الأربعاء ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

أنين الأقلام ووجع الأوراق

لا أدري ماذا أقول؟! الكلمات حيرى.. والمشاعر بين مد وجزر! أنودع عاما انقضى من عمرنا؟! أم نستقبل بالبهجة والسرور عاما جديدا تسطره يد الأيام على جبين الدهر؟!

لا أدري ماذا أقول؟! أنبكي لفراق حول مضى من عمرنا؟! أم نفرح لدخولنا في تاريخ عام جديد؟!

إن قطار الزمن سريع لا يعرف المهل والتريث، وليست له محطات نقف عليها؛ كي نستريح كما نشاء؛ إنه يسير بإرادة الله؛ لينقل خلقه من محطة المهد الأولى إلى محطة اللحد الأخيرة..
الزمن يسير.. والعمر قصير، والعين بصيرة.. واليد قصيرة.. فماذا نفعل؟

هل نستسلم للزمان، ونقول: سر فإننا لا نبالي بحركة عجلاتك؟! أيكفي أن نرفع أيدينا إلى السماء ندعو ونتضرع ونبتهل؟! أيجوز أن نفرح لقدوم عام جديد، دون نجول بخاطرنا في صفحات العام المنصرم؛ ليعرف كل منا ما سطرت يداه من آثار وبصمات مشرقة.. وما تركت من لوثة على جدرانه الشامخة أمام التاريخ؟! وهل يعقل أن نقف أمام عباءة العام الماضي؛ لنشم رائحتها ونبكي ذكرياتها ونندب أيامها الخوالي؟!

لقد علمتنا نواميس الحياة أن المبالغة في كل شيء إسراف وهدر وضياع، أو حرص وتقتير وغل للأيادي إلى الأعناق!

فيجب علينا ألا نفرح كثيرا؛ لأننا نستقبل عاما جديدا راح كل مخلوق منا يعلق على مشجبه حقيبة مليئة بالطموحات والآمال، وشرع كل آدمي يرسم لنفسه صورة ملونة بأبهى الحلل!!
وفي الوقت ذاته ينبغي لنا ألا نحزن؛ لأننا ودعنا سنة من عمرنا أكل الدهر عليها وشرب، ونامت سكرى على غير أمل في الرجوع إلا في الأحلام والذكريات!

فماذا علينا أن نعمل في كلا الحالين؟ حال الفرح لقدوم عام جديد، وحال الأسى لفراق حول من العمر انقضى وفات؟!

سؤال لا بد أن صداه يتردد في خاطر كل إنسان وهبته قدرة الخالق قلبا نابضا بالحياة وقريحة متأججة بالعبقرية وأحاسيس تهتز لتغريد الطيور وتنتفض لنسمات الأثير العليلة.
إن الحياة تاريخ متكامل، وكتاب متماسك المعاني، متعاضد الأفكار، متناسق العبارات والسطور، فلا يمكننا أن نفهم أفكارها فهما دقيقا دون الوقوف على مقدماتها! ولا نستطيع أن نتكهن بنتائجها وخواتيمها دون أن نغوص في صلب معانيها وأفكارها.

فالحياة موضوع متكامل بمقدماته وأفكاره ونتائجه.. وهي في مقدماتها بذرة صالحة وإرادة صلبة ونية صافية، فإذا ما توافرت للإنسي هذه المقدمات دونما اعتراض أو تأثير معاكس، سار ذلك المخلوق إلى أفكار صالحة تتجلى في الأخلاق الحسنة والأفعال الجميلة والسيرة الخالدة، وإذا ما حقق الإنسان هذه السيرة الصالحة، حقق النتيجة الخالدة في ذاكرة الأيام والشعوب، وكانت هذه الخاتمة بداية حياة جديدة ترعاها يد الخالق العظيم في ظلال نعيمه الوارفة بالسعادة والحب والخير والجمال..

فتعال أيها الإنسان لنحقق لأنفسنا حلم الحياة الهانئة القادمة.. تعال لنحرر أنفسنا من أدران المادة والشهوات، ومن أوساخ الأنانية والأثرة..

تعال لنقوم نفوسنا المعوجة بنار الحقيقة، ونصقلها بأدوات الصدق والإيمان والمحبة والوفاء..
تعالوا أيها البشر لنفكر قليلا بما فعلنا، وماذا نفعل، وما سوف نفعل!؟

الفرح وحده لا يكفي لاستقبال هذا العام الجديد.. والبكاء والعويل لا يشفيان الغليل لغرق سنة من عمرنا في بحر الزمن الماضي..

لا أريدكم أن تبكوا بكاء الثكالى على أبنائهن الذين خطفتهم يد المنون، وكسرت قلوب تلك الأمهات بحجر صلد وحفرت على مآقيهن أخاديد دموع الأسى والفراق.. لا أريدكم أن تهجروا الحياة كالطيور التي هجرت أوكارها بحثا عن الأمن والغذاء في بلاد بعيدة..
لا أريدكم أن تعزفوا عن الحياة وملذاتها وشهواتها وجمالها عزوف الناسكين وعباد الصوامع والمتصوفين..

كما لا أريدكم أن تفرحوا فرح الشذاذ والمراهقين والمستهترين والعابثين والسكارى ومصاصي دماء الأبرياء والمجانين والبلهاء.. وإنما أريدكم أن تبكوا بكاء العقلاء العارفين.. وتفرحوا فرح العلماء ساعة مراجعة النفس في صفاء الليالي!

تعالوا لنبكي على كل دقيقة أضعناها دونما فائدة.. على كل ساعة انصرمت دون تحقيق منفعة، على كل يوم صرفناه في اللهو واللعب والثرثرة والكلام الهجين.. على كل لحظة صفاء كدرناها بالأنانية والجشع والطمع والفوضى.. على كل فرصة قتلناها قبل أن تولد في المهد، ووأدناها قبل أن ترى النور بسبب ضعف الإرادة والتردد بين الإقبال عليها أو الإحجام عنها..

فتعالوا إذن لنفرح ونغني ونطرب ونبتهج لكل سويعة سكبنا فيها قطرات عرق الجهد والتعب في بناء الحياة، ولكل لحظة ترنمت فيها أناشيد المعاول، وتناغمت فيها مواويل الفلاحين على آذان الحقول والجداول.. ولكل خلوة ملأتها أيدي الأدباء والكتاب والعلماء زفرات من أنين الأقلام ووجع الأوراق.. وأمطرتها أصابع الفنانين بهمهمات ريشاتهم ودندنات آلاتهم الموسيقية..
وحينذاك يجب أن نفرح؛ لأننا لم نستقبل عاما جديدا بكل ما فيه من حلل زاهية وبكل ما فيه من طموحات وآمال فحسب، بل لأننا ودعنا عاما سطرنا فيه ملاحم العمل والبناء، التضحية والفداء، العزة والإباء، الصدق والإخلاص، المروءة والوفاء..

ويجب أن نفرح آنذاك؛ لأننا شحذنا الهمم، وربطنا الجأش، وملأنا النفوس ثقة وتفاؤلا، ومددنا العزيمة بكل أدوات البناء؛ لنستقبل العام الجديد الذي جاء محملا بحقائب الآمال والأهداف والطموحات المجهولة.. جاء ليوزع الهدايا والمكافآت للمخلصين الشرفاء، لكل معول بناء، وكل قلم وضاء، وكل ريشة ساحرة، وكل راحة يد تفيض ينابيع الخير والعطاء من شقوقها المقدسة..
وختاما.. طوبى لكل من وضع لبنة فوق لبنة؛ ليحمي البشر من حرارة الشمس ويقيهم من آلام البرد..

وطوبى لمن غرس الحقول بالأشجار والزرع لإطعام الجوعى والفقراء والمشردين في العالم..
وطوبى لمن يدير المعامل والمصانع ليحول الخامات الهامدة إلى سلع وأدوات تحقق السعادة والرفاهية..

وطوبى لمن يحرق الأعصاب ويذيب الفكر من أجل نهضة الأجيال وتقدم العلوم..

وطوبى لذلك الجندي الذي حمل السلاح ليدافع عن شرف وكرامة وطنه..

وطوبى.. وألف طوبى للأبوين المقدسين اللذين يفنيان حياتهما في تربية الأولاد وتنشئتهم..

وطوبى للثائرين الذين يقارعون طغاتهم بصدورهم العارية ويتحدون كل آلات القتل والتدمير..

وطوبى لكل حر يواجه الموت من أجل أن يرفع لأمته وشعبه مشاعل الحرية والعزة والكرامة ..

وطوبى للمفكرين والمثقفين الذين حملوا أرواحهم بأيديهم في سبيل نشر نور النهضة والتحرر من الخوف والتبعية والذل والخنوع للمستبدين..

ومرحى لكل من صنع الحياة الجميلة.. ومرحى لكل السواعد والأقلام والأفئدة التي انفجرت ينابيع خير وعطاء؛ لتوشي لنا الحياة بأبهى الحلل وأجمل الصور وأنقى الألوان ..

ولعنة السماء والأرض على كل يد خائنة، وكل نفس وضيعة، وكل فكر متخاذل..

فمرحبا بالعام الجديد.. ووداعا للعام المنقضي.. ومرحبا بالهمم العالية والعزائم القوية والعقول المتوفزة والمشاعر المتأججة التي تسلحت بأدوات البناء والتغيير لصنع حياة أجمل تسودها الحرية والرفاهية، ويتحقق أمن العالم، فلا طغاة ولا عبيد.. لا مستبد ولا مسحوق.. لا متخمون ولا محرومون.. فالحياة خلقت للجميع، وحق لكل الكائنات..

فيا إلهي خذ بيد الفقراء والمسحوقين والضعفاء، وزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة والمستبدين والأسياد الذين يمتصون دماء الشعوب ويمرغون حرية الإنسان في أوحال طغيانهم وظلمهم..
إلهي وجاهي! انصر المظلومين والضعفاء والمضطهدين في كل بقعة من بقاع الدنيا.. فلا ناصر لهم إلاك..

إلهي يا منزل السحاب ومجيب الدعاء.. أغثنا! فلم تعد دعواتنا صادقة من القلوب.. بل صارت نفاقا وتزلفا.. أبواقا لهذا الحاكم أو ذاك.. فلا تؤاخذنا يا رب!! لأن النفاق والتزلف صارا من أعظم شيمنا وخصالنا.. وبدونهما لا نعرف كيف نعيش؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى