الجمعة ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٢
لا جدال في أن قصيدة النثر..
بقلم عبد الرحمن البيدر

قصيدة شعرية

تعرضت قصيدة النثر الى انتقادات كثيرة على مدى عمرها الذي قارب المائتي عام، بل الى هجمات عنيفة في بعض الاحيان بهدف اخراجها من دائرة الشعر بحجة افتقادها للوزن والقافية، ولم تعرف لحد الان الدوافع الحقيقية لمن يقفون وراء معاداة قصيدة النثر، هل تكمن هذه الدوافع في الحفاظ على النمط الشعري القائم وحمايته من الاجناس الادبية (الدخيلة)، أم أن الهدف الحقيقي يكمن في الخشية من إمكانية غزوها للساحة الشعرية بما تحمله من موسيقى ومعاني وصور شعرية جميلة؟

هناك ثمة سؤال يطرح نفسه: لو لم تتلذذ الذائقة الشعرية بالمفردات الوجدانية والصور الشعرية الجميلة والموسيقى الداخلية في وقع ابيات الكثير من قصائد النثر التي كتبها شعراء كبار لهم تاريخ من بودلير الى لوتريامون الى الماغوط ومحمود درويش وغيرهم، فهل نضمن توفر هذه اللذه في الذائقة الشعرية في القصائد المقفاة فقط؟ وهل من الانصاف أن نحرم الذائقة الشعرية من هذه اللذه التي جاءت في كثير من قصائد النثر بحجة افتقار قصيدة النثر للوزن والقافية؟

لا شك أن قصيدة النثر لا تمتلك اسوارا حصينة مثل التي تمتلكها القصيدة العمودية متمثلة بالوزن والقافية، وهذا ما جعلها – أي قصيدة النثر - عرضة للاقتحام من الذين يدعون الشعر، مما تسبب في ترهلها بكتابات لا تمت للشعر بصلة، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن نجد الكثير من القصائد المقفاة تفتقر الى الشعرية الحقيقية، وحيث أن الكثير من قصائد النثر تتوفر على أروع الصور الشعرية وأرقى الموسيقى الداخلية وهذا ما يوفر لها استفزاز ومحاكاة الوجدان وتحفيز الذائقة الشعرية فلا يمكن اهمالها كنص شعري.

ان الصراع الطويل الذي خاضته قصيدة النثر يؤكد بشكل لا لبس فيه أنها عصية على الهزيمة، حيث أن الذين يحاربون قصيدة النثر وفي الوقت نفسه يدافعون عن القصيدة العمودية قد أغفلوا أن شعراء كبار من كتاب القصيدة العمودية قد اعترفوا بقصيدة النثر وكتبوها وخاصة من كبار الشعراء العرب أمثال أدونيس ومحمود درويش وجبران خليل جبران الذي قال (أشعر أن الوزن والقافية يقيداني ولذلك سأكتب قصيدة النثر).

لا خلاف في أن الشعر المقفى هو المدرسة الكلاسيكية للشعر، وقد عرفه العالم منذ قرون طويلة، وحتى العرب منذ ما قبل الاسلام كانوا يقولون الشعر المقفى، الا أن بدايات قصيدة النثر في أوربا والتي جاءت بحسب سوزان بيرنار في اطروحتها التي قدمتها الى جامعة باريس عام 1958 (قصيدة النثر من بودلير الى أيامنا) من ترجمة البالادات ومعنى البالادات هو القصائد الغنائية غير الموزونة، وانتقال قصيدة النثر الى الساحة العربية عن طريق الترجمات لقصائد النثر الفرنسية والانكليزية، حيث بلغت قصيدة النثر أوج انتشارها في الساحة العربية من خلال مجلة شعر التي صدرت في بيروت منتصف القرن الماضي والتي أسسها يوسف الخال وساهم معه بصدورها والكتابه فيها شعراء كبار مثل أدونيس والماغوط وشوقي ابي شقرا وأنسي الحاج وفؤاد رفقة والسياب وغيرهم، قد جعل من قصيدة النثر شكلا شعريا لاقى اهتماما ومكانة واضحة في الساحة الشعرية، وهذا الانتشار الواسع لقصيدة النثر وارتكازها الى ثوابت اصبحت ثوابت عالمية بالنسبة لقصيدة النثر وهي (الايجاز والكثافة والمجانية) وتقولبها بنظام المقاطع قد جعل منها جنسا أدبيا لا يمكن الغاءه أو تجاوزه.

إن هناك ثمة عوامل أخرى قد ساهمت في ترسيخ قصيدة النثر في الساحة الشعرية العربية مثل ما قال عنها كبار شعراء العرب ومنهم حسان بن ثابت حين جاءه إبنه يبكي ويقول (لسعني طائر كأنه ملتف ببردى حبرة) حيث علق حسان (لقد قال الشعر ورب الكعبة)، وما قاله اعرابي سئل : لماذا تحب حبيبتك؟ فأجاب (لأني أرى القمر على جدار بيتها أجمل) فقيل أن هذا شعرا، وما قاله محمود درويش (ما يعطي شرعية لقصيدة النثر أنها تقترح كسر نمطية إيقاعية وتسعى الى انشاء ايقاع اخر).

لقد مرت قصيدة النثر بظروف مختلفة تجاذبها – وخاصة في أوربا – السورياليون أمثال بروتون وايلوار، وما اطلق عليهم بالفوضويون أمثال لوتريامون ورامبو وبودلير، لكنها اليوم اخذت تبتعد عن صفة الفوضوية التي جاءت من تمردها على الاجناس الشعرية منتصف القرن التاسع عشر ونحت نحو الاستقرار وانتزعت وجودها ولو بشكل غير نهائي، وبقيت السورياليه ملازمة لها ربما الى جانب الواقعية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى