الأربعاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
لو توقفت الأرضُ عن دورانها
بقلم فراس حج محمد

ما توقف العبث!!

يظل الكون الدائر بلا توقف، وركام الأسئلة ينهال على رؤوس الفلاسفة والمفكرين الذين رضوا بالشقاء ليسعد العالم، ولكنهم في حقيقة أمرهم نسوا أنهم ليسوا أنبياء أو مخلَّصين البشريةَ من همومها المكدسة، في واقعها المعيش

-1-

عندما تخسر كلّ شيء لا معنى للحياة بعدها، ويغدو تجدد السنوات والأعوام مجرد أعوام تمر، لا تذكرك إلا بأليم الذكريات، وعظيم الانكسارات، فمهما تحقق من إنجازات فهي هباء منثور، لا تساوي شيئا أمام ما فقدته من أحبابك ومحبيك الذي عاشوا بفكرك وقلبك، ولكنهم أصروا على البعد والرحيل، فيا لله كم تتحمل القلوب أحمالا ليس لها عليها قِبَلٌ ولا طاقة!!

-2-

نظرة فاحصة لهذا العالم، نظرة عميقة لهذا الواقع، تكتشف شيئا ما، شيئا يقوم على الخلل المصطنع جراء حياة البشرية المتعاكسة مع القوانين الكونية، فكل الأنبياء وكل الفلاسفة لم يستطيعوا أن يقتلعوا الشر الكامن في النفوس، حاولوا أن يخففوا نزعة التمرد المتساقطة من جنبات الأفكار ليؤسسوا مجتمعا هادئا، ولكن سرعان ما يثور الروح النكد؛ ليحطم كل النظريات ويثبت عكسها.

-3-

لا أدري – وأنا لست بفيلسوف – ما هو سر التبجح في هذا العقل الطامح إلى معرفة الأسرار، أو تقديم وجهة نظر تؤدي إلى بتر المعقول عن اللامعقول في تكوين الموجودات، فتصدم جميع العناصر المرئية وغير المرئية، بجزيئات العقل الواعي وغير الواعي لتشكل في نهايتها تكوينا متماهيا متعاقبا ومتعاكسا مع حركة السير اليومية.

-4-

ربما هو الجنون، وربما هو التعقل المتحكم في نبش ما استقر، وما وضح في متلاصقات التعاسة البشرية التي لا تؤدي في نهايتها إلا إلى السديم المكون للسفر الهائم الذي يقود البشرية نحو العالم المجهول، لتصاحبه رؤية على أنقاض ما فات، مشرئبة إلى ما هو آت، إلى ما يعرف بنظريات نحو هذا المستقبل.

-5-

يقود هذا اللعاب غير المتشكل من موقف محدد الكيان إلى مجموعة من الأسئلة لا تلقى لها حلا ولا تبحث هي في ذاتها عن حل، إلا لتوهم نفسها بصغر الكون وإحكام السيطرة عليه، لتتآلف مع الأشياء تآلفا غير محمود العواقب يؤدي إلى مزيد من التعب الفكري والتعفن.

-6-

شكل ما من الكتابة يحلحل واقع الأمور، يحاسب فيها المرء كلماته الباهتة التي لا تستطيع أن تناوئ حتى أصغر الأشياء وأحقرها، لأنها في محطتها الأخيرة تكتشف نسيانها لأدق الأمور وأهمها مع عدم استطاعتها معرفة هذا الشيء.

-7-

يظل الكون الدائر بلا توقف، وركام الأسئلة ينهال على رؤوس الفلاسفة والمفكرين الذين رضوا بالشقاء ليسعد العالم، ولكنهم في حقيقة أمرهم نسوا أنهم ليسوا أنبياء أو مخلَّصين البشريةَ من همومها المكدسة، في واقعها المعيش، فالكتابة حينها تكون همّا ووهما لا فائدة مرجوة منها.

-8-

ليس بالأمر الكبير أن تكتب عن العالم، ولكن أن تحمل رؤيا، وأن تغيّر هو الأمر النادر، بل هو المستحيل فكم من كتب كتبت، وكم من أقلام جفت، وكم من صحف اسودّت وما ابيضَّ وجه العالم!

-9-

سنة تلحق بأخواتها أيام تنتحر يائسة من القهر والدوران حول المحور. ويقال: إن الأرض ما زالت تدور، حتى لو توقفت عن لفها ودورانها ما توقف العبث!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى