تـشـريـن

للخريف ظواهر تعلمناها منذ تلك الأيّام، ظواهر تبشرنا بقرب حلول فصل الخير فصل الشّتاء، كذلك نرى من خلالها تعرتامّ للأشجار،وتباعد الغيوم حينًا وتقاربها حينًا آخر، واليوم أرى الخريف في كلّ نفس بشريّة، أرى ظواهره بارزة واضحة، لا تخفى على عين ترى بجلاء لا ولا على نفس تنبض بحريّة.

بالأمس كانت تقفز تمرح هنا وهناك تمامًا كزهرة نديّة عطرة واليوم بتبدل الأيّام وانبعاث فصل آخر أراها تنبعث ولكن بانبعاث مختلف، تريد أن ترقص ورجلاها مكسورتان عفوًا مهدودتان، تريد أن تغنّي وصوتها فيه بحتة خريفيّة مميتة، تريد أن تلوح بعلم ولكن تنكس العلم، وانكسرت عصاه.

عفوًا أحبتي.... في حياتنا الاجتماعيّة تقيدنا السّياسة، وفي سياستنا الاجتماعيّة يقيدنا ضميرنا، وبين هذا وذاك نغوص ونغرق في يمّ لا نتقن فنّ العوم فيه، نبكي وفي دموعنا أملاح لا يشعر بملوحتها إلاّ من امتلأت خدوده بالجراح، فالدمع يكشف كلّ جرح متوارٍ في جسد سقيم.

اليوم... كتبتْ في دفتر صغير، لا غيوم تعلو غيوم سمائي اليوم ولا شمس أسطع من شمسي بالأمس لا ولا مطر غزير يستطيع أن يروي بسابس روحي الظمأى لحريّة وشعاع أمل. صرختْ..... للإنسانية ثوب متواضع لكنه غالي الثمن فابتعدوا عنه أيّها الأغنياء بأنانيتكم وسوء معاملتكم، فأبدًا أبدًا لن يلقي بكم. لماذ كلّ هذا؟؟ فقالت : هذا البغض من ذاك الأسى وأردفتْ في سرّها..... للزنبق رائحة شذيّة قبل التّشريح.

جلستْ وحيدة وفكرتْ في واقعنا فلواقعنا واقع آخر....في الأحلام، ولكلّ محطة هناك محطة أخرى تقابلها في المساحة تعاكسها في الانتظار وهدفه، وفي كلّ محطة هناك قطار عبر، وقطار يقف،وقطار لم تأت ساعته بعد، فطوبى لمن يعاني ولا يعاني، طوبى لواقع لا يستسلم للأحلام ولا يرضى بها مصيرًا أبديًّا. نوم النهار تعب ونوم الليل ارق وسهاد الفكر احتلال للحريّة، وبيع الضّمير ثروة العنتريّة وبين هذا وذاك تنمو في أرض خصبة الدكتاتوريّة.

ليس لقلبي قلب آخر فإن مات سندفنه جميعًا وبسرعة فائقة فإكرام الميّت دفنه.

وانتفضت إذ ذاك تشرين وعصفت لنفسها....رباه أسهم الحزن صائبة فويلاك فرحتي ويلاك وأطبقت جفنيها على دموع خفيّة ترطب وسادتها وهمست وأنا أراقبها تلتحف الأحلام وتتوسد الآمال...للنوم سلطان يقتلنا بسيفه الحادّ حين لا ننوى الانعتاق من الحياة.