الخميس ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي
بقلم محمد الإحسايني

ومتـّى بن يونس المنطقي ببغداد

تحليل ما دار في الليلة الثامنة من مسائل النحو والفلسفة: مدى تأثر النحو العربي بالأصول والمنطق الأرسطي

تكشف مناظرة السيرافي مع متـّى بن يونس المنطقي عن تصادم النحو واللغة بالمنطق والفلسفة اليونانيين. هل هناك إشكالية إبيستيمولوجية غير مصطنعة أدت إلى بروز عدم التفاهم بين المتناظريـْن؟

يتحول السيرافي في هذه المناظرة إلى منطقي حاذق؛ وهو ما يؤكد أن النحاة يلجئون إلى المنطق عند الحاجة لحل إشكالات نحوية ولغوية، ثم بعد ذلك يهاجم بعضهم المنطق بشراسة. وقد ينتقد النحوي النحاة، فيعد حججهم واهية كما فعل ابن مضاء القرطبي في مهاجمته للنحو المشرقي.

ابن يعيش الرقي حاول عيثاً أن يفشي أسرار صنعة الفلسفة

يستأنف أبو حيان (2) مسامرته مخاطباً المهندس أبا الوفاء، بهذه التوطئة:"...وقال لي مرة أخرى ـ يقصد أبا العارض (3) مؤانسه ـ أوصل وهب بن يعيش الرقيّ اليهودي رسالة يقول في عُرضها بعد التقريظ: "إن هنا طريقاً في إدراك الفلسفة مذللة مسلوكة مختصرة فسيحة، ليس على سالكها كد ولا شق في بلوغ ما يريد من الحكمة ونيل ما يطلب من السعادة وتحصيل الفوز في العاقبة؛ وإن أصحابنا ـ يقصد الفلاسفة ـ طوّلوا وهوّلوا، وطرحوا الشوك في الطريق، ومنعوا من الجواز عليه غشاً منهم وبخلاً ولؤمَ طباع، وقلة نصح، وإتعاباً للطالب، وحسداً للراغب، وذلك أنهم اتخذوا المنطق والهندسة وما دخل فيهما معيشة ومكسبة، ومأكلة ومشربة، فصار ذلك كسور من حديد لطلاب الحكمة ـ الفلسفةـ والمحبين للحقيقة، والمتصفحين لأشياء العالم..." يعلق أبوحيان على هذه الواقعة بقوله:" فما أبعد؛ بل قارب الحق؛ فإن متىّ كان يملي ورقة بدرهم مقتدري نسبة إلى) الخليفة المقتدر بالله (وهو سكران لا يعقل، ويتهكم، وعنده أنه في ربح، وهو من الأخسرين أعمالاً، الأسفلين أحوالاً". (4) واضح من هذه التوطئة، أن:

 الفلسفة من العلوم النادرة التي تضن بها الخاصة على العامة بالرغم من أن الترجمة والنقل ابتدأت في عصر الدولة الأموية لتزدهر في عهد المأمون العباسي حيث كان العلماء والمترجمون يعيشون في البحبوحة، عكس ما آل إليه الو ضع زمنَ بن يعيش الذي اضطره فقره المدقع إلى كتابة ملتمس حاول فيه زعماً أن يفضح سر المتعاطين لـ الفلسفة في عهده.

 ابن يعيش ملم بالفلسفة كما هو ملم بها أبو حيان، وإلا ما نقل أبو حيان عن مؤانسه بدوره، هذه الرواية المحتفظة ببعض السمات الأولية للفلسفة:" المحبين للحقيقة، والمتصفحين لأشياء العالم". ومن ثم، فأبو سعيد السيرافي بدوره، يمتلك منطقه مسبقا؛ً وهو منطق اللغة والنحو بالرغم من تأثر النحو العربي بالقياس الأصولي) يتألف قياس النحو من أربعة أركان: أصل، فرع، حكم، وعلة(، خاصة قياس العلة. ومن ثم، اتخذ له منهجاً معيارياً، بحكم أنه يسعى لتقعيد النحو، وقد يُلجأ في أبسط الأحوال إلى القياس اللغوي البسيط الذي يعتمد رد الشيء إلى نظيره أو حمل الفرع على الأصل كما في القياس الفقهي. في حين ارتفع مستوى علم الكلام بمراعاة مناهج الأدلة. إلا أنه لم يـُكتف بهذا المنهج وحده؛ بل اعتـُمد بجانبه على المنهج الوصفي؛ فالمادة اللغوية؛ قبل أن تغدو إشكالات نحوية تمّ الأخذ بها وروايتها عن الأعراب والقبائل: )قيس، تميم،أسد، هذيل كنانة وبعض من طيء(. بيد أن سيبويه استشهد بشعراء من ثقيف، وعبد القيس، وتغلب، وقضاعة، وبكر؛ فكل ما لم ينطبق على ما رُوي عن الأعراب وقبائل معينة منهم، فهو خطأ، فهي إذن منبع هام من منابع الأحكام)سنرى ذلك في تعقيب أبي سعيد السيرافي على أبي بشر: "خطأ"( التي تُوُصل إليها في مثل هذه الإجراءات الميدانية بواسطة الاستقراءinduction ، ذلك أن الاستقراء بحكم أنه ينتمي إلى منطق تجريبي ميداني، فإنه يجري في مراحله المتعددة نحو " الحكم على الكلي لثبوت ذلك الحكم على الجزئي" أو البرهنة على أن قضية ما، صادقة صدقاً كلياً بإثبات أنها صادقة في كل حالة جزئية إثباتاً تجريبياً. فهو ينطلق من جزئي نحو الكلي، عكس القياس المنطقي الذي هو مركب بحكم طبيعته من عناصر ووحدات تؤلفه للوصول إلى استدلال معين. وعندما تصطدم القاعدة بالسماع، يدخل ذلك في حكم الشواذ.

هل تمكن العرب من معرفة القياس الأصولي قبل معرفتهم المنطق الأرسطي؟ سيكون الجواب ضرباً من السوريالية، أو من قبيل "لغز البيضة والديك، أيهما أسبق إلى العالم". لأن هناك إشكالية إبيستيمولوجية متداخلة تكمن في تدوين اللغة، والنحو، والبيان، وعلاقة الاستقراء بالاستنتاج من جهة، بالرغم من اختلافهما وتعريب المنطق وتصادم النقول بفعل الكينونة(être) الذي يشكل عبارة قلقة في النقول الفلسفة من جهة ثانية.

وكان أبوسعيد السيرافي قد روى لأبي حيان التوحيدي عند انتهاء مناظرته الشهيرة التي جرت في مجلس الوزير أبي الفتح جعفر بن الفرات (5) مع متىّ بن يونس القناني المنطقى (6) لـُمعاً منها. وكان السيرافي (7) يروي ذلك ويقول لأبي حيان:" لم أحفظ عن نفسي كل ما قلت، ولكن كتب ذلك أقوام حضروا، في ألواح كانت معهم ومحابر أيضاً، وقد اختل عليّ كثير منه " ثم يستطرد أبوحيان قي ختام الوقائع المروية له عن المناظرة ليذكرنا بـ علي ين عيسى،(8) أستاذه ونجيه لنهاية وقائعها:"...وتقوض المجلس، وأهله يتعجبون من جأش أبي سعيد السيرافي..."

وحسب الرواية؛ فإن السيرافي، بالرغم من محاولة تهربه من المناظرة؛ وتجنبه تجريح خصوم مدرسة النحو واللغة؛ فقد اضطر إلى قبولها، بعد أن أسند إليه الوزير ابن الفرات قسراً بطريقة غير مباشرة، مهمة زعامة الصراع بين النحو والفلسفة التي يمثل زعامتها فرضاً متىّ بن يونس. ثم اضطر السيرافي إلى افتعال معاداته للفلسفة إرضاء للوزير ابن الفرات.

هما إذن، عالمان كلاهما متخصص في مجاله: الأول، فقيه وعالم بـ النحو مبرِّز، له باع طويل في الأدب. الثاني، فريد عصره، يمسك بأعنة المنطق، متحكم فيه؛ فعرفه عصره عن طريق العديد من ترجمات ونقول أرسطية وغيرها، فهو يعد مرجعاً أساسياً في ذلك، ويكفي أن الفارابي أخذ عنه.

مناظرة أبي سعيد السيرافي النحوي ومتـّى بن يونس المنطقي

حديث المنطق وحديث النحو

من خلال مناظرة السيرافي لمتىّ بن يونس تلمس:

 مدى تصادم النقول العربية للمقولات الأرسطية للنحو والصرف اليونانيين ومقارنتها بما أخذ يسود في النحو والبيان العربيين في أوج نموهما مما حمل السيرافي على توجيه سهام النقد القدحي، وبعنف، للخطاب الفلسفي متشبثاً بالنحو كـ منطق للغة العربية؛ أوَليس المنطق، على حد تعبيره، سوى نحو للفلسفة اليونانية؟

- الطريقة التي نقل بها إلينا أبو حيان التوحيدي وقائع المناظرة تحتفظ بطابَعها الحجاجي والسجالي، يالرغم من الضغوط الممارسة عليه هو نفسه من قبل المهندس أبي الوفاء (9)والذي اسـتـُنسختْ المناظرة لأجله؛ ألم يرد أبو حيان على تهديداته بقوله:" أنا سامع مطيع، وخادم شكور، مثلك يعفو ويصفح، وأنت مولى، وأنا عبد، وأنت آمن، وأنا مؤتمن"؟

 إرضاء الوزير الذي كان يؤانسه سبّب له، من سوء الحظ، تهديداً لاستقراره، أو ربما ينجم عنه هلاك بسبب استغراقه في هذه المؤانسة، إذ نسي، أو تغافل عن فضل المهندس أبي الوفاء الذي أوصله إلى الوزير ابن العارض، و ذلك قبل أن ينبهه المهندس متوعدا إياهً بالويل والثبور فيما إذا استمر كنودا متجاهلاً للنعماء التي أولاها إياه بإيصاله إلى ذوي القرار. وهكذا يستطرد أبو حيان في كتابه، على هذا النحو المشار إليه، في رواية ما دار بمجلس الوزير أبي الفتح الفضل جعفر بن الفرات وزير الخليفة المقتدر العباسي وآنس بذلك بن العارض وزير صمصام الدولة.

لذلك كان يمكن أن تقع المناظرة بشكل آخر، لو لم تتدهور قيم الوضع الاجتماعي والسياسي بالتهافت على السلطة في عصره إلى الحد الذي جعل أباحيان، وهو في بقية من ساعاته المعدودة منكب على إحراق مؤلفته!

ما نقله إلينا أبو حيان التوحيدي هو من بقايا استمرار الصراع بين النحاة والمناطقة زمناً غير يسير، فـ أبو سعيد السيرافي وأبو بشر متى ابن يونس كلاهما قد رسخ حضوره في عالم المناظرة والجدال والنقد.

 واضحُُ ُ تحريضُ ابن الفرات لجلسائه من ذوي الاختصاص على مماحكة متىّ المنطقي، وإفحامه وتصغير المنطق أمام علوم العربية خاصة النحو والبيان؛ وفي ذلك تصغير لـ متّى بن يونس.

- افتعال صراع حضاري مبكر، تتزعمه المدرسة اللغوية- النحوية ولكنه في حقيقة الأمر إنما هو مجرد إعادة إنتاج الماضي) الاستشهاد بقول أبي نواس مثلا يؤكد ذلك :

*علمت شيئاً وغابت عنك أشياء*

 مدرسة اللغة والنحو استنفدت جل آلياتها منذ أن وُضع الكتاب وبعده، ثم أصبحت تسير بعد ذلك العهد في طريق تضييع العقلانية بسقوطها في رهان الأغاليط، إرضاء لنوازع زعمائها التي تلتقي مع نوازع الحكام، وتعمل جاهدة من حيث تدري أو لا تدري، على إحداث قطيعة معرفية بينها وبين العقلانية، وقد وثق أبو حيان ذلك الصراع بنجاح فيما يلي:

"لما انعقد المجلس سنة ست وعشرين وثلاثمائة) هـ (، قال الوزير بن الفرات للجماعة ـ وفيهم الخالدي وأبن الأخشاد، والكتبي، وابن أبي بشر، وابن رباح، وابن كعب، وأبوعمرو قدامه بن جعفر، والزهري، وعلى بن عيسى الجراح، وابن فراس، وابن رشيد، وابن عبد العزيز الهاشمي، وابن يحيى العلوي، ورسول ابن طغج من مصر، والمرزباني صاحب آل سامان":

 "ألا ينتدب منكم إنسان لمناظرة متى في حديث المنطق، فإنه يقول: لاسبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والخير من الشر، والحجة من الشبهة، والشك من اليقين، إلا بما حويناه من المنطق، وسلكناه من القيام به، واستفدنا من واضعه على مراتبه وحدوده، فأطلعنا عليه من جهة اسمه وحقائقه"؟

"أحجم القوم وأطرقوا".

"قال ابن الفرات:"والله إن فيكم لمن يفي بكلامه ومناظرته، وكسر ما يذهب إليه، وإني لأعدّكم في العلم بحاراً، وللدين وأهله أنصاراً، وللحق وطلابه مناراً؛ فما هذا الترامز والتغامز اللذان تجلون عنهما"!

"رفع أبوسعيد السيرافي رأسه فقال: "اعذر أيها الوزير؛ إن العلم المصون في الصدر غير العلم المعروض في هذا المجلس على الأسماع المصيخة، والعيون المحدقة، والعقول الحادة، والألباب الناقدة، لأن هذا يستصحب الهيبة، والهيبة مكسرة، ويجتلب الحياء، والحياء مغلبة، وليس البراز في معركة خاصة كالمصارع في بقعة تامة".

"قال ابن الفرات: "أنت لها يا أبا سعيد، فاعتذارك عن غيرك، يوجب عليك الانتصار لنفسك، والانتصار في نفسك، راجع إلى الجماعة بفضلك"! قال أبوسعيد:" مخالفة الوزير فيما رسمه - قرره - هجنة"...

نلاحظ:

 تحريض ابن الفرات على التحامل على متّى بن يونس باسم حماية الدين
كذا....

- إظهار"ترامز وتغامز" العلماء الحاضرين رداًً على دعوة ابن الفرات ثم إنكار هذا الأخير عليهم ذلك بفوله:" ما هذا الترامز والتغامز اللذان تجلون عنهما"!

 اعتذار أبي سعيد السيرافي ومحاولته عدم المشاركة في مناظرة كهذه بقوله:" إن العلم المصون في الصدر غير العلم المعروض في هذا المجلس على الأسماع المصيخة، والعيون المحدقة، والعقول الحادة، والألباب الناقدة، لأن هذا يستصحب الهيبة، والهيبة مكسرة، ويجتلب الحياء، والحياء مغلبة، وليس البراز في معركة خاصة كالمصارع في بقعة تامة".

 عدم فبول اعتذاره، وحمله على المشاركة بالرغم من الحيثيات التي قدمها.

 تحريض ابن الفرات للسيرافي على المشاركة بقوله:"أنت لها يا أبا سعيد"!...

 اضطرار السيرافي إلى قبول مغامرة المناظرة مع متّى بن يونس، وتبريره هذا الاضطرار بطاعة أوامر الوزير بقوله:"مخالفة الوزير فيما رسمه هجنة".

وبهذا يكون السيرافي قد ضرب سجاياه وأخلاقياته السابقة في صفر؛ اللهم إذا كان خصماً متكلما للمنطق الصوري وللمناطقة كما سيفعل ابن تيمية بعده، غير ملوم، أو تراه يتقي شر الوزير؛ وقد سبق له أن تهرب من أعمال الديوان.

لنتفحص هذا المثال من المناظرة:

 النحو منطق،

ولكنه مسلوخ من العربية،

والنطق نحو، ولكنه مفهوم باللغة،

وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى أن اللفظ طبيعي والمعنى عقلي؛

*ولهذا كان اللفظ بائداً على الزمان،

*لأن الزمان يقفو أثر الطبيعة – بأثر آخر من الطبيعة-

*ولهذا كان المعنى ثابتاً على الزمان

*لأن مستملى المعنى عقل،

والعقل إلهي؛

ومادة اللفظ طينية،

*وكل طيني متهافت.(10)

- في هذه القضايا بموضوعاتها وبمحمولاتها جوانب واضحة من القياس المعلل المغالطي، ويمكن إدخاله في فن الخطابة،

 لعل مدرسة النحو واللغة بسببه ابتعدت عن الاستدلال للوصول إلى البرهان، فتغافلت عن نقد المنطق الصوري نقداً منهجياً.

 مؤاخذة أبي بشر بمصطلحات عربية شارك فيها أو وضعها غيره من المناطقة قبله من ناقلي أسس الفلسفة اليونانية، وذلك في فحوى رد السيرافي الوارد في هجومه الشرس على الفلاسفة؛ خاصة الكون، والفساد، في إشارة إلى رسالة الكندي) المولود 185 هـ( الشهيرة: الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد؛ فالسيرافي يستهجن تطوير اللغة العربية التي انبعثت من بداوة الأعراب بقوله: "إحداث لغة في لغة"، ( 11) وبوهم كأنما فقدت العربية استقلاليتها بفقدان هويتها الأولى.

- هذا ليس حوارا كما نفهمه اليوم؛ بل هو أشبه بصك اتهام يتلوه على متهم، نائب عام شرس، في محاكمة جاهزة وجائرة.

 استعمل السيرافي في المثال)زيد أفضل إخوته/ زيد أفضل الإخوة(مدلول حكمين متباينين بحسب الشمول والتضمن على طريقة أرسطو في التأويل؛ فحينما يكون الموضوع كنوع )زيد (جزءاً َ من أنواع )إخوته مثلاً( وداخلاً فيها، ينتفي الحكم على الموضوع )زيد(بأنه أفضل هذه الأنواع. فكيف يكون أفضلها وهو داخل ضمنها؟ ولنمثل لذلك بما يلي: لنشر إلى زيد بـ ) ج(وإلى الإخوة بـ:) ب(ولنرسم بعد ذلك دائرتين متداخلتين إحداهما أكبر من الثانية تتضمن إخوة زيد؛ والثانية صغيرة تدخل فيها، تتضمن زيدا؛ فهو داخل بصفته أخاً. لا يصح تأويل الحكم بأنه أفضل إخوته، وهو جزء منهم وداخل ضمنهم: فأي حكم ينطبق عليه سينطبق عليهم؛ فهو ليس بأفضلهم. وعندما نخرجه من الدائرة الكبيرة يصح القول إنه أفضل الإخوة فكأننا أوّلنا أنه أفضل الإخوة بإزالة الهاء المرتبطة بـ زيد)مضاف إليه (وهي مؤولة بالجواز. وهكذا يتحول السيرافي إلى منطقي حاذق؛(12) وهو ما يؤكد أن النحاة يلجئون إلى المنطق عند الحاجة لحل إشكالات نحوية ولغوية، ثم بعد ذلك يهاجم بعضهم المنطق بشراسة.

غير أن ثمة انتقاداً وجيهاً قد يحسب لصالح السيرافي؛ وهو: "إنك تنقل من السريانية؛ فما تقول في معان متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية، ثم من هذه إلى أخرى عربية" ؟(13)

َولكن متّى بن يونس سيواجه إتهامات سخيفة رداً بمفرده على كل ما يتعلق بالمنطق، قال متىّ:

 " لو نثرت أنا أيضاً عليك من مسائل المنطق أشياءً لكان حالك كحالي" (14).

قال أبو سعيد:

-"أخطأت لأنك إذا سألتني عن شيء أنا أنظر فيه، فإن كان له علاقة بالمعنى، وصح لفظه على العادة الجارية أجبت، ثم لا أبالي أن يكون موافقاً أو مخالفاً( !) ..." وهذا تناقض بين المصيب والمخطئ حينما يمحي السيرافي الفرق بينهما ويحرص على استعمال أحدهما الذي يفيد بوجود مقابل لـ:" أصبت"

لماذا لم يتح السيرافي لخصمه هذه الفرصة التي أتاحها لنفسه؟ لو كان واثقاً بعلمه لردّ على متىّ بن يونس:" هات ما في جعبتك"!

لكن السيرافي تعوّد أن يعقب على ردود متى بن يونس بـ"أخطأت" على عادة النحاة الذين يستندون دائما إلى العلل والعوامل والقياس والسماع:

 حدتني عن المنطق، فإنا إذا فهمنا مرادك فيه، كان كلامنا معك في قبول صوابه، ورد خطئه على سنَن مرضيّ وطريقة معروفة.

ـ أعني به أنه آلة من آلات الكلام يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان، فإني أعرف به الرجحان من النقصان، والشائل من الجانح.

ـ "أخطأت، لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف، والإعراب المعروف، إذا كنا نتكلم بالعربية؛ وفاسد المعنى من صالحه يعرف بالعقل إذا كنا نبحث بالعقل؛ وهبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن، فمن لك بمعرفة الوزن أيـّما هو حديد أو ذهب، أو شـَبه ـ نوع من النحاس الثمين ـ؟ فأراك بعد معرفة الوزن فقيراً إلى معرفة جوهر الموزون، وإلى معرفة قيمته، وسائر صفاته التي يطول عدها، فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك، وفي تحقيقه كان اجتهادك، إلا نفعاً يسيراً من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه؛ فأنت كما قال الأول:

*علمت شيئاً وغابت عنك أشياء*

وبعد؛ فقد ذهب عليك شيء هاهنا، ليس كل ما في الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وفيها ما يُكال، وفيها ما يُذرع، وفيها ما يمسح، وفيها ما يحزر، وهذا وإن كان هكذا في الأجسام المرئية، فإنه على ذلك أيضاً في المعقولات المقررة؛ والإحساسات ظلال العقول تحكيها بالتقريب والتبعيد، مع الشبه المحفوظ والمماثلة الظاهرة. ودع هذا؛ إذا كان المنطق وضعه رجل من يونان على لغة أهلها واصطلاحهم عليها وما يتعارفون بها من رسومها وصفاتها، فمن أين يلزم التركَ والهندَ والفرسَ والعربَ أن ينظروا فيه ويتخذوه قاضياً وحكماً لهم وعليهم ما شهد لهم به قبلوه، وما أنكره رفضوه"؟

ـ إنما لزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض المعقولة والمعاني المدركة، وتصفح للخواطر السانحة، والسوا نح الهاجسة؛ والناس في المعقولات سواء. ألا ترى أن أربعة وأربعة ـ ثمانيةـ سواء عند جميع الأمم، وكذلك ما أشبهه؟

 لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع مع شعبها المختلفة، وطرائقها المتباينة إلى هذه الرتبة البينة في أربعة وأربعة، وأنهما ثمانية، زال الاختلاف وحضر الاتفاق، ولكن ليس الأمر هكذا، ولقد موّهت بهذا المثال، ولكم عادة بمثل هذا التمويه؛ ولكن مع هذا أيضاً كانت الأغراض المعقولة والمعاني المدركة لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف. أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة؟

ـ نعم

ـ أخطأتَ؛ قل في هذا الموضوع:"بلى".

ـ بلى؛ أنا أقلدك في مثل هذا.

ـ أنت إذن لست تدعونا إلى علم المنطق؛ إنما تدعو إلى تعلم اللغة اليونانية؛ وأنت لا تعرف لغة يونان، فكيف صرت تدعونا إلى لغة لا تفي بها؟ وقد عفتْ منذ زمان طويل، وباد أهلها، وانقرض القوم الذين كانوا يتفاوضون بها، ويتفاهمون أغراضهم بتصاريفها ( …)؛ على أنك تنقل من السريانية؛ فما تقول في معان متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية، ثم من هذه إلى أخرى عربية؟

ـ يونان وإن بادت(…) مع لغتها، فإن الترجمة حفظت الأغراض، وأدت المعاني، وأخلصت الحقائق.

ـ إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقتْ وما كذبتْ، وقومت وما حرفتْ، ووزنتْ وما جزفتْ، وأنها ما التأثت ولا حافت، ولا نقصت ولا زادت، ولا قدمت ولا أخرتْ، ولا أخلتْ بمعنى الخاصّ والعامّ، ولا بأخصّ الخاصّ، ولا بأعمّ العامّ ـ وإن كان هذا لا يكون، وليس هو في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني ـ فكأنك تقول: لاحجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وضعوه، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه.

 لا، ولكنهم من بين الأمم أصحاب عناية بالحكمة والبحث عن ظاهر هذا العَالَم وباطنه، وعن كل ما يتصل به وينفصل عنه، وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر، وانتشر ما انتشر، وفشا ما فشا) نشأ ما نشأ( من أنواع العلم وأصناف الصنائع؛ ولم نجد هذا لغيرهم.

 أخطأتَ، وتعصبتَ وملتَ مع الهوى، فإن عِلم العالـََم مبثوث في العَالـَم، ولهذا قال القائل:

العلم في العالم مبثوث= ونحوَه العاقل محثوث

وكذلك الصناعات مفضوضة على جميع مَن على جَدد الأرض؛ ولهذا غلب عِلم في مكان دون عِلم، وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة؛ وهذا واضح والزيادة عليه مشغلة؛ ومع هذا فإنما كان يصح قولك وتسلم دعواك لو كانت يونان معروفة بين جميع الأمم بالعصمة الغالبة، والفطنة الظاهرة، والبنية الخالقة، وأنهم لو أرادوا أن يخطئوا لما قدروا، ولو قصدوا أن يكذبوا ما استطاعوا، وأن السكينة نزلت عليهم، والحق تكفل بهم، والخطأ تبرأ منهم؛ والفضائل لصقت بأصولهم وفروعهم، والرذائل بعدت عن جواهرهم وعروقهم؛ وهذا جهل ممن يظنه بهم، وعناد ممن يدعيه لهم؛ بل كانوا كغيرهم من الأمم يصيبون في أشياء، ويصدقون في أمور ويكذبون في أمور، ويحسنون في أحوال ويسيئون في أحوال؛ وليس واضع المنطق يونان بأسرها، إنما هو رجل منهم، وقد أخذ عمن قبله كما أخذ عنه مَن بعده؛ وليس هو حجة على هذا الخلق الكثير والجمّ الغفير، وله مخالفون منهم ومن غيرهم؛ ومع هذا فالاختلاف في الرأي والنظر والبحث والمسألة والجواب سِنح – سنخ- ) الأصل، بالرغم من ورودها في الأصل مهملة من النقط -المحقق( وطبيعة، فكيف يجوز أن يأتي رجل بشيء يرفع به هذا الخلاف أو يحلحله أو يؤثر فيه)هيهات(هذا محال، ولقد بقي العالم بعد منطقه على ما كان عليه قبل منطقه؛ فأصبح وجهك بالسلوة عن شيء لا يستطاع لأنه منعقد بالفطرة والطباع؛ وأنت لو فرّغتَ بالك وصرفتَ عنايتك إلى معرفة هذه اللغة التي تحاورْنا بها، وتجاريِِْنا فيها، وتدارسَ أصحابك بمفهوم أهلها وتشرح كتب يونان بمادة أصحابها، لعلمت أنك غني عن معاني يونان كما أنك غني عن لغة يونان.

وهاهنا مسألة تقول:إن الناس عقولهم مختلفة، وأنصباؤهم منها متفاوتة.

ـ نعم.

ـ وهذا الاختلاف والتفاوت بالطبيعة أو بالاكتساب؟ ـ بالطبيعة.

 فكيف يجوز أن يكون هاهنا شيء يرتفع به هذا الاختلاف الطبيعي والتفاوت الأصلي؟

ـ هذا قد مر في جملة كلامك آنفاً.

ـ فهل وصلته بجواب قاطع وبيان ناصع؟ ودع هذا؛ أسألك عن حرف واحد، وهو دائر في كلام العرب، ومعانيه متميزة، عند أهل العقل؛ فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق أرسطاطليس الذي تـُدل يه وتباهي بتفخيمه، وهو )الواو( ما أحكامه؟ وكيف مواقعه؟ وهل هو على وجه أو وجوه؟

فبـُهت متّى وقال:

ـ هذا نحو، والنحو لم أنظر فيه، لأنه لا حاجة للمنطقي إليه؛ وبالنحوي حاجة شديدة إلى المنطق، لأن المنطق يبحث عن المعنى، والنحو يبحث عن اللفظ؛ فإن مر المنطقي باللفظ فبالعَرَض، وإن عثر النحوي بالمعنى فبالعََرَض؛ والمعنى أشرف من اللفظ.، واللفظ أوضع من المعنى.

ـ أخطأتَ، لأن الكلام والنطق باللغة واللفظ والإفصاح والإعراب والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار والعرِْض والتمني والنهي والحض والدعاء والنداء والطلب كلها من واد واحد بالمشاكلة والمماثلة؛ ألا ترى أن رجلاً لو قال:" نطق زيد بالحق ولكن ما تكلم بالحق، وتكلم بالفُحش ولكن ما قال بالفُحش، وأعرب عن نفسه ولكن ما أفصح، وأبان المراد ولكن ما أوضح، أو فاه بحاجته، ولكن ما لفظ أو أخبر ولكن ما أنبأ"...لكان في جميع هذا محرفاً ومناقضاً وواضعاً للكلام في غير حقه، ومستحملاً اللفظ على غير شهادة عقله وعقل غيره؛ والنحو منطق، ولكنه مسلوخ من العربية، والنطق نحو، ولكنه مفهوم باللغة، وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى أن اللفظ طبيعي والمعنى عقلي؛ ولهذا كان اللفظ بائداً على الزمان، لأن الزمان يقفو أثر الطبيعة – بأثر آخر من الطبيعة- ولهذا كان المعنى ثابتاً على الزمان لأن مستملى المعنى عقل، والعقل إلهي؛ ومادة اللفظ طينية، وكل طيني متهافت؛ وقد بقيت أنت بلا اسم لصناعتك التي تنتحلها، وآلتك التي تـُزهى بها، إلى أن تستعير من العربية لها أسماء فتـُعار، ويُسلـّم ذلك بمقدار؛ وإذا لم يكن لك بد من قليل هذه اللغة من اجل الترجمة فلا بد لك أيضاً من كثيرها من أجل تحقيق الترجمة واجتلاب الثقة والتوق من الخلة اللاحقة. لنتفحصْ تلك الموضوعات ومحمولاتها:

النحو منطق،

ولكنه مسلوخ من العربية،

والنطق نحو،

ولكنه مفهوم باللغة،

وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى أن اللفظ طبيعي والمعنى عقلي؛

**ولهذا كان اللفظ بائداً على الزمان،

لأن الزمان يقفو أثر الطبيعة – بأثر آخر من الطبيعة-،

***ولهذا كان المعنى ثابتاً على الزمان لأن مستملى المعنى عقل،

والعقل إلهي؛ ومادة اللفظ طينية،

وكل طيني متهافت...

إنها أقيسة معللة مغالطية تدخل في فن الجدل والخطابة، حينما لاتدع للخصم فرصة لرد معقول؛ فلماذا كل هذه التركيبات للاستدلال المغلوط أن اللفظ من الطين ـ محسوس ـ فكل طيني متهافت، متفتت إلى هباء؟ من هناإذن تبتدئ رحلة المشائين العرب لكن متى بن يونس يكفبنا عناء الانتظار، وعناء الطريق، وعناء التساؤل حينما يجيبه:

ـ يكفيني من لغتكم هذا الاسم والفعل والحرف، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذـّبتها لي يونان.

ـ أخطأت، لأنك في هذا الاسم والفعل والحرف فقير إلى وصفها وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها؛ وكذلك أنت محتاج بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء والأفعال والحروف، فإن الخطأ والتحريف في الحركات كالخطإ والفساد في المتحركات، وهذا باب أنت وأصحابك ورهطك عنه في غفلة؛ على أن هاهنا سراً ما عَلِق بك، ولا أسفر لعقلك؛ وهو أن تعلم أن لغة من اللغات لا تطابق لغة أخرى من جميع جهاتها بحدود صفاتها في أسمائها وأفعالها وحروفها وتأليفها وتقديمها وتأخيرها، واستعارتها وتحقيقها وتشديدها وتخفيفها، وسعتها وضيقها ونظمها ونثرها وسجعها ووزنها، ومِيلها ، وغير ذلك مما يطول ذكره... وما أظن أحداَ يدفع هذا الحكم أو يشك في صوابه ممن يرجع إلى مُسْكة من عقل أو نصيب من إنصاف، فمن أين يجب أن تثق بشيء تـُرجم لك على هذا الوصف؟ بل أنت إلى تعرّف اللغة العربية أحوج منك إلى تعرف المعاني اليونانية؛ على أن المعاني لا تكون يونانية ولا هندية، كما أن اللغات تكون فارسية وعربية وتركية؛ ومع هذا فإنك تزعم أن المعاني حاصلة بالعقل والفحص والفكر، فلم يبق إلا أحكام اللغة؛ فلمَ تـُزرى على العربية وأنت تشرح كتب أرسطوطاليس بها، مع جهلك بحقيقتها؟ وحدثني من قال لك: حالي في معرفة الحقائق والتصفح لها، حالُ قوم كانوا قبل واضع المنطق، أنظرُ كما نظروا، وأتدبرُ كما تدبروا، لأن اللغة قد عرفتـُها بالمنشإ والوراثة، والمعاني نقرتُ عنها بالنظر والرأي والأعقاب

بالاجتهاد؛ ما تقول له؟ أتقول: إنه لا يصح له هذا الحكم ولا يستتبّ هذا الأمر، لأنه لا يعرف هذه الموجودات(15) من الطريق التي عرفتها أنت؟ ولعلك تفرح بتقليده لك ـ وإن كان على باطل ـ أكثر مما تفرح باستبداده وإن كان على حق؛ وهذا من الجهل المبين، والحكم المشين. ومع هذا؛ فحدثني عن الواو ما حكمه؟ فإني أريد أن أبيّن أن تفخيمك للمنطق لا يغني عنك شيئاً، وأنت تجهل حرفاً واحداً في اللغة التي تدعو بها إلى حكمة يونان، ومن جهل حرفاً أمكن أن يجهل حروفاً، ومن جهل حروفاً جاز أن يجهل اللغة بكمالها، فإن كان لا يجهلها كلها ولكن يجهل بعضها، فلعله يجهل ما يحتاج إليه، ولا ينفعه فيه "علم ما لا يحتاج إليه". وهذه رتبة العامة أو رتبة من هو فوق العامة بقدر يسير؛ فلماذا يتأبى على هذا ويتكبر، ويتوهم أنه من الخاصة وخاصة الخاصة، وأنه يعرف سر الكلام وغامض الحكمة وخفي القياس وصحيح البرهان؟ وإنما سألتك عن معاني حرف واحد، فكيف لو نثرت عليك الحروف كلها، وطالبتك بمعانيها ومواضعها التي لها بالحق والتي لها بالتجوز؛ سمعتكم تقولون إن في لا يعرف النحويون مواقعها، وإنما يقولون هي للوعاء كما يقولون:" إن الباء للا تصاق؛ وإن في تقال على وجوه: يقال" الشيء في الإناء" و"في المكان" و"السائس في السياسة والسياسة في السائس". أترى أن هذا التشقيق من عقول يونان ومن ناحية لغتها؟ ولا يجوز أن يعقل هذا بعقول الهند والترك والعرب؟ فهذا جهل مِن كل من يدعيه، وخطل من القول الذي أفاض فيه؛ النحويّ إذا قال في للوعاء فقد أفصح في الجملة عن المعنى الصحيح وكنى مع ذلك عن الوجوه التي تظهر بالتفصيل؛ ومثل هذا كثير وهو كاف في موضع التكنية.

فقال ابن الفرات: "أيها الشيخ الموفـّق، أجبه بالبيان عن مواقع الواو حتى تكون أشد في إفحامه، وحققْ عند الجماعة ما هو عاجز عنه، ومع هذا فهو مشنِّع به". قال أبو سعيد:
ـ للواو وجوه ومواقع، منها معنى العطف، في قولك: "أكرمت زيداً وعمراً" ومها للقسم في قولك: " والله لقد كان كذا وكذا"، ومنها الاستئناف في قولك:" خرجت وزيد قائم لأن الكلام بعده ابتداء وخبر". ومنها معنى رُبّ التي هي للتقليل نحو قولهم:" * وقاتم الأعماق خاوي المخترق* ومنها أن تكون أصيلة في الاسم، كقولك: واصل، واقد، وافد، وفي الفعل كذلك، كقولك:وجـِل يوْجَلُ، ومنها أن تكون مقحمة نحو قول الله عز وجل ) فلما أسلم وتلـّه للجبين وناديناه(، أي ناديناه ومثله قول الشاعر:

*فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى* المعنى: انتحى بنا.(16) ومنها معنى الحال في فوله عز وجل: )ويكلم الناس في المهد وكهلاً( ، أي يكلم الناس في حال كهولته، ومنها أن تكون بمعنى حرف الجر كقولك: استوى الماء والخشبة، أي مع الخشبة.

فقال ابن الفرات لمتى:" يا أبا يشر، أكان هذا في نحوك"؟

ثم قال أبو سعيد:"دع هذا، هاهنا مسألة علاقتها بالمعنى العقلي أكثر من علاقتها بالشكل اللفظي؛ ما تقول في قول القائل:" زيد أفضل الإخوة" ؟

 صحيح.

 فما تقول إن قال: زيد أفضل إخوته"؟

 صحيح.

 ما الفرق بينهما؟

فبلح )عجز( وجنح وغص بريقه. فقال أبو سعيد:

 أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة؛ المسألة الأولى في جوابك عنها صحيح، وإن كنت غافلا ً عن وجه صحتها، والمسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح؛ وإن كنت أيضا ً ذاهلا ً عن وجه بطلانها.

 بيـّنْ لي ما هذا التهجين؟

 إذا حضرت الحلقة)قاعة الدرس(استفدت؛ ليس هذا مكان التدريس - بل- هو مجلس إزالة التلبيس مع من عادته التمويه والتشبيه؛ والجماعة تعلم أنك أخطأت؛ فلمَ تدعي أن النحوي إنما ينظر في اللفظ دون المعنى، والمنطقي ينظر في المعنى لا في اللفظ؟ هذا كان يصح لو أن المنطقي كان يسكت ويجيل فكره في المعاني، ويرتب ما يريد بالوهم السانح والخاطر العارض، والحدس الطارئ؛ فأما، وهو يريغ أن يبرر ما صح له بالاعتبار والتصفح إلى المتعلم والمناظر، فلا بد له من اللفظ الذي يشتمل على مراده، ويكون طباقا ً لغرضه، وموافقا ً لقصده.(17)
قال اين الفرات لأبي سعيد:

 تمم لنا كلامك في شرح المسألة حتى تكون الفائدة ظاهرة لأهل المجلس، والتبكيت عاملا ً في نفس أبي بشر.

فقال:

 ما أكره من إيضاح الجواب عن هذه المسألة إلا ملل الوزير؛ فإن الكلام إذا طال مُلّ.

فقال ابن الفرات:

 ما رغبت في سماع كلامك وبيني وبين الملل علاقة؛ فأما الجماعة؛ فحرصها على ذلك ظاهر.

فقال أبو سعيد:

 إذ قلت" زيد أفضل إخوته": لم يجز، وإذا قلت: زيد أفضل الإخوة: جاز؛ والفصل بينهما أن إخوة زيد هم غير زيد، وزيد خارج عن جماعتهم. والدليل على ذلك أنه لو سأل سائل فقال:"مَن إخوة زيد"؟ لم يجز أن تقول: زيد وعمرو وبكر، وخالد وإنما تقول: )بكر وعمرو وخالد(، ولا يدخل زيد في جملتهم، فإذا كان زيد خارجاً عن إخوته، صار غيرهم.

ويناقشه أبوسعيد في إشكالات تعبيرية نحوية، ليرد أبو بشر:

 لو نثرت عنك أنا أيضاً من مسائل المنطق أشياء لكان حالك كحالي )أي لم تحر جواباً(.
وعوض أن يستعد أبوسعيد للحوار، بادره:

 أخطأت )كأنما يريده دائما أن يخطئ بدون وجه حق. وهكذا لا يدع له فرصة للمحاورة(، لأنك إذا سألتني عن شيء أنظر فيه، فإن كان له علاقة بالمعنى وصح لفظه على العادة الجارية أجبت، ثم لا أبالي أن يكون موافقاً أو مخالفاً) !( وإن كان غير متعلق يالمعنى رددته عليك، وإن كان متصلاً باللفظ ولكن على وضع لكم في الفساد على ما حشوتم به كتبكم رددته أيضاً لأنه لا سبيل إلى إحداث لغة قي لغة مقررة بين أهلها. ما وجدنا لكم إلا ما استعرتم من لغة العرب) كالسبب والآلة( والسلب والإيجاب، والموضوع والمحمول، والكون والفساد والمهمل والمحصور، وأمثلة لا تنفع ولا تجدي، وهي إلى العي أقرب، وفي الفهامة أذهب.

وعلى هذه الوتيرة تستمر المناظرة؛ وهي تقترب من الختام. قال علي بن عيسى:"...وتقوض المجلس وأهله يعجبون من جأش أبي سعيد الثابت ولسانه المتصرف ووجهه المتهلل وفوائده المتتابعة. وقال الوزير اين الفرات: عين الله عليك أيها الشيخ، فقد نديت أكباداً، وأقررت عيوناً، وبيضت وجوهاً، وحكت طرازاً لا يبليه الزمان، ولا يتطرق إليه الحدثان". قلت- القول للتوحيدي- لعلي بن عيسى: " كم كانت سن أبي سعيد في ذلك الوقت"؟ قال: أربعون سنة؛ وقد عبث الشيب بلهازمه مع السمت والوقار والدين والجد، وهذا شعار أهل الفضل والتقدم..."

ما علاقة النحو العربي بالفلسفة؛ وتحديداً، بالمنطق الأرسطي؟
r
لا يغيب عنا استخدام النحاة للتصنيف التشجيري في أقسام الكلام:) الكلمة، اسم و فعل، وحرف(وقد رأينا ذلك في جواب متىّ بن يونس: " يكفيني من لغتكم هذا الاسم والفعل والحرف، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذـّبتها لي يونان".

ثلاث كلمات يندرج تحتها النحو العربي كله حسب تصنيف النحاة الأوائل.

فالنحوي في حاجة إلى المنطق؛ وهذا صحيح، وإلا ما اتجه النحاة بطريقة مباشرة إلى التشجير، كما سبق، وإلى مقولة الجوهر )وهي إحدى مقولات أرسطو العشر( فطبقوها على أصل الأفعال ولكن متى بن يونس يزعم أن المنطقي في غير ما حاجة إلى النحو؛ بالرغم من أن هذا الأخير في حاجة إلى شيء ما منه على الأقل.

وبالمقابل، نشأ ما يمكن تسميته بـ المنطق النحوي إلى جانب أن النحاة قد يستخدمون المنطق الأرسطي عند الضرورة؛ فهذا أستاذ أبي حيان، علي بن عيسى الرماني، كان يستخرج النحو بالمنطق حتى قال عنه نظيره الفارسي:" إن كان النحو ما يقول الرماني، فليس معنا منه شيء؛ وإن كان ما نقوله، فليس معه منه شيء". سيبويه، تلميذ الخليل مؤسس النحو العربي كان يصنف في بعض مسائل النحو تصنيفاً أرسطياً لاسيما في التعريفات، وإعداد الأحكام. وبالمقابل، هناك من كان يتشبث باستخدام القياس الأصولي ويعارض القياس المنطقي بالرغم من إدراكه للمنطق؛ وهو أبو سعيد السيرافي كما رأينا أثناء المناظرة.

إذن هناك من ينافس "الأعرابي صاحب البيان في صناعة العالم"، بالإطلالة على العالم، وبتصفح أشيائه على الأقل؛ لكن بطريقة مغايرة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العالم يتخذ منحى يحيل بدلالاته الثقافية على عالم التصورات والتمثلات التي يبدعها الإنسان بين ذاته والأشياء، والآخرين، على المستوى الأنطولوجي l’ontologie.

ومن حق الأعرابي حينذاك مخضرماً أو بين خليط من الفرس، والهند والبونان والروم، أو في ظل المحدثين؛ وهو منكب على صناعة العالم بطريقته، ووفق تأثيثه، من حقه أن يتساءل ضمن جماعته الجديدة، وضمن مواضعات لغوية كانت سائدة في قبيلته؛ بل ضمن سؤال الدهشة الذي يتنامى في مدينته: "ما هي الفلسفة التي إن عليه أن يتكلفها، أو يشتري إملاءاتها بدرهم للورقة أو ما فوق، أو يعتنق مبادئها، أو ينبذها" ؟

لكن الجواب على مثل هذا السؤال ليس من السهل بمكان، فقد ظل قروناً يصطحب معه عبارته القلقة، وأحياناً تستفز العبارة القرائح والبديهات؛ بل والاعتقادات. وسيجيب عنه فيما بعد، الفيلسوف الألماني هيدغر؛ لكن بصورة شعرية هادئة لحسناء تتهادى أمامنا بدلال يُغري، بدون وجود صك اتهام:" الفلسفة تتحدث اليونانية وتمشي أمامنا". (18) . قـُضي الأمر في التساؤل الساذج عن ماهية الفلسفة!

و مع ذلك، تظل الأسئلة قائمة ومقلقة: هل الفلسفة لم تتجاوز ما نقل بالسريانية وإعادة إنتاجه ثالثا: )النقل من اليونانية إلى السريانية ثم من السريانية إلى العربية كما جاء في رد السيرافيً( ؟ ألم يتصل العرب بالفكر اليوناني على غرار اتصال الفارابي وابن رشد ؟ مهما يكن؛ فقد ظل النحاة على مستوى الجدال والمحاجة ذوي حجج واهيةً في نظر ابن مضاء القرطبي، من فقهاء القرن السادس الهجري وقاضي الجماعة )قاضي القضاة(، وأحد المتزعمين للنزعة الظاهرية والتي أراد بموجبها أن يصلح النحو بما يراد به إصلاح الشريعة في عهد يعقوب الموحدي. وقد أورد ابن مضاء على لسان ابن فارس هذا البيت:

ترنو إليّ بطرف ساحر فاتن= أضعف من حجة نحوي. (19)

من يصدقه في دعواه؟

أول من يصدقه هم المنطقيون عندما يقلبون هذا التعريف على أوجهه مثلاً:" الفاعل اسم مرفوع تقدمه فعل ودل على الذي فعل الفعل". مثاله: " أكل زيدُُُ ُ التفاحة َ/ لم يأكل زيد ُُ ُ التفاحة َ" فزيد في الجملة الثانية لم يدل على الذي فعل الفعل لأن الفعل الذي يتحكم في الجملة، كإخبار )محمول للموضوع(، منعدم، جعل الفعل الذي يتحكم في الجملة من السوالب يواسطة أداة نفي تقلب الماضي إلى المضارع، بل حتى إلى المستقبل، ولذلك يقول عنه النحاة:"حرف نفي وجزم وقلب؛ فهما جملتان )قضيتان( تكشفان التناقض بجلاء؛ ومع ذلك يعرب النحوي زيد ُُُ ُعلى أنه فاعل، ويتمادى في تأكيده:" مرفوع يضمة ظاهرة في آخره"!

بحسب التعريف السابق، ما هو بفاعل. وهنا فقط، نصدق ابن مضاء بأن حجة النحوي أوهى من نسيج العنكبوت. ونقترب من رد متىّ بن يونس الذي يدعي أن "النحوي إنما ينظر في اللفظ دون المعنى، والمنطقي ينظر في المعنى دون اللفظ" (19)على حد تعبيره في المناظرة السابقة التي كانت حامية الوطيس ضده.

بدوره، ماذا أضاف ابن مضاء للنحو العربي؟ وماذا يحدث لو هدم خيم الأعرابي التي نصبها على طول المضايف قروناً قبله، والتي أثثها بالاستقراء وبالعلل والعوامل، وبالمنطق النحوي الناشئ بمزاجه؛ وهو يطل على العالم بصناعتهُ، ثم وهو، فوق ذلك، يخالس النظر والسمع، في مجالس النظر، إلى مبادئ الأنطولوجيا l’Ontologieالمتنامية، غائصاً في أعماق وجود لا قبل له به، باحثاً عن معان أو كليات تتضمن أجناساً وأنواعاً وفصولاً وخواص وأعَْراضاً عامة لتأليف حكم أو استدلال؟

لا شيء طبعاً سوى اجترار مقولات من سبقوه أو عاصروه؛ فدعوته إلى إلغاء العوامل والقياس إنما يتجه اتجاه ابن حزم الظاهري، وأيضاً مسايرة يعقوب الموحدي؛ فقبله بكثير، يمكن القول إن النحو العربي استكمل آلياته التي ظل يشتغل عليها على علاتها وتعليلاتها وأقيستها وشواذها. وقد تعرضت هذه الآليات قبله إلى محاولات التذكير بها على الأقل، كالإشارة التي جاءت في كتاب مقدمة في النحو لـ خلف بن حيان الأحمر البصري. يقول ابن الأحمر) 180هـ(20) : " لما رأيت النحويين – كذا..- وأصحاب العربية أجمعين قد استعملوا:
التطويل وكثرة العلل) كذا...(، وأغفلوا ما يحتاج إليه المتعلم المتبلغ في النحو من المختصر والطرق العربية والمأخذ الذي يخف على المبتدئ حفظه ويعل في عقله وبحيط به فهمه، فأمعنت النظر والفكر في كتاب أؤلفه، وأجمع فيه الأصول والأدوات والعوامل على أصول المبتدئين ليستغني به المتعلم عن التطويل..." وابن الأحمر هذا لا نجد له نقداً في العلل والعوامل، في كتابه المشار إليه، كما يدعي بعض الكتاب، وإنما يظهرأن مقدمته في النحو، من المختصِرات للمطولات المتقدمة عليه، ) أتى أيضاً قبل ابن مضاء، الناشئ النحوي الذي ترعرع في بيئة اعتزالية، وكان يحضر مجالس الجدل حتى تبحر في النحو والدين والمنطق والكلام؛ وهو من القرن الثالث الهـجري حيث تبنى بحزم، نقض علل النحويين نظراً لِما رأى فيها من ضعف، وقبل ابن مضاء، جاء ابن جني ليتحدث عن علل النحويين التي هي أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل الفقهاء "...وإنما قال النحويون عامل لفظي، وعامل معنوي ليُروك أن بعض العمل يأتي مسبباً عن لفظ يصحبه؛ كمررت بزيد، وليت عمراً قائم، وبعضه يأتي عارياً من مصاحبة لفظ يتعلق به، كرفع المبتدإ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما في الحقيقة، ومحصول الحديث؛ فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه، لا لشيء غيره..." (21)

وبمكن القول إن ابن رشد، وهو معاصر لابن مضاء، قد جدد المادة النحوية في كتابه " الضروري في صناعة النحو"(22) على غرار" هو مشترك في جميع الألسنة"، بشكل علمي ، وقد جاء كتابه قبل ثلاثين سنة من ظهور "الرد على التحاة".، حيث يركز فيه ابن رشد - على المستوى التربوي - على الأمور الكلية أي الأساسية، وترك الجزئيات لمن أراد التخصص، فـ "الكليات أعرف عندنا وأسهل من الجزئيات، ولذلك إذا وجدنا في أمرنا قولاً كلياً فرحنا به، ولم نعرج على الجزئيات، فالجزئيات لكثرتها مرهقة للذهن، مكدة له، مشتتة إياه، أما الكليات فمحدودة ومعدودة يحصرها الذهن، ويستجمعها سريعاً، فهي نافعة للمتذكر، ونافعة للمبتدئ، بالنظر في الصناعة، لأنه يسهل عليه بذلك علمها، فإن اقتصر عليه كفته". وكغيره من علماء الأندلس، يستعمل"الضروري" للدلالة على أن الكتاب موجه للمبتدئين، لا للمتخصصين. مشيراً إلى دواعي تأليف الضروري:

1– مبالغة النحاة في التعريفات والتعليلات

2 - تقصير النحاة في اتباع منهج دقيق بقوم على بيان حصر أنواع الإعراب.

3 – عدم دقة النحاة في تنظيمهم للمادة العلمية.

4– قياس أهل الصناعة المجهول على المعلوم )استعمال القياس فيما جهل استعماله(ولهذا وضع كتاب "الضروري"؛ لأن النحو إلى حدود زمانه استوفى جميع أجزائه..." ويقول عنه الأستاذ /د محمود أحمد السيد عضو مجمع اللغة العربية بدمشق: إن"الضروري في صناعة النحو يقع في إطار النحو الوظيفي، وجاء إسهاما فعالاً في طرح القواعد النحوية".

(1) الإمتاع والمؤانسة ج1 ص/ص104 - 128 : تصحيح وضبط وشرح أحمد أمبن، وأحمد الزين. دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر.

(2) أبو حيان التوحيدي، موسوعي اشتهر بعدة مؤلفات: الرد على ابن جني في شعر المتنبي، الإمتاع والمؤانسة، والمقابسات، وغيرهما...إلا أن كتاباته، بالرغم مما يشوبها من بعض الانتحال الذي انزلق إليه، فيها تأثيرات أسلوبية تتعلق بالشكل؛ انتقلت إليه من الجاحظ، في محاولة التدقيق، والسجع الخفيف غير المضجر؛ بطريقة تلائم النثر الفني الذي اكتمل، وعرف ازدهاراً ملحوظا في حاضرة العراق، بغداد؛ والدولة العباسية في عنفوانها وقوتها، وامتد هذا الازدهار إلى القرن الرابع الهجري) وما بعده بالرغم من تفتت الدولة وأفولها التدريجي منذ القرن الثالث الهجري 247. وهذا الاكتمال ما كان ليقوم إلا بالانفتاح والمثاقفة، ونشوء الحضر والمدن والتساكن مع أمم أخرى، مهما كانت قوة الدولة أو ضعفها. ومع ذلك، استفاد الفكر العربي ـ الإسلامي مبكراً من الفكر اليوناني، والثقافة الفارسية، والهندية

(3)ابو عبد الله العارض، في رأي أحمد أمين محقق الكتاب، هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان كان وزيراً لصمصام الدولة بن عضد الدولة من سنة372 -375 هـ، والعارض لقب له كما في الأنساب للسمعاني.م..ن.ص 4 وينتهي العارض نهاية مأساوية، حيث يودعه الصمصام السجن ثم يقتله375هـ. ا.ه. وهذا الاكتمال ما كان ليقوم إلا بالانفتاح والمثاقفة، ونشوء الحضر والمدن والتساكن مع أمم أخرى، مهما كانت قوة الدولة أو ضعفها. ومع ذلك، استفاد الفكر العربي ـ الإسلامي مبكراً من الفكر اليوناني، والثقافة الفارسية، والهندية. اتسمت هذه الفترة التي امتدت15 سنة بوحدة أقاليم الدولة عدا الأندلس التي بقيت تحت الحكم الأموي.) منذ مقتل المتوكل إلى 334هـ حيث سيطر جند الأتراك، ثم البويهيون على بغداد. لم يعد للدولة العباسية سوى ظلال باهتة، والاقتصار على تعيين أمراء الدولة البويهية التي انبثقت من الديلم، وأخذ هؤلاء الأمراء يلتمسون من الخليفة العباسي ألقاب السلطة الفعلية كعضد الدولة، وصمصام الدولة الخ... (أنظر في هذا الصدد: د. هاشم يحيى الملاح من كلية آداب جامعة الموصل في كتاب حضارة العراق ص7 - 40: تأليف نخبة من الباحثين ،ج 6 بغداد 1984.

(4) الإمتاع والمؤانسة، ص/ص:104-107.

(5) الوزير أبو الفتح جعفر بن الفرات: وزير الخليفة المقتدر العباسي سنة203 هـ. هامش ص107 هـ ن.م.

(6) أبو يشر متى بن يونس القتاتي من أهل دير قـُنىّ، نصراني عالم بالمنطق، وإليه انتهت رئاسة المنطقيين في زمانه، نزل بغداد سنة320 هـ ت328هـ ن.م.ص/ص107-108. ) ويكفي أن الفارايي أخذ عنه( .خارج عن المصدر.

(7)أبو سعيد السيرافي هو الحسن بن عبد الله ابن المرزبان السيرافي النحوي المعروف؛ أحد أساتذة أبي حيان التوحيدي، سكن بغداد وتولى القضاء بها، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وتوفي سنة368 هـ ."الإمتاع والمؤانسة" ج1 ص 15. انظر أيضا: المدارس النحوية " ص145 .دار المعارف يمصر. ط.2 1972. د/ شوقي ضيف: نحوي ،وأحد جهابذة علوم العربية )284هـ ـ 368 هـ ، معتزلي المذهب؛ ومن ثم، فقد كان مطلعا على المنطق والفلسفة مما أضرم فيه نار الجدل" . من أهم مؤلفاته شرح كتاب سيبويه،الإقناع في النحو، الذي أكمله ابنه يوسف يعده، أخبار البصريين، صنعة الشعر، البلاغة،وشرح المقصورة الدريدية. كان عفيفاً يأكل من كسب يده كناسخ كتب بالأجر.

(8)علي بن عيسى الرماني، أحد أساتذة التوحيدي،إمام في النحو معنزلي المذهب توفي 384 هـ. الإمتاع ج 1ص .133

(9) "المهندس أبو الوفاء، هو محمد بن محمد بن يحيى البوزجاني، قال فيه ابن خلكان في الوفيات: "إنه أحد الأئمة المشاهير في علم الهندسة...كانت ولادته سنة328 هـ بمدينة بوزجان، قدم العراق سنة 348 هـ وتوفي سنة 376 هـ".الإمتاع ج1 مقدمة أحمد أمين ص: ي.

(10) الإمتاع والمؤانسة:ج1 ص115.

(11) نفسه، ص122: "ما وجدنا لكم إلا ما استعرتم من لغة العرب كالسبب، والآلة، والسلب، والإيجاب، والموضوع والمحمول، والكون والفساد، والمهمل والمحصور، وأمثلة لاتنفع ولا تجدي...."

(12) م.ن . ص120..

(13) م.ن. ص.111.

(14) م. ن. 122.

(15) - يقصد بالموجودات ج موجود، والفعل منه يوجد من أفعال الكينونة. مثلاً: زيد يوجد عالماً أو زيد كائن عالماً، وهو المرادف لـ "أيسَ" من الكلمة العربية المهجورة وبالفرنسية être , il est . وهذا الفعل عبارة فلقة لأن الموضوع والمحمول لا يحتاجان إلى رابط في العربية كغيرها من اللغات السامية. انظر المعجم الفلسفي .د. إبراهيم صليبا ج1 ،ص/ص 183-184.

(16) البيت لامرئ القيس، عجزه: )بنا خبت ذي حفاف عقنقل(.- زعم أبو عبيدة وأكثر الكوفيين أن الواو في "وانتحى" مقحمة زائدة، بينما الواو لا تقحم زائدة في جواب "لما" عند البصريين، فلما أجزنا...هصرتُ الخ:. شرح المعلقات السبع للإمام الزوزني ص/ص:28،29 مكتبة المعارف بيروت1994.ومنها معنى الحال في قوله عز وجل )ويكلم الناس في المهد وكهلاً ً( ، أي يكلم الناس في حال كهولته؛ ومنها أن تكون بمعنى حرف الجر كقولك استوى الماءُ والخشبة َ أي مع الخشية.

(17) م.ن ص120.

, éditions Roudil. (18) َ Abrégés de philosophie, Jean Miquel p17
(19) كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي،، تح :د. شوقي ضيف،ص 72 دار المعارف بمصر1982

(20). مقفدمة في النحو لـ خلف الأحمر، تح. عز الدين التنوخي،عضو المجمع العلمي العربي ص33 ، نشر وزارة الثقافة السورية، مديرية إحياء التراث القديم،، سلسلة3، دمشق 1961.

(21) الخصائص ص/ ص 48/ 109/ 110 ج1 تح محمد علي النجار. المكتبة العلمية:"

(22) ابن رشد والضروري في صناعة النحو أ.د محمود أحمد السيد عضو مجمع اللغة العربية بدمشق.المجلد84، الجزء35 .ص628


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى