الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢

سالم جبران شاعر المحبة ومفكّر الحرية

سلمى جبران

أخاطبك كما خاطبتك دائماً ...

شاعراً..

عبّرت عن أصدق ما يدور في وجدانك من مشاعر، فشعَّ منك نور في دائرة الشِّعر وأضاءها، ولكنّك خرجت من هذه الدائرة..

وسياسيًّا..

حاولت أن تدين السياسة بالصِّدق والصِّدق بالسياسة، ولكن لم يكن الأمر ممكناً، وأيضاً، خرجت من هذه الدائرة..

فقلت:

"لست أعرف اسماً لهذا المكان
فهذا المكان أنا، وأنا هو هذا المكان
يموت الجراد هنا أو أكون طعام الجراد
ويروي دمي أرض هذا المكان.." ("هذا المكان"-رفاق الشّمس ص8)

ولم تقبع، في أي يوم، في مربَّع أو إطار ضيّق، فأنت تعبّر عن الظلم كاتباً:

أمّاه يا أمّاه
يا وجهاً حزيناً عنده ملامح الإله
لا تقفي بعد على الشّباك في انتظاري
جلالة السّلطان لا يمنحني التصريح،
لا تنتظريني
واسمعي أخباري.
("رسالة إلى أمي" قصائد ليست محددة الإقامة ص 11)
أو "شعبي أنا أعرفه
إن أظلمت
ينسج من دمائه نهار". ("نهار شعبي" قصائد ليست محددة الإقامة ص22)
وقد استوحيت الحرية من شقاء العمّال، وقلت:
"يولد من جديد
أراه في دمشق في كتائب العمّال
تدوس ليل ألف قرنٍ
وتطول يدها المحال
أراه في سواعد الزُّرّاع تحيي أرضنا المَوات"

("يولد من جديد" قصائد ليست محددة الإقامة ص67)

إرثك انطلاقة تحرّر من العقائديّة المحدودة المربّعة، إلى مدى صادق أوسع من كل الأسماء والمصطلحات والأمكنة...ذهبت إلى صدق مع ذاتك كإنسان تجاوز حدود السياسة.
ومفكِّراً..

كنت شاعراً مفكِّراً، فاخترقت حدود ال-أنا وحلقة المشاعر النّرجسيّة الضّيقة..

وكنت تفكّر وأنت تسبح في بحر السياسة، فنجوت قبل أن تغرق..

وكنت تفكّر وأنت تفكّر، فاخترقت مجالات لا نهائيّة، فكفرت بالحدود العرقيّة والعقائد الجامدة والتقاليد السّطحية ونجوت بحرّيتك التي عشقتها دائماً، ودعمتني كإمرأة وأضأت حرّيتي كإنسانة. أنت الذي قلت:

"ناموس هذا الكون،
لا حب بلا آلام
فاغسل بنور الشمس عينيك
لكي لا ترهب الظَّلام" ("إلى الأمام" كلمات من القلب ص 84)
وإنساناً..

هكذا قضيت، إنساناً بلا حدود، تعانق المدى وتنعم بروح كونيّة جبرانية، فكنت "بشير الريح والمطر" وقلت:

"يمكنكم أن تأخذوا ربابتي
وتحرقوها، بعد أن تُقطِّعوا الوتر
يمكنكم.. يمكنكم
لكنّكم لن تخنقوا لحني،
لأني عاشق الأرض،
مُغنِّي الريح والمطر" (قصائد ليست محددة الإقامة ص 9 - 10)
إنساناً..

أبيت أن تردّ الظّلم بالظّلم والوعيد، ولكنك عبّرت بتدفُّق عن معاناتك منه وحملت هموم الآخرين كهمومك. وكتبت:

"أنا لن أغنّي..ولْيمُت
في حقده الوحش الّلئيم
في مهجتي أشواك حقل سائب
للاّجئين..
...
جرح مليون بأعماقي،
وهمٌّ دونه كُلُّ الهموم"
("أنا لن أغنّي" كلمات من القلب ص9)
ماذا أقول لك يا سالم جبران!!
أنت شاعر ومفكِّر خرجت من قمقم القيود.
قهرت الموت داخل العقيدة، فنجوت وخرجت..
قهرت الموت داخل المعتقدات المتخلِّفة، فنجوت وخرجت..
قهرت الموت داخل الأُطر السياسية فنجوت وخرجت..
ودخلت إلى عالم الناس البسطاء وتماثلت مع آلامهم،
ولم يكن للألم في قاموسك دين ولا عرق ولا وطن ولا مكان.. دخلت
إلى فضاء الإنسان الّلانهائي حيث لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا موت...
سلمى جبران

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى