السبت ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١

الجيش يد الشعب

زهير كمال

احتاج الامر عشرة أشهر لسقوط شعار (الجيش والشعب ايد واحدة)، هذا الشعار الذي انتشر بعد انتصار ثورة 25 يناير.

لم يعرف بعد من الذي رفع هذا الشعار لأول مرة، لابد أنها إحدى فذلكات عضو في أحزاب المعارضة المتهالكة قصيرة النفس والتي فرحت بسقوط حسني مبارك.
الحق ان خلع رئيس الدولة في مصر بالذات يعتبر عملاً خارقاً في حد ذاته، فنادراً ما تغير مصر فرعونها بالقوة.

هذه المرة تختلف فقد تمّ فصم علاقة استمرت سبعة آلاف عام الى الأبد.
وما نشهده منذ فترة من اعتصامات ومظاهرات وهتافات لاذعة بحق المشير طنطاوي في القاهرة والاسكندرية وغيرها من المدن انما يعكس مظاهر انتهاء هذه العلاقة، وفي نفس الوقت فإن المظاهرات والإعتصامات المضادة التي تؤيد المجلس العسكري انما حيرة وإحساس بالضياع وربما رفض لانتهاء علاقة حميمة استمرت هذه المدة الطويلة منذ بدأت الحضارة الانسانية.

لكن قوى التغيير والدفع باتجاه المستقبل ستتغلّب في النهاية، فمقتضيات اللحاق بالعصر تتطلب ذلك خاصةً بعد تقلّص عزلة المجتمعات وتحوّل الكرة الارضية الى قرية كبيرة .
كان خلع آخر الفراعنة في وقت قصير نسبياً إنجازاً ضخماً أدهش الجميع بما فيهم شباب مصر الذين لم يسمح لهم الوقت لتأطير أنفسهم في هيئة او حزب يدافع عن إنجازهم، ولا يغرب عن البال ان أحزاب المعارضة التقليدية لم تكن مؤهلة للتفكير في الخطوة القادمة نظراً لقصورها الفكري، وهكذا قفز المشير ومجلسه العسكري لتعبئة الفراغ.

وبعكس ضباط الجيش المصري الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم ( ما عدا المستر انور السادات الذي أثبت وجوده في دار السينما ليلة الثورة في عام 1952) لم يفعل المشير الا زيارة مدرعاته القريبة من ميدان التحرير وإثبات ذلك تلفزيونياً.

هناك تفصيل بسيط لم نهتم به تلك الأيام:

وهو كيف وصلت مدرعات الجيش الى ميدان التحرير؟

هل يستطيع المشير تحريك قواته بوصفه وزيراً للدفاع ووالتمركز في الميدان ؟

والجواب انه لا يستطيع ذلك فالمنطقة ليست عسكرية. ولو فعلها لاعتبر هذا انقلاباً عسكرياً.
وانما صدرت الأوامر من رئيسه المباشر مبارك بتحريك الجيش بعد استسلام اجهزة مبارك الاخرى وسقوطها بفعل العمل الثوري.

ولو افترضنا ان مبارك لم يفكر بزج الجيش وإبقاءه في ثكناته لما رأينا المشير يتفقد قواته هناك ويأخذ الصور التذكارية. كما حدث في الحالة التونسية.

وقد اثبتت الشهادات الميدانية بعد النصر أن الجيش لم يكن عنده أوامر لحماية المدنيين إطلاقاً، بل وقف يتفرج عليهم وهم يخوضون معارك الدفاع عن النفس كمعركة الجمل وغيرها.
الصور التذكارية وتأدية أحد أعضاء المجلس العسكري التحية العسكرية لأرواح الشهداء على شاشات التلفزيون كانت هي المساهمة الوحيدة للمجلس ورئيسه الطنطاوي في الثورة المصرية.

ومع هذا استلموا السلطة في حركة فهلوة كما يقول العامة.

كانت الخطوة الصغيرة المفترض من أحزاب المعارضة، والمفترض أنها تتمتع بالخبرة السياسية التمسك بالدستور في حالة خلو المنصب الرئاسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً يتولى إجراء اللازم في تعبئة فراغ المناصب السيادية بما فيها انتخابات مجلس الشعب. (مقال نداء الى رئيس المحكمة الدستورية المنشور بتاريخ 12 فبراير 2011، بعد انتصار الثورة مباشرة)

ولو حدث ذلك لتم تجنيب مصر كثير من المآسي التي نشهدها اليوم.

بعد الانتصار مباشرةً، بدأ مسلسل الصراع بين قوى الثورة الحقيقية وبقايا النظام السابق التي يمثلها المجلس العسكري وبينهما تقف الأحزاب التقليدية تتأرجح بين الطرفين حسب مصالحها الضيقة، فما زالت لم تستوعب بعد الزلزال الذي أصاب المجتمع المصري.
كانت نقطة ضعف قوى الثورة عدم وجود بنية تنظيمية تجمعها، وهذا أمر طبيعي فإنشاء بنية كهذه تتطلب وقتاً وجهداً، من أصعب الأعمال تجميع أفراد يتمتعون بالنية الحسنة والإحساس بالواقع والرغبة في التغيير ثم التفاعل لأنتاج جسم موحد يسير بانسجام.

اما نقطة قوة المجلس العسكري فهي الوحدة والنظام الناتجة عن الانضباط العسكري.

ومع هذا في كل المواجهات التي حدثت بين الطرفين كان الإنتصار حليف الثوار

والسبب واضح فأعضاء المجلس العسكري يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم مغتصبون للسلطة وفي ماضي كل منهم ما يخفيه، ولم يقم أحد بعد بفتح ملفاتهم.

وفي المقابل انتهت للأبد عقدة الخوف من السلطة وانكسر الحاجز الذي شلّ حركة الجماهير بعد ادراكها لواقعها وإحساسها انه لن يتم تغييره الا بالعمل الجماعي.

في بداية المواجهة الحالية بين قوى الثورة الحقيقية والمجلس العسكري والمستمرة حتى يومنا هذا، حدد المشير طنطاوي شهر يونيو القادم لانتخابات رئاسة الجمهورية وكان هذا تنازلاً جديداً كالعادة . ولكن ما يلفت الانتباه قوله انه اذا أراد الشعب استقالته الفورية فانه مستعد لذلك ولكن بعد إجراء استفتاء شعبي.

اذن أحس الرجل بطعم السلطة لأول مرة في حياته، أصبح الرجل الأول، الآمر الناهي والمرجع الوحيد، ويبدو انها قد طابت له وسيحاول التمسّك بها حتى النهاية،

ومن السهولة بمكان لرجل كهذا تحريك أجهزة الدولة السرية والعلنية من أجل هذا الهدف، هذه الاجهزة التي لم يطرأ على بنيتها وهياكلها أي تغيير حتى الآن وما زالت تسير بنفس العقلية والأنماط القديمة ولم يؤثر طرد الرؤوس عليها وكمثل واضح على ذلك الإعلام المصري الذي ما زال هزيلاً كما كان.

وهكذا يمكن لرجل استمتع بالسلطة الجديدة أن يزرع الفوضى في البلاد فيأتي الجميع إليه طلباً للحماية فتتعزّز مكانته ويقوى نفوذه ، الأمر الذي يمكّنه من تصفية الثوار مثيري الفوضى والشغب وللتذكير فقط فالنظام القديم كان يزرع الفتنة الطائفية في البلاد (تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية كمثل بسيط وما خفي أعظم).

ضمن الأجهزة التي تتحرك حسب الطلب جهاز البلطجية التابع لأحد اجهزة الأمن، ومن يعتقد ان البلطجية يتحركون بدافع الحماسة والعقيدة فهو واهم، لكنهم يقبضون راتباً شهرياً وينفّذون مهمات خاصة. اختفوا تماماً بعد انتصار الثورة ويبدو ان الجهاز قد اعيد تنظيمه لتنفيذ المهمات القذرة.

خلال عشرة أشهر تم تقزيم الثورة المصرية ويتم الآن إفراغها من مضمونها وحماسها وحيويتها بالتدرّج، والسبب قفز المجلس العسكري على السلطة، هذا المجلس الذي لا يتمتع أحداً من أفراده بأي خيال او حماسة ، ووجهة نظرهم ان ما حدث هو أزمة وعليهم إدارتها. وما يؤسف له ان أحزاب الطبقة الوسطى تبتلع الطعم كل يوم وتقبل الجزر الذي يقدّم لها بدون إعمال التفكير في نوايا وأهداف المشير الطنطاوي ومجلسه العسكري، وسيقوم الرجل باستعمال هذه الأحزاب وضربها ببعضها البعض ثم إضعافها جميعاً، ما لم تنتبه وتتحد جميعاً من أجل التخلص من حكم العسكر الى الأبد.

تحية الى شباب مصر، وهم مستمرون في ثورتهم حتى تحقق أهدافها، فلم تقم الثورة من اجل إنهاء حكم الفراعنة فقط بل من أجل هدف أسمى وهو تحقيق العدالة الإجتماعية وفتح الطريق أمام مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ولن ينجح هؤلاء الأقزام في مخططاتهم، فقد انتهت الى الأبد ألاعيب القلّة التي تتحكّم في مصائر الشعوب.

سيظل حلم مصر في رئيس يعتبر نفسه منها وليس فوقها مستمراً حتى يتحقق
وقد تكون أقوال وأفعال المنصف المرزوقي المشرّد الذي اصبح رئيساً لجمهورية تونس شمعة تضيء من بعيد وتعطي الأمل بإمكان وصول رجل مثله الى المنصب الأول في مصر، فيصبح مثل البلسم يداوي جروحاً مفتوحة منذ زمن طويل.

وحلم مثل هذا يتطلب نضالاً لتحقيقه وقبل ذلك عزماً وإرادة وتصميم وهذا أمر متوفر في ثوّار مصر الواعين الذين يعرفون نوايا خصومهم وألاعيبهم وسيكون الإنتصار حليفهم في النهاية.

زهير كمال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى