السبت ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم هيثم نافل والي

الباحثون عن الحقيقة

هناك مثل قديم يقول: خالف تعرف.

للأسف الشديد خدعنا بصحة معناه سنوات طوال، والأسباب التي جعلتنا نقول ذلك هي:

 التجربة التاريخية معَ الباحث والأديب والناقد الدكتور طه حسين. إذ نراه لم يعرف فقط بمخالفته قوانين وبديهيات الأدب الجاهلي، ولا عندما نقدَ القرآن ولا حتى عندما قالَ ما قال في نسب محمد في كتابه الذائع الصيت-الشعر الجاهلي.

بل عرفَ بذكائه ونشاطه ونباهته الفذة التي قلما رأينا مثيلاً لها رغم كفوفه، له ذاكره كالحجر، لا يختفي ما ينقشُ عليها بسهولة! وتفسيرات مجلجلة كالرعد، شملت أغلب أنواع الآداب الناطقة بالعربية، ولم يكتفي بكل ذلك... بل كانَ لنقده لمسات يصعب تحملها أو مجاراتها. إذ ما أن يشّمر عن كمَّ قميصه ليبدأ بالنقد، حتى تراه قد تجردَ من كل أردان ومخلفات الماضي التي تعلمها أو عايشها أو حتى ورثها ومن ثمَ يبدأ بالدرس والتنقيح والتحليل والتفسير دونَ محاباة أو مجاملة أو مداراة ... ليخرج للعالم نقداً محايداً دونَ النظر لِما يعتقد من قبل، بل ما يراه بعد أن تخلى عن كل معتقداته، ليكون بذلك نقياً، صافياً، خلاقاً ومبدعاً. وكي لا ينحاز إلا للمثل الأعلى الذي من أجله بحث.

لقد فرضَ نفسه على أغلب مجتمعات العالم بعلمه لا بمخالفته كما يقول المثل القديم... الذي يراد منه النيل من صاحبه أكثر من الإطراء عليه! بل يمكن لنا أن نقول ما هو أبعد من ذلك: أنه مثلٌ لا يحمل في طياته سوى الخبث وتميل فيه كفة الحسد على حساب كفة الحكمة.

 التجربة التاريخية الأخرى والرائدة، نوضحها من خلال تاريخ الباحث العراقي الجليل الدكتور علي حسين الوردي. الذي لم يعرف هو الآخر بمخالفته للشريعة السنية أو العلوية، بل كتب ما كتب قبلَ أن يخرجُ للناس ويقول: أن من قسم الإسلام هو علياً، وليسَ شخصٌ آخر. بل لأنه حاربَ الحجاب وطالبَ بضرورة سفور المرآة ونقد ازدواجية المجتمعات الشرقية والوزن بمكيالين... وهو الذي سجّلَ تاريخ العراق الحديث وله الفضل في كثير من مبادئ التحرر التي سرعان ما طالبت بها منظمات حقوقية وغير نظامية لتبني أفكاره وجعلها الأساس في كثير من التعاملات الحكومية أو الطلابية أو حتى الشبابية. ليكون فيما بعد مرجعاً اجتماعيا وتربوياً وعلى نطاق واسع من المجتمعات العربية عامة والعراقية خاصة. إذن لم يكن باحثاُ مشاكساً كما يريد المثل أو من يرددونه ومن لفَ لفهم إيهامنا بأنَ من يريد أن يشتهر، ما عليه إلا أن يخالف البديهيات إن كانت هناك بالفعل بديهيات صحيحة أو ثابتة والعلم عندَ الله.

 التجربة الثالثة والتي نراها مهمة رغم خصوصيتها في مجتمعنا الصابئي المندائي الذي ننتمي إليه. ألا وهي تجربة الباحث المندائي المعروف عزيز سباهي. فهو قد عرفَ بمفاهيمه المتفتحة وعلومه الواسعة ودقته المحايدة في البحث. وما دليلنا على ما نقول إلا كتبه التي كتبها بحرية تكاد تذكرنا بمنهج الباحث الجليل الدكتور الوردي، حتى وإن خالفنا البعض في قراءتنا هذه!

خلاصة القول:

البحث عن الحقائق ليسَ بالشيء اليسير أو الهين، بل وكما لا يخفى، قد يؤدي إلى نتائج لا ترحم ولا تخطر على خواطرنا أبداً، وما محاكمة الدكتور طه حسين عن كتابه، أو محاولة اغتيال الوردي عدة مرات، وها نحن نرى اليوم المشهد يتجدد للنيل من الباحث العراقي عزيز سباهي في الحديث عنه بأشكال غير موضوعية وغير لائقة، ونحمد الله إن صفت الأمور على هذا المنوال أو انتهت على سلام.

فالبحث العلمي الجاد كما قلنا لا يحابى ولا يداري، لذا نرى له وبسرعة من يعاديه أو يتهمه بشتى الاتهامات إن لم تكن السباب والشتائم حصته! ولا أجد أفضل من قول الوردي ننهي فيه حديثنا الثقيل هذا عندما وصفَ هؤلاء بقوله: أغلق الله عقول الرجال...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى