السبت ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١

«صمت الحواس» للشاعر عبد الحق ميفراني

عبد الغني فوزي

ثمة على الساحة الشعرية المغربية والعربية أصوات جميلة وعميقة، تنسج فرادتها ومشروعها الشعري خارج العموميات التي تجنح إلى تصنيف الشعراء إلى ملل؛ اعتمادا على إجراءات لا تمعن النظر في النصوص والآفاق الإبداعية. خطرت لي هذه الفكرة بقوة وأنا أتصفح ديوان «صمت الحواس» للشاعرالمغربي عبد الحق ميفراني، الصادر ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب سنة 2008، ديوان يزخر بآليات اشتغال متعدد، ضمن كينونة شعرية سلسة ومنفتحة في اللغة والمتخيل والرؤيا. وقد يدل هذا بدءا على أن الشاعر بحكم مراسه الإبداعي والثقافي، يغني قصيدته بأنفاس عدة، وحركات عميقة في مجرى الشعر العربي، بل والإنساني.

يرصد ديوان «صمت الحواس» علاقة الذات بالعالم في تموجاتها وتحولاتها .من هنا تبدو الذات منشغلة كحركات وصفات (لها تجلياتها الشعرية) بالاكراهات والاختلالات التي تفضحها القصيدة بعين مشتعلة ترقب الحياة من نقطة ما. فهذا الانفلات ـ عبر العبارة التي لها إشارتها ـ يجعل الشعر والشاعر خارج الأنساق، بما فيها الأنساق الشعرية الصماء. يقول الديوان في قصيدة بعنوان "مشهد القبلة ":

الشاعر الوحيد
أمام العصف
يتلكأ من شدة الدهشة
لا اللغة تضم عزلته
ولا وصايا الأسلاف

هناك عدة ملامح في شعرية «صمت الحواس»، على علاقة وطيدة بالمشترك لحساسية شعرية جديدة، لها تصورها المغاير للغة والعالم؛ من ذلك التقاط اليومي والإيغال به على أرض القصيدة. كأن هذه الأخيرة مخزن لسيرة الذات والتي هي في واقع الأمر سيرة الكتابة المتحررة من المعالم والمبقية في آن على الآثار المجسدة في عنف اللغة ومستوياتها الانزياحية والتواصلية المقامية.. بناء عليه،القصيدة هنا تسعى إلى ردم الهوة بين الأنا الواقعية والمتخيلة، من خلال سرد شعري، يوازي بين الأحداث ويخيطها بنسغ الحواس. ورد في ديوان
«صمت الحواس»:

بالأمس
غادر الشعراء
ساعات الليل الواضحة
واقتربوا مني
 
أنا المندهش بالصدفة، أرمم بالدهشة
مملكة الخسران..وتلك التفاصيل
اليتيمة عن صمت الحواس

القصيدة مع الشاعر عبد الحق ميفراني وغيره من القريبين من شعريته، لا تكتب بيد واحدة صماء وأحادية الطريق والنظر؛ بل تصاغ، وبعبارة أدق تنحت كقطعة مركبة من تقطيعات اللغة الثانية والمعرفة أو الأطر الخلفية والتجربة المشهدية. الشيء الذي يجعل منها قطعة طرية، تتخلق أمامك على مستويات عدة. وبالتالي فكل شيء تمر عليه الذات ـ كحمولة ـ ترديه شعرا مرتعشا وخارج العادة والنمط الذي يبلد الأشياء بصرامة المنطق المكرور.

ثمة في الديوان قصائد تتأمل في هذا العالم الذي يطارد ويخنق ويجثم على صدور الأشياء الجميلة كمفردات حياة، وأخرى تتأمل المصير الإنساني ؛ وثالثة تصور الذات وهي تداعب اليومي بروح خفية في الكل.. الديوان يقول أشياء كثيرة بنبرة ألم وبوح غنائي متشظ. ويغلب ظني أن غنائية الشاعر عبد الحق تضع عدة مداخل لقصيدتها كتثيف اليومي والتأمل وحوارات تتخذ لبوسات شعرية على مستوى التركيب والبناء والرؤى.

ديوان «صمت الحواس» اشتغال دؤوب على القصيدة التي تتحول إلى أداة بحث تقول نفسها بشكل مختلف. وهي شعرية ـ في تقديري ـ لصيقة باليومي والساقط بين المفارقات الكبرى التي تهكيل وتمظهرالأشياء السارية. ولي اليقين دون عماء منهجي، أن الشاعر المغربي عبد الحق ميفراني يخطو خطوات إبداعية باذخة على سلم الشعر الطويل دون لغو أو إجماع شعري. ولكل سلمه... وبئس المصير، في الشعر طبعا.

عبد الغني فوزي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى