الأربعاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم السعيد موفقي

رذاذا سعالها القديم...

أحيانا لا ينصح الأطباء مرضاهم بالوقاية

ويكتفون بوصفات من سموم كيماوية...

هذا الصباح اختفت كل الصفحات الثقافية والإعلانات السعيدة وعروض الملابس والأقمشة نصف عارية...تدافعت تحتها إصدارات ومدارات العام الجديد بعناوين مغرية ومضامين سافرة، هذا الصباح تزاحمت بدلا من ذلك مربعات التعازي والمواساة وصور الموتى والمفقودين والمنكوبين والمنتحرين والفاشلين والمتسلقين والمتسلقات بالأبيض والأسود...ولم يبق للسيّدة سوى العبث بأجزاء مرآتها المتشظية في بهو بيتها الخرب وصورا ملونة قديمة وممزقة ... تلملمها كطفل ضاعت مشاعره في فوضى المشاهد والصور والأصوات...!!! ...حاولت استجماعها بشكل فوضوي، ألصقتها بدون انتباه ضاعت كلّ أبجديات الرؤية والرؤيا، لم تستطع اخفاء ثقوبها وشقوقها الفاضحة...أصابتها قروح وجروح...لم تلتئم...تحسّرت لضياع نفسها فيها، كانت بالنسبة لها نِعم الأنيس في وحشتها، الشيء الوحيد الذي بقي لها - مرغما - في بيتها ...

ومع ذلك تهشّم وكَرِه وجهها القذر، ملّ عبوسها وكُرهها وحقدها وغيرتها وظلامها...امتلأت نفسها من كل أنواع القذارة، وارتسم في وجهها كلّ أنواع القبح ...لم يبق غير لسانها المعكوف إلى حلقها المنهوك وبعض جرائد منسية تعاني اكتظاظ الحروف المتنافرة...، تختزن صوتها المبحوح في رئتيها المهترئتين، يشتدّ سعالها تقذف رذاذه القديم، ولا تتذكر إلاّ عبثها وتلذّذها بالسقوط والاستمتاع بأصوات المجانين ...، انكسرت داخلها كلّ لفائف مكرها ولم يعد يهمها غير مراقبة غروب الشمس، ونسيت تسريح شعرها المتجعد ...يعجبها إحصاء المارة عندما تنكفئ إلى إحدى زوايا الشارع الممسوخ...لا يؤلمها مشاهدة الأقدام المتسكعة...تآكل مشطها الأسود وتساقطت أسنانه كفمها ... هوت كلّ قوائمها الهشة ...

بات يخيفها تناقل الأخبار وتزاحم الأفراح و تناسل العناوين الجميلة...تمنتها مآتم لتسعد هي ...كعادتها تبحث عن زاوية قصيّة، تجلس أحيانا وسط القذارة، لا تشعر بذلك، حتى يهمزها رائحة عفنها ...كالخائف تكتب خلسة سعادتها في مربعات مهملة وجداول لم تتضح خطوطها، تداخلت أفكارها بهذيانها ... وفي المساء (يركبها)عفريت الأحلام فتنام بحذائها ولا تتفقد مذكراتها التي اكتظت بعبارات الحزن والقلق ومشاهد الدسيسة ومخططات الخبث ومسارات النذالة، ولأنّها شديدة الفزع تشدّ بيديها إلى سريرها الصدئ حتى الصباح ...تنتظره لزيارة الطبيب ليكشف على حملها الملوث...!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى