الأحد ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

بين يأس و أمل

نظرات متشائمة:

كلما فكرت في هذا الشرق الجريح.. اهتاجت جوارحي ألما، وتمنيت أن أكون طائرا يهجر وكره إلى حيث المستراح.. فلا عذاب ولا ألم.

شرقنا العربي في سبات عميق.. لا تسمع إلا أناته وحشرجات الموت في أنفاسه.. والشعوب قبور تربض على صدورها الكلاب والذئاب.. فلا تسمع إلا النباح والعويل.

شرقنا العربي أسير و سجين.. مكبل بالسلاسل والأغلال، فلا تسمع شكواه إلا من وراء قضبان الحديد.

الكرامة في شرقنا العربي تباع وتشتري بالنعال.. وتمرغ بالأوحال؛ لأن الذين يحرسون أبواب الكرامة، قد دنسوها بقذارتهم.

شرقنا العربي مريض بسرطان اللصوص الذين سطوا على دم ثرواته، وحولوه إلى شرايينهم الخاصة.. وبغوا على جسده، وأقاموا قصورهم على صدره بعد أن امتصوا حليب أثدائه.

أصيب شرقنا العربي بالايدز، عندما فكر بمتعة الحياة.. وبـسارس الرئة القاتل عندما حاول استنشاق نسمات الحرية.. وبالحمى عندما حاول أن يعبر عن مشاعره.. وبالفالج عندما حاول النهوض من كبوته.. وبالسرطان عندما صودرت إرادته لخلايا أعدت في مختبرات سرية.. وبالزكام عندما استخرج النفط من أحشائه.. وبالصرع عندما حاول التفكير في حاضره ومستقبله.. وبالجنون عندما كشف الستر عن عوراته وعيوبه.. وبالغثيان عندما فكر في أمعائه.

علماء شرقنا الجريح يهجرون أوكارهم إلى وادي عبقر.. حيث يكتشف الغرب عبقريتهم، ويحولهم إلى أدوات لصنع حضارته.. لكن الغرب يصدر إلينا صغار خبرائه فيصبحون علماء مستشارين يهندسون مستقبل شرقنا.. ويمتصون دماء شعوبنا.

الشرق متآمر على نفسه, تتصارع أوصاله, فيؤذي بعضها بعضا, و متآمر مع أعدائه على ذاته أيضا.. أما الغرب فمتآزر بكل كيانه.. بعيد عن كل المؤامرات.. ونحن تاريخنا مؤامرات.. ومجدنا خداع في ليال حالكات.. وشرفنا ثوب ملطخ باللوثات.. ونصرنا هزيمة تلو هزيمة.. وإيماننا نفاق ورقية تخططها أنامل الدجالين والسحرة.

شرقنا العربي مقبرة الأحرار.. و قفص من الحديد و الفولاذ للشجعان.. ووكر مهجور للجهابذة والعباقرة والعلماء الأفذاذ.. ومسرح تحبك فيه كل المؤامرات.. وتمثل فيه كل مسرحيات القتل والصراع والنهب والدمار.

الشرق يحلم في ملء معدته والتخلص من كابوس الجوع.. فيغفو على الطوى، ويصحو ملتهب الجوى.

الشرق يحلم في أن يذوق طعم الحرية.. فينام مثخنا بالجراح.. ويستيقظ مضرجا بالدماء.

الشرق يحلم في أن يمسح دموع الأسى عن وجنتيه.. فيغفو حزينا، ويصحو مكسور الوجدان من دموع القهر.

الشرق يحلم في أن ينتصر ولو مرة واحدة على أعدائه.. فينام مهزوما.. ويصحو مكبلا بالأغلال.
الشرق يحلم في أن يتطور خطوة إلى الأمام.. فعندما يتقدم خطوة, تصبح هذه الخطوة ماضيا أمام الشعوب الأخرى.. وحاضرا أمام شعوبه.

الشرق يحلم في أن تتحرر إرادته من الظلم والطغيان.. فينام على احتلال.. ويفيق على احتلال جديد.

الشرق يحلم في أن تتحد أشلاؤه وأجزاؤه.. فينام بشلو مريض ويستيقظ على شلو مبتور.

الشرق يحلم في أن يضمد جراحه.. فينام على جراح، ويستيقظ على آلاف الجراح.

الشرق يحلم في أن يتحرر من عاداته وأفكاره البالية.. فينام على عادات وأفكار.. وينهض على أسوأ منها وأعفن.

الشرق يحلم في أن ينهض من كبوته.. فكلما حاول النهوض، تراجعت عزيمته إلى الوراء.

الشرق يحلم في أن يلبس ثياب الغرب.. فكلما جدد ثوبا وجد أنه من مزبلة الغرب.

الشرق يحلم في أن يصنع تاريخا.. فكلما خـط سطرا على جبهة التاريخ، حولته أيدي العابثين إلى إرث عائلي أو شخصي عفن.

الشرق يحلم، ويحلم أطفاله.. فكلما فكروا في حلم هبطت إليهم كوابيس المرارة واليأس والقنوط.. فيجهض الحلم قبل المخاض.

الشرق يحلم في أن يعزف على أوتار الحب العفيف أمانيه.. فينام على عهر، ويصحو على عهر جديد.

الشرق يحلم في أن يتخلص من الإقطاع.. فيتحرر من شكل من أشكاله، ويرزح تحت أشكال وأنواع وألوان من الإقطاع الجديد.

الشرق يحلم في أن يعانق الفضاء.. فكلما حاول أن يلثم منه الخدود، وجد نفسه يقبل منه القدمين والنعلين.. فيمرغ خديه في التراب.

الشرق يحلم في أن يحيي الضمير.. وكلما حاول، وجد نفسه منهمكا في أوحال الأنانية والذاتية الدونية.

الشرق يحلم في أن ينفض عن جناحيه غبار السنين.. فكلما انتفض، علق جناحاه بأوحال الأيام والليالي.

الشرق يحلم في أن يخلع عباءته البدوية.. فكلما حاول خلع عباءة، ألبسوه عباءات جديدة.
الشرق يحلم في أن يتساوى فيه الرجال والنساء في الحقوق والواجبات.. وكلما حاول، وجد المساواة في تشبه كليهما بالآخر.

الشرق يحلم في أن ينام على السرير.. وكلما استيقظ، وجد نفسه تحت السرير.

الشرق يحلم في أن يرسم أمانيه على دفاتر.. فكلما أمسك بالقلم نفد المداد.

الشرق يحلم في أن يتسلق الجبال.. وكلما حاول، وجد نفسه في حافة الهاوية.

الشرق يحلم في أن يرضي الإله.. وكلما فعل حل علية الغضب والبلاء.

الشرق يحلم في أن يسمع صوته في الملأ.. فكلما صرخ, لم يسمع إلا صداه.

الشرق يحلم في أن يفوز بالجنة.. فكلما سعى إليها, وجد نفسه في جحيم أليم.

الشرق يحلم في أن يدخل التاريخ من الأبواب.. فكلما دخل من باب, لفظته الحضارة من النوافذ.

الشرق يحلم في أن يرفع راية السلام البيضاء.. فكلما رفع راية, وجدها ملطخة بدماء القتلى والجرحى والشهداء.

الشرق يحلم في أن يسخر ما لديه من موارد.. وكلما حاول.. وجدها مسخرة للصوص ومصاصي الدماء.

الشرق يحلم في أن يصير غنيا.. وكلما حاول, وجد الفقراء يتسكعون هنا وهناك.

الشرق يحلم في أن يتحرر من جهله.. وكلما حاول, وجد مسامير الجهل مغروسة في كيانه من رأسه حتى أخمص قدميه.

الشرق يحلم في أن يمتلك قوة تؤهله لأن يكون محترما بين الدول.. وكلما أعـدّ قوة, وجدها قد دمرت في مهدها بمخططات المتآمرين.

الشرق يحلم في أن تسود فيه قوانين العدل و المساواة.. فينام على ظلـم, ويفيق على شرائع الغاب.

الشرق يحلم في أن يحتسي كؤوس نشوة الحياة.. وكلما أعد الأكواب, وجـدها مترعة بالأسى والعلقم.

الشرق يحلم في أن يغرد كالعصافير والبلابل.. فكلما أنشد أغنية, هبت الرياح العاصفة فأخرسته بأزيزها.

الشرق يحلم في أن يطير في الفضاء.. وكلما حاول, أسقطته سهام الصيادين الغادرين.

الشرق يحلم في أن يبني مستقبله بيده.. فكلما وضع لبنة فوق لبنة, جاءت السيول فجرفت كل ما تم من بناء.

الشرق يحلم.. ويحلم.. ويحلم.. ويظل الحلم بعيدا.. بعيدا عن الواقع!!

الشرق بدأ أحلامه بالوحدة والحرية والاشتراكية.. قبل أن يشبع فكره ومشاعره ورؤاه.. فتحطمت الوحدة في اتفاقية سايكس بيكو، وانتحرت الحرية أمام حدائق بابل المعلقة، وأعدمت الاشتراكية بين أبراج اللصوص وبين مخيمات الفقراء واللاجئين والمضطهدين!!

الغرب حلم.. وانتهى من عصر الأحلام.. وحولها إلى واقع ملموس تتجلى فيه كل الحضارة والتقدم والازدهار..

أيها الشرق كفاك رقصا وغناء مع الدجالين من الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات.. كفاك فقرا وأنت تدفع ( شوابيش وبخاشيش ) وأتاوات لمن يحركون مشاعرك البهيمية.

انتفض أيها الشرق على أصنامك وأوثانك وأزلامك، وكفاك ركوعا للقبور والصخور والصدور والخدور والبخور.. وكفاك أوهام أدعية في الأضاحي والنذور.. وانتفض على التراب الذي مرغوا كرامتك بذراته.. والثم أشعة الشمس وضوء القمر، وانشق عطر الزهور وشذا الورود الناعمة الغضة النديـة المفعمة بالحياة.. وتعلم أناشيد الحرية من عصافيرك التي تتراقص فرحة بجمال الطبيعة.. ولا تستسلم لصياديك، فأسلحة صيدهم صدئت، وباتوا يخشون من ظلهم الذي يتبعهم صباح مساء.. وغنّ قصيدة الإرادة مع أبي القاسم الشابي، وتأمل فلسفة الحياة والحرية التي يصنعها الأحياء لا الأموات:

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بــدَّ لِلَّيــــلِ أنْ يَنْجَــــلِي
وَلا بُــــدَّ للقَيـْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْــرِ بَيْنَ الحُفَر
هُوَ الكوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ
وَيَحْتَقِـرُ الْمَيْتَ مَهْمَـا كَبـــر
فَلا الأُفْـقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ
وَلا النَّحْـلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَـر

قم أيها الشرق وانتفض في وجه المستبدين من الطغاة والمجرمين، وأطلق صرخاتك مدوية كقصف الرعود وعصف الرياح، وإن شاخت عزيمتك، فالظلم والطغيان يخلقان من الأطفال والشيوخ والنساء أبطالا، فانظر إلى المختار.. ولا تيأس ففيك ألف ألف مختار.. ولا تقلق ففيك عمر وخالد وصلاح الدين.. وفيك أساطير من البطولة والرجولة لا تقل عن الأولين.. واصرخ في وجوه المستبدين:

ألا أيهـــا الظـــالم المستبــــد
حبيب الظـلام، عـــدو الحيـــاه
سخرت بأنات شـعب ضعيف
وكفــك مخضـوبة مـن دمــــاه
وســرت تشوه سحر الوجــود
وتبذر شـــوك الأسـى في ربـــاه
رويـــدك! لا يخدعنك الربيـع
وصحو الفضاء، وضوء الصباح
سيجرفك السـيل، سـيل الدماء
ويأكلك العـــاصـف المشتــعل

نظرات متفائلة:

إن هذا الشرق الذي نراه اليوم غارقا في سبات عميق، هو الشرق نفسه الذي أشرقت منه شمس العلوم والحضارة والعدل والإيمان، والشرق هو مهد الحضارات الإنسانية في مختلف تواريخه وعصوره، فكيف ينسى العالم حضارة البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين والغساسنة والسبئيين والأكاديين والفراعنة والتدمريين والأنباط؟؟ وكيف يتناسى العالم حضارة الإسلام التي أنارت جنبات الكون بالأخلاق والقيم والمثل الإنسانية في أبهى حللها؟؟
إن أجمل ما في حضارة الشرق إنسانيتها وأخلاقيتها، وأبشع ما في حضارة الغرب ماديتها ولا إنسانيتها، وإليكم أدلتي وبراهيني من واقع أصحاب تلك الحضارة، ومن آراء علماء ومفكري الغرب والشرق على نزاهة حضارات الشرق وبشاعة حضارة الغرب..

إنني أراهن على سقوط الحضارة الغربية التي وصلت إلى مرحلة التدهور والانهيار الوشيك؛ لأنها طغت وبغت وداست كل القيم والمثل الأخلاقية.

فليست القنابل الذرية التي ألقيت في هيروشيما وناغازاكي في اليابان إلا شاهدا في أذهان الشعوب على بشاعة تلك الحضارة.. وليست السيطرة علي مقدرات الشعوب وثرواتها إلا مثالا حيا على انحدار تلك الحضارة.. وليس احتلال العالم والقضاء على كل صوت حر إلا جريمة ترتكبها تلك الحضارة.. وليس قتل الشعوب وتدميرها بأحدث وأخطر أنواع الأسلحة إلا برهانا صارخا على همجية تلك الحضارة.. وليس إلقاء أو إتلاف ملايين الأطنان من الحبوب والأغذية في البحار بغية السيطرة على اقتصاد وتجارة العالم إلا أسلوبا همجيا تأبى الحيوانات المفترسة الإقدام عليه..

ستعود حضارات الشرق إلى صفحات التاريخ لتزيل عنها ما علق عليها من غبار، وستسطع شمس العرب والمسلمين من الشرق لتزيل كل ليل وظلام غيبها عن الشروق، وستبث أشعتها إلى الكون بعد كسوف سنوات عجاف..

العرب والمسلمون أصحاب حضارة، لم تدمر ديرا ولا كنيسة، ولم تقتل طفلا أو شيخا أو امرأة، ولم تحرق شجرة أو زرعا أو رزقا، بل تفانت في الحفاظ على سلامة البشر والحجر والشجر.. أما حضارة الغرب، فتهدد بالقنابل الذرية، ولا تتورع في استخدامها.. وقد سمع العالم بأسره نهيق عالم ذري غربي يهدد بضرب كعبة المسلمين بالقنبلة الذرية.. وإسرائيل طفلة الحضارة الغربية المدللة تغرس، تحت المسجد الأقصى في أقدس مدينة في تاريخ الديانات، متفجرات لتدميره من أجل إخفاء أي معلم عربي وإسلامي يدحض خرافة الأسطورة الصهيونية وبناء هيكل سليمان المزعوم..

فتلك حضارتنا.. وهاهي حضارتهم.. فلا تحزن أيها الشرق؛ فإنك مصدر الشروق.. وسوف تشرق منك الحضارة بعد أفولها من الغرب.. وها هم يدفنونها بأيديهم.. فلا تيأس ولا تقنط من رحمة الله ..

الأدلة والبراهين على طبيعة الحضارتين:

انظروا معي أيها المتشائمون كيف سطعت حضارة الشرق على الغرب، ومازالوا يستنيرون بأنوارها المتغلغلة في نفوسهم وفي زوايا حياتهم المظلمة، تقول الكاتبة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها ( شمس العرب تسطع على الغرب):

" أجل، إن في لغتنا كلمات عربية عديدة، وإننا لندين - والتاريخ شاهد على ذلك - في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب. وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس، وألقت أضواء باهرة جميلة على عالمنا الرتيب، الذي كان يوما من الأيام قاتما كالحا باهتا..".

وتأملوا كنوز شرقنا في غربهم:

" إن الإسلام قد انتشر، وبانتشاره أصبح البحر حدا فاصلا بين عالمين اثنين، فجاءت البندقية لتمد البحر من جديد جسرا مكن بلاد الشرق، بكنوزه النادرة حينا والمجهولة أحيانا، من غزو بلاد الغرب الجائعة..".

بل إن كثيرا من شعائر الإسلام زخرفت معتقداتهم وشعائرهم الدينية:

" وثمة أيضا شعائر ورموز عربية ما تزال حتى الآن متبعة في الكنائس، كرمز إكليل الورد الذي جاء عن طريق الإسلام من الهند ليحل في الكنيسة. وتعدى ذلك إلى الآنية المقدسة، كالمباخر، حتى البخور ذاته، والمر وغيره. أضف إلى ذلك أوشحة الحرير والصوف والأردية المنمقة التي لما تزل محفوظة في هياكل الكنائس الأوربية ومعابدها، والتي ما فتئت تغطي مناكب الكهنة المسيحيين في الاحتفالات الدينية فتضفي بفخامتها الشرقية المزوقة وزينتها الثقيلة معنى قدسيا رائعا على القداس الكاثوليكي ."

ولا تنسوا أيها المتشائمون أن الغرب مهما بلغ من التقدم التكنولوجي، ومهما امتلك من أسباب القوة والسيطرة، فلن يستطيع دك أسوار الشرق المحصن بكتاب الله وأنوار تعاليمه السماوية، فاستمع إلى ما قاله غلادستون الوزير الإنكليزي موحد أركان الإمبراطورية البريطانية في الشرق:

" ما دام القرآن موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان ".

فهم يدركون ما للقرآن من تأثير في حياتهم في مختلف مناحي العلوم، ولا يستطيعون إنكار ذلك، وهذا ما صرح به الفيلسوف ديمورت، حين قال:

" إن العلوم الطبيعية والفلسفية والرياضية والنجوم كلها أخذت من القرآن وهذه العلوم قد دخلت أوروبا من القرن العاشر بعد الميلاد ".

كما أنهم يدركون أن التشريع الإلهي الذي جاء به النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام هداية لكل أمم الأرض، لا يتنافى مع الحكمة والعقل، فهذا ليف تولستوي (( 1828- 1910)) الأديب العالمي الذي يعـد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية، يقول:

" يكفي محمدا فخرا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد، ستسود العالم؛ لانسجامها مع العقل والحكمة. ".

ونحن في الشرق أغنياء، وعلينا أن ندرك مصادر غنانا، كما يجب أن نكون على يقين من أن حضارة الغرب غنية ماديا، لكنها خاوية من الروح والجوهر، فلماذا نتسول ونحن أغنياء؟ وهذا ما عبر عنه العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، حين قال:

"الحضارة الغربية قدّمت للإنسان الغربي الوسائل، ولم تقدم له الغايات، قدمت له الرفاهية ولم تقدم له السكينة.. منحته المادة وسلبته الروح.. أعطته العلم وحرمته الإيمان.. هذا ما صنعه الغرب، ناهيك بما صنعه بغيره من الشعوب.. لقد قتل الغرب الآخرين ليحيا، وصنع من جماجمهم حجارة لبناء رفاهيته، وزخرف أبنيته بدمائهم.. وإذا كان في الحضارة الغربية من خير، فكله قد سبق به الإسلام، ولسنا في حاجة إلى أن نتسوّل من غيرنا ونحن أغنياء".

ولا تنسوا أن تلك الحضارة وصلت إلى تخمتها ماديا، لكنها قفزت إلى أقصى درجات القلق والعبثية، وافتقدت كل توازن حضاري وكل معنى إنساني، يقول الدكتور محمد عمارة: "يعاني الغربيون من خلل توازن ثمرات الإبداع، ففي ميادين القوة والوفرة المادية قفزت حضارتهم قفزات عملاقة، على حين أصابها الفقر في غير هذين الميدانين، فافتقد إنسانها التوازن الحضاري، والاطمئنان الآمل.. إنه التوازن الأعرج الذي حقق لإنسان الحضارة الغربية قوة الوحوش الكاسرة، وشِبَع من يأكل في سبعة أمعاء، مع أقصى درجات القلق والعبثية، وانعدام المعنى الإنساني للحياة !"

وقد وصلت حضارة الغربيين إلى مرحلة الذبول، يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: "حضارة الغربيين كالشجرة الذابلة، يعلقون عليها الأثمـار ويشـدونها بالخيط ! كل يوم يحلّون، وكل يوم يربطون، ولا ثمرة في الطبيعة!".

وعليكم أيها المسلمون والعرب ألا تنخدعوا بحضارة الغرب، إنها وهم وسراب، يقول شاعر الإسلام وفيلسوف الشرق الدكتور محمد إقبال: "أيها المسلم المخدوع بالغرب، استيقظ إنك تجري سفينة في سراب ! إنك تبحث عن الشمس بمصباح! سر على قدميك واهجر الهودج ولو في صحبة ليلى، واحترق بحرارة ذاتك، ولا تقبس من أحد ناراً".

ولا تنسوا أن تلك الحضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة، فقد بلغت مرحلة الاحتضار، يقول الدكتور إسماعيل الفاروقي:

"الحضارة الغربية متصدعة مقبلة على انهيار تام، لا لضعف في قوتها بل لفساد في أساسها، أليس مسخاً للإنسان أن يتحدث الإنسان الغربي عن القيم، فيسألك عن الثمن؟!"

ويحدد العلامة أنور الجندي مواطن الداء في هذه الحضارة فيقول: " يكمن زيف الحضارة الغربية في مقاتلها الحقيقية وهي: قيامها على الربا، ونسبية الأخلاق، وموقفها الفاسد من المرأة والأسرة والمجتمع".

ويقول د. طه جابر العلواني : "رغم أن الفكر الغربي نجح في التقدم العلمي، فإنه قصّر في مخاطبة الجوانب

الإنسانية في المجتمع، وأصبحت الحضارة الغربية قائمة على صراع القوي ضد الضعيف". ويقول العلامة المجدد ابن باديس رحمه الله: "المدنيّة الغربية هي مدنيّة مادية في نهجها وغايتها ونتائجها، فالقوة عندها فوق الحق والعدل والرحمة والإحسان، قد عمّرت الأرض وأفسدت الإنسان".

ويجب أن يتنبه العالم إلى البون الشاسع بين عوامل نجاح حضارتنا في الشرق وبين عوامل نجاح حضارتهم في الغرب، يقول الإمام محمّد عبده :

" ما استطاعت الشعوب الغربية أن تتقدم إلا حين تخلت عن عقيدتها, وما استطاعت الشعوب المسلمة أن تتقدم إلا حين استمسكت بعقيدتها. وما تأخرت إلا من يوم انحرفت عن دينها, فكلما بَعُد عن المسلمين علم الدين, بعد عنهم علم الدنيا" .

كما أن الحضارة الغربية قامت على الإبادة، ولم تقم بالتعمير، وهذا ما عبر عنه العالم الفرنسي روجيه جارودي الذي هجر حضارته الزائفة ودخل في حضارة الإسلام الحقيقية إذ قال : "إن المدنية الغربية في طريقها إلى الموت لغياب الأهداف، إننا نرى انتشار قتلة الأمل الذين يحاولون إقناع الشباب بأن حياتهم لا معنى لها ولا يمكن أن يترك المستقبل للعالم الغربي، فقد هيمن خمسة قرون على مقدّرات البشرية فاتجه للإبادة أكثر جداً مما اتجه للتعمير".

ويجب ألا يغيب عن أذهان الجميع أن أوربا هندست شقاء العالم بجشعها، وهذا ما عبر عنه المفكر السويدي جان ميردال في كتابه ( أوربا ودورها في شقاء العالم ): " قد اعتصرت أوربا ثروات العالم، وسبحت في النعيم، تاركة أهل تلك الموارد في فقر شديد، ومتّهمة إياهم بأنهم متأخرون وملوّنون ولا يستحقون الحرية ! ثم حجبت عنهم عناصر التقدم وفي مقدمتها التكنولوجيا".

وكفى الغربيين نعيبا واتهاما للشرق الإسلامي بتخلف المرأة، ألا يكفيهم دليلا على حرية المرأة المسلمة أن عدة نساء في الشرق وصلن إلى أعلى المناصب السياسية في دول إسلامية عديدة، في حين يحرم على نسائهم ارتياد تلك المناصب، أولا يقرأ الغربيون إعجاب مفكريهم بمكانة المرأة العربية والمسلمة، يقول غوستاف لوبون : "ينظر الشرقيون إلى الأوربيين الذين يُكرهون نساءهم على العمل، كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جر عربة! فعمل المرأة عند الشرقيين هو تربية الأسرة، وأنا أشاركهم رأيهم مشاركة تامة، فالإسلام لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع!".

ولا تنسوا أن ثقافة الحضارة الغربية سقيمة معتلة، تعاني من أزمات حادة، فاقرؤوا معي ملامح تلك الأزمة في كتاب من تأليف عالم الاجتماع تيرم سوركن عنوانه ( أزمة عصرنا ) يقول فيه : " إن الثقافة الغربية معتلّة، سقيمة الروح والجسم، وتعاني أزمة حادة متغلغلة في كل نواحي الحياة، وهي أزمة انهيار عام وتحلل شامل، إننا نعيش في أواخر الليل الطويل للحضارة المادية، بما يحوي من أشباح وظلام رهيب، وإرهاب ووحشة.. ومن وراء هذا الليل المهول سيستقبل الناس القادمون صبحاً صادقاً لثقافة جديدة جامعة ومعنوية". ويتطلع العقلاء من مفكري الغرب إلى فجر صادق يمحو ظلم الغرب وظلامه، فيكتب فرجيل جورجيو: "مما لا ريب فيه أن هذا الانهيار للمجتمعات المادية تعقبه نهضة القيم الإنسانية والروحية، وأن هذا النور العظيم سيجيء من الشرق" .

وأقول للغربيين: لقد بدأت نجومكم بالأفول، وحان لشمسنا أن تشرق.. فهذه حال الدنيا، كما قال شاعرنا الأندلسي أبو البقاء الرندي حين أفلت نجوم العرب والمسلمين من سماء الأندلس:

لكل شيء إذا مـا تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمـان

وهنا يجب أن تلاحظوا أيها الغربيون البون الشاسع بين أفولنا من بلادكم وأفولكم القادم عما قريب من بلادنا، فنحن عندما أفلنا من دياركم لم نهدم مدنكم ولم نبد شعوبكم، بل تركنا لكم قصورا وحدائق ومكتبات تتحدثون عنها أكثر مما نتحدث، ولم نقتل أطفالكم ولا شيوخكم ولم نَسْبِ نساءكم.. أما أنتم فقد دمرتم مدننا بأحدث أنواع أسلحتكم، ونهبتم كل ثرواتنا، ويتمتم أطفالنا وقتلتم شيوخنا وانتهكتم أعراضنا، وسرقتم تراثنا وتاريخنا، ولوثتم فضاءنا وأرضنا وأنهارنا وبحارنا وينابيعنا بدخان حقدكم وجراثيم قنابلكم التي جربتموها على شعوبنا، لكنكم إن تناسيتم ما فعلتموه، فالتاريخ لا ينسى وأنتم أكثر من يتذكر إحراق نيرون لروما، ونازية هتلر الذي مازال شعبه يدفع ضريبة المحرقة اليهودية ( الهولوكوست )، واليوم تغضون الأبصار

عن كل (هولوكوست) ترتكبونها، وتقترفها ربيبتكم إسرائيل التي صنعتموها فوق صدورنا في أطهر بقعة من بقاع الدنيا..

وآن الأوان لغروب ثقافتكم القائمة على الأنانية وحب السيطرة والعجرفة المريضة المتعالية كثقافة الأنظمة التي بنيتموها فوق عقول شعوبنا، تلك الأنظمة التي لا ترى خلفها إلا رعاعا يردد ما يملى عليه، لكنكم فشلتم أيما فشل، لأن هذه الشعوب قد انتفضت، وها هي اليوم تصنع التاريخ الذي حرمتموها إياه زمنا طويلا.. وها هي اليوم تسترد كل ما سلبتموه من إرادتها وثرواتها وخيراتها عن طريق رعاتكم المجرمين الذين يبيدون شعوبهم بطائراتكم وأسلحتكم الثقيلة وأنتم تتفرجون وتنتظرون، بفارغ الصبر، إيجاد رعاة جدد تضمن لكم إشباع نهمكم من النفط والثروات والخيرات، ويبدو أنكم لن تشبعوا أبدا، لكنني أنبئكم بغضب الله وغضب الشرق الذي لعنكم من قبل، وها هو اليوم بدأ تاريخه الجديد بلعنة ستمحو كل عاركم واستعلائكم وغطرستكم المريضة، يقول اشبنغلر في كتابه (أفول الغرب): "لقد شاخت الثقافة الأوربية وحان موتها، وهي تعاني سكرات وآلام الاحتضار، وإن ساعة القضاء قد دقّت وإن المدنيّة الغربية يشيع فيها اليوم القلق والاضطراب، وقد أخذت تنقلهما إلى الشرق.. ولا أرانا نمتلك أي هدف أو خطة أو فكرة أكثر من تلك التي يمتلكها صنف من الفراشات!".

وفي الختام أقول: إن أية حضارة لا ترتكز في دستورها على القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة التي تسمو بالإنسان فكرا وروحا ووجدانا، وتكتفي باحتكار المادة والقوة، ليست بحضارة أبدا، كما قال شبنغلر: " إن للحضارة دستورا أخلاقيا يتمثل في العقيدة وقوة النفس، وتلازمه بساطة الظواهر، وإن الدستور الحضاري لا يعتمد العقل أبدا، وإنما يعتمد الوجدان الممثل في الشعور، لا بالحس، وأن العقلانية في شتى مذاهبها، مدنية لا حضارية، لذلك عندما تدخل الحضارة الطور العقلاني من تطورها، تبلغ خريف عمرها، وتشيخ وتهوي إلى درك المدنية، ثم تتابع انحدارها إلى الانحلال. ".

فأيقظ جفونك أيها الشرق.. ولا تخش من النظر إلى الشمس، فأنت الذي أنرت ظلمات الجبابرة الذين دمروا كوكبنا الأرضي، وقضوا على كل حضارة، وراحوا يهددون البشرية بحرب النجوم، وما حروبهم إلا دليل قاطع على جبنهم وتخلفهم عن الحضارة، وليست وحشية الوحوش الكاسرة إلا قذارة!! وانتفض ولا تخف فقد جاءت بشارة السماء بأنك مهد الحضارة..


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى