السبت ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم عبد الهادي الفحيلي

امرأة آيلة للسراب

وردة حمراء تطالعني من زاوية قصية على الشاشة. خطت:

 سلام

 سلام أيتها الوردة.

 لست وردة.

 تضعين صورة وردة و لذلك أحببت أن أدعوك بها.

 شكرا, لكني لست كذلك فقط أنا أحتمي بالورد.

 مم؟

 من أي شيء, من كل شيء.

 ولو أنني أفضل أن أسميك وردة, سأناديك امرأة من ورد أو امرأة آيلة للورد.

 جميل. شرط ألا تسميني امرأة آيلة للسقوط هههههههه.

 ههههههه. ما لنا وللسقوط؟

 تعبت من السقوط.

 لا تخافي أنت امرأة من زمن الورد وكفى.

 شكرا.

 تعبت من السقوط إذن؟

 نعم. نجاك الله منه.

 السقوط أنواع: فهناك السقوط في الامتحانات, والسقوط من على دراجة, والسقوط في الحمام العمومي بسبب قطعة صابون مهملة, وهناك السقوط من على درج البيت وهو أخطرها هههههههههه.

 وهناك سقوط شخص أو شيء ثقيل على رأسك.

 تماما. كأن يسقط على رأسك برميل أو حجارة كبيرة, هههههههه. أي سقوط عنيت؟

 السقوط في الحياة!

 السقوط في الحب ؟

 نعم.

 غدر بك؟

 خانني وطلقني.

 ...........

 تفاجأت؟

 يعني. لا بأس, هي تجربة.

 لكن مريرة جدا.

 جرحك غائر؟

 بل أكثر. أن تحب شخصا, تعبده وتوقف حياتك له ثم تستفيق على خيانته ومع من؟ مع قذرة لا تساوي أكثر من ثمن عصير في مقهى من الدرجة الصفر, فتلك صفعة لا حدود لألمها.
 صفعني جرحك. تعانين من الوحدة إذن. من الوحدة والمرارة؟

 أكثر.

 لا طعم للحياة إذن!.

 نعم.

 ولا طعم للورد!!

 أهرب للورد من الجرح.

 قد لا يكون الورد بريئا, قد يدميك شوكه, قد يكون ظاهره الرحمة وباطنه العذاب!

 لكنه يبقى مع ذلك أرحم من قلوب الكثيرين . أرحم من قلوب الرجال!؟.

 يمكن........

الوردة الحمراء في زاوية الشاشة. وجهها ليس حاضرا في مخيلتي إلا بالقدر الذي أحاول رسمه استنطاقا لكلماتها.لا أعرفها. حتى الاسم الذي تستعمل مستعار, لم أعن في أي لحظة أن أسألها عن حقيقته. نزعت الصورة من إطارها ووضعتها على سطح الحاسوب مكبرة مرات عديدة. الصورة فقط أمام عيني. غبش يضبب الرؤية. حاولت التمعن في تفاصيل الوردة, شيء من شحوب يلون اوراقها من الداخل. بعض قطرات ماء على صفحاتها. كانت تبكي إذن. تشحب أكثر. تذبل. تأخذ أوراقها في التساقط. ترتمي أمامي على المكتب. أحضر كأس ماء, أسكبه على الشاشة. تينع الصورة, أقصد الوردة في الصورة. يزداد احمرارها, تنشر أريجا يكاد يصيبني بالدوار. أضغط على بعض الأزرار لأرسم لها عنقا, صدرا, وسطا, أطرافا سفلية, ألبسها ثوبا شفافا بلون السماء. جسد جميل برأس وردة, وجه من ورد. أخرجها من الشاشة وأضمها. أخبئ وجهي في أوراقها وأغرق في نعومتها وعطرها الفواح. يطلع لي من جوفها شوك يخز وجهي. أجاهد كي أبقي أنفاسي في أنفاسها. الشوك حارق. هربت بوجهي مرغما. انفلتت من بين ذراعي وانطلقت تجري أمامي. لم نعد في البيت, أصبحنا في أرض خلاء لا وجود فيها لأي شيء سوانا. لم تكن تجري في الحقيقة, كانت تبتعد عني دون أن تمس قدماها الأرض. أتبعها بكل ما أوتيت من جهد. أريجها يدوخني. يسحرني. أنجر وراءها بتأثير قوة غامضة رغم المسافة الهائلة التي أصبحت بيننا. لم أقو على مجاراتها. أحاول التوقف دون جدوى. وقفت والتفتت إلي. الثوب الشفاف يتطاير لينكشف فخذاها الجميلان. الشوك يتبدى لي من بين ثنايا الوردة الحمراء مكان الرأس كأنه ينبئني عن مصيري إن حصل ولحقت بها وأمسكتها. حاولت الإسراع في جريي مغتنما فرصة توقفها لكن المسافة استمرت على حالها. توقفت لاهثا. انحنيت محاولا استجماع أنفاسي لكن أريجها وسحرها العجيب لم يعتقاني. عاودت الجري. كانت واقفة والشوك يهزأ بي, يشرئب من الرأس. الثوب الأزرق الشفاف تجرأ أكثر وارتفع أعلى من الفخذين هذه المرة فانكشف الحوض والبطن والصدر. أجري لاهثا والمسافة تمعن في ثباتها. الوردة تمعن في سخريتها. الجسد تحت الثوب يمعن في إغراقي في بحر لجي من العذاب. الأريج يمعن في سحره. الحيرة تمعن في الاتساع. رئتاي تكادان تنفجران وتطيران خارج صدري. أصبت بالدوار والقهر والسؤال يكبر أمامي:" هل من المعقول أن أخلق شيئا ثم يتمنع علي ويستحيل علي التحكم به هكذا؟؟!!"

أعادني صوت رسالة على الحاسوب إلى البيت:

 فين مشيتي؟

الوردة الحمراء في الصورة منزوية في أقصى الشاشة.

 أنا هنا. فقط همت وراء عطرك المستحيل أيتها المرأة الآيلة للورد.

 عطري المستحيل!!

 نعم.

 ههههههههه

 لم تضحكين؟

 ضحكت وكفى. أوتدري لماذا لا أضع صورة لي على صفحتي وأكتفي بصورة وردة؟

 لأنك تحتمين بالورد من الألم؟

 لأنني امرأة من سراب. أنا مجرد وهم.

 ممكن....... ما اسمك إن سمحت؟

 ههههههه. قلت لك أنا مجرد سراب. وهم لا اسم له.

 إذن سأغير الاسم الذي أطلقت عليك. سأسميك امرأة آيلة للسراب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى