالحب والبساطة، وباختصار؛ العُبور/الاستقرار/والحنين.
عندما ترجم (غزلاني) للوحته السلوفاكية ما قلتُه عن المعرض، أبتْ إلا أن تريني صورا لبعض أعمالها كَمُصمِّمة فنِّية. صُورا ذكّرتني بأعمال تلك الفنّانة التشكيلية المشتغلة على السيليكون، وتخصيصاً منحوتتَها التي على شكل «فتاة ممسوخة إلى جُرذ» والتي استغلّها الدجالون الدينيون ليقولواْ «هذا مصير فتاة كافرة ألقتْ بالقرآن في وجه أمِّها...».
ثم إلى رواق (ليسْكالييه) الخاص.
هناك رأينا بعض الفنّ والكثير من الرداءة.
في صباح اليوم الثاني، أبى (دْجيمي) وصديقه (عبد السلام) إلا أن نزور قلعة (أكادير أوفلا)؛ تلك القلعة التي صمدتْ ـ بقدر مّا ـ ضدَّ زلزال 1960 الذي أودى بحياة 15000 شخصاً.
ولكنّها الآن مقبرة مُدنّسة بفعل جشع شركات الاتصالات، حيث وضعتْ ـ بدل الشاهدات على قبور ضحايا الزلزال التاريخي ـ أعمدة وأسلاكاً من حديد ونحاس.
ومع ذلك، رأت (ناتاشا) ضرورة أن تلتقط صورة لها وفي حضنها جَدْيٌ بالأبيض والأسود.
ولم تقدر على ركوب جمل من الجمال السياحية هناك.
في فندق (أطلس أماديل) فغرتْ (ناتاشا) فمها وقالت:«أوه مايْ گـادْ! ذاتسْ سو بْيوتِفُل!
وجلسنا قُبالة المحيط، خمسة رجال وامرأة سلوفاكية منهكة من فرط الإعجاب والحب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى