الأحد ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١٢
الرحلة الهنتاتية:
بقلم خير الدين بن الطاهر جمعة

من إرادة الكشف إلى سطوة التاريخ

«الفن تاريخٌ في معنى جوهري لأنه ينشئ التاريخ»
 مارتن هايدغر

بحثٌ في الذاكرة ...وتوقٌ إلى المستقبل في محاولة لتأصيل الذات ...استكشافٌ للآخر ينغلق على اهتزاز الأنا وتمزّقها ثقافات وطوائف والوان تفضح المسكوت عنه وتؤرقه تنفض الغبار عن تاريخ منهك بالحروب والفتن والصراعات والخيانات والعدل المستحيل والاحلام الدامية البهيّة ...

تلك هي رحلة اللطيفي الهنتاتية التي ساحت بنا جناّتها السعيدة وهامت بنا أماكنها البعيدة ، مخرت بنا لغتها الجزلة السلسة رمال «الزمن الضائع»، رحلةٌ يوشّح فيها الشيخ الهنتاتي أحلامنا الصدِئة تارة ويوقظنا المحقق على جمال الخيال وقبح الواقع تارة أخرى.

الرواية وجهان والرحلة زمنان: الزمن الأول تنحته شخصية تاريخية هي ابن الزمكي الهنتاتي وهوحفْر في الماضي لإدراك المعرفة أما الزمن الثاني فتبْنيه شخصية معاصرة هي شخصية المحقق الذي كان همه الملحّ إدراك الذات ولمْلمة شتات الأنا في عالم تآكلت فيه الثقافات ...وراء كل ذلك يختفي اللطيفي باحترافية عصية وراء تراثه ليقرّح في نفوسنا مرارة الحاضر ويجعلنا نفكر في مستقبل حضارة أثقلها السقوط فيتجلى مسكونا بتيمة الزمان فكان سعيه دؤوبا لشد القارئ إلى روايتين:

الأولى تكتشف المكان في الماضي حلما لعوبا والثانية تحفر الماضي في المكان واقعا أليما..

الأولى «الرواية المتن» وبطلها ابن الزمّكى الهنتاتي وزمنها الماضي أما الثانية «الرواية الهامش» فزمنها الحاضر وبطلها المحقق الذي يبدولنا من البداية ممهِّدا للروايتين معًا ومؤثِّثا لإطارهما ولكنه سرعان ما يتوارى إلى الهامش فيخبودوره لكنّ فعله يظلّ مستعِرًا حتى آخر لحظة ولدلك نجد أنفسنا أمام بطل يحفر في تاريخ المعرفة ليعلّمنا في الحاضر آلية معرفة التاريخ أوبعبارة أوضح يتسلّح بالتاريخ ليواجه حاضرًا أتعبتْه الأزمات ..وبقدر ما كانت رواية ابن الزمكى مزدحمة بالأحداث مكتظة بالأماكن والشخوص تبدوالرواية الثانية - إن صحّ تسميتها بالرواية – معدودة الأماكن محدودة الشخوص ولكن دورها مركزي في توتير الحبكة ودفع الأحداث نحوالذروة فقد قامت بمهمة الموضّح والكاشف والمفسّر لرحلة ابن الزمكى وعلى هدا النحويبدولنا العمل السردي في شكله العام مؤسَّسًا على آلية فنية مفصلية وهي آلية: اقتفاء الأثر: فالمحقق يقتفي أثر ابن الزمكي والراوي يتتبّع خطوات المحقق بحذر ونحن القرّاء نتابع الرواية بشغف فنحن أيضا لبسنا هاجس الوصول إلى جزر الركرك تكتسحنا في دلك رغبة مترسِّبة في اللاوعي البشري وهي متعة كشف السر واستكناه المجهول ..

لقد بدت الرواية الإطار مقتضَبة مقارنة برواية الرحلة المضمَّنة ولكنّ مقدمة المحقق وتعليقاته على الهامش هي التي أخرجتْ العمل من حيّز فن الرحلة الضارب في تاريخ الأدب العربي القديم إلى فضاء أرحب هوعالم الرواية المعاصرة فالمقدمة والهوامش هي التي أجّجتْ البعد الإيحائي الإشكالي للرواية وهي التي أخرجت بطل «الهامش» (المحقق) من حياة الهامش الرتيبة والاستقرار الكاذب في العاصمة " ثم ما لبث المقام أن طاب لنا فبحثنا عن الاستقرار بالعمل والزواج وأصبحنا من سكان العاصمة نهائيا ” ( 8)فصافح بدلك فضاء جديدا هوفضاء العودة للجذور ونبد هوان الاستقرار بولوج جنون الرحلة وكبرياءها حين دخل حياة الفعل التاريخي والوعي الثقافي بما يهدّد مجتمعه..فقد وجد نفسه بين عشيّة وضحاها يخرج من دائرة الوجود الزائف حيث اليقين المذلّ ليخوض هوس الشك وعظمة الرحلة: «وتوقفتٌ أمام المخطوطة التي لم أسمع بصاحبها يوما وأنا في حالة من الحيرة والشك» (11)

ورغم أن الاختلاف واضح بين الروايتين في المستوى الفني والزمني على الأقل إلا أن الذي جمع بين البطلين (ابن الزمكي الهنتاتي) من ناحية و(المحقق) من ناحية أخرى هوالرغبة والإصرار ، فقد كان المحقق مصرًّا على سبر أغوار الذات والتمسك بالهوية بكل ما كانت تعنيه زاوية الولي الصالح وترمز إليه " نعم سيهدمون الزاوية بعد أن اتخذ المجلس البلدي قرارا مند شهرين بأن يزال المبنى المتداعي ...."

وهكذا يجد البطل نفسه في مواجهة السلطة فيعيش صراعا يسعى من خلاله إلى تأكيد هويته التاريخية بكل الوسائل العلمية المتاحة عبر قراءة الوثائق وتحقيقها وعمليات الحفر بكل ما حفّ بها من مخاطر .... فأخدنا بدلك في رحلة الهامش إلى عالم حفر الذات وكنه الهوية وربما رسالته الضمنية في دلك: مزيد من قراءة الأنا نحن بأمسّ الحاجة إليه في كوكب يمور بالعولمة والذوبان في الآخر إلى درجة الشعور بالاستلاب والامّساخ...إنها حفريات اللطيفي المعرفية التي تنتصر للذات وتحتمي بها من أجل لمْلمَتها وإعلائها ... بهدا المنحى يتعارض المحقق مع الهنتاتي بطل الرحلة الأم في أن هدا الأخير إنما كان هدفه اكتشاف الآخر (جزر الركرك) ثم إنه لم يكن في حالة تعارُض مع السلطة بل إنه منفّذ لقرارها وهوامتداد لها: " ولما كنت من أخلص الخلصاء في قصره واصدق الأعوان وأرشدهم في رجاله فإنهما رأيا أن التكليف والتصريف سيكون لي في القافلة التي يزمعان إرسالها إلى جزر الركرك البعيدة "(36) وهكذا فقد جمع بين البطلين الانخداع فقد سعى الهنتاتي إلى معرفة الآخر واكتشافه فانتهى به الأمر إلى إدراكٍ أكثر لما يعصف بعصره من تناقضات وفتن ولكن حلمه ظل ثابتا وفي الناحية الأخرى سعى المحقق إلى الغوص في أعماق ذاته بالعودة إلى الجذور فاكتشف أنه لا يعرف الاخر وأنه في هدا العصر هوفي حاجة إلى إعادة قراءة ذاته إنه التجدر في الأنا وقراءة التاريخ بحسٍّ عقلي فريد يتعالى عن الرؤى التمجيدية أوالتآمرية السطحية لأنه تفطن إلى أنه جاهل بالآخر أيضا وأنّ هدا الآخر لا يظهر دائما كقوة عسكرية فجّة بل إن خطورته تكمن في انه يتبدّى أحيانا فكرة متغلغلة فينا إنه " الغالب " الذي يتحكم فينا من وراء البحار . وهكذا ظل حلم المحقق الخفيّ معلَّقا أيضا وقد تمثّل في التوق إلى إيجاد علاقة تكامل بين الأنا والآخر دون الإيغال في التاريخ والتراث وتمثّل علاقة تماهٍ بنّاءة مع الحاضر وهولعمري أمر ليس بالهين اليسير ..

لقد خاض أبوالفضل الهنتاتي " البصير بشؤون البر " رحلته تنفيذا لأمر السلطان وحاول في دلك امتصاص كل التناقضات والفتن وكان مؤمنا بنجاح مهمته لكنه لم يصل إلى جزر الركرك مما يعني فشل مهمته -هدا في الظاهر- أما في الباطن فقد استطاع أن يكتشف روعة الحلم وقدرة الإنسان على الفعل والإيمان عندما يكون المنشود راقيا بأن يرأب كل التصدعات الفكرية والمذهبية والسياسية فهدا البطل الحكيم بكل ما تعنيه الكلمة في التاريخ العربي والإسلامي استطاع أن يجمع تحت لوائه شخصيات متناقضة (أبو الدعداع – زمور – شيخ الطريقة – ابن ياسين ..) مما يؤكد لنا ان الهنتاتي -ومن ورائه اللطيفي بلغته المعتقة – قد وطئ في رحلته ثغور الحضارة العربية الإسلامية وآلامها ، هولم يزر أماكن بل تجوّل في محنٍ وأزمات فتجلّت الصورة مهشَّمة متصدِّعة من خلال مشاهد متنوعة مقضّة وهي صور يمكن تلخيصها في: الصراع والتصادم والتناحر الدموي بين العرب والبربر وبين السودان والبيضان وبين أهل السنة والصوفية وبين العبيد والأسياد وبين الرغبة والإثم وهكذا استطاع أن يكتشف الهنتاتي السر المحرّم فأعمل السكين في الجرح ولم يحفظ الوصية فتحوّل إلى تمثال من الملْح وكانت خطيئته أن التفتَ إلى الوراء فكانت نهايته مُذلَّة فمَن يريد الحرية في البحث والفكْر يعاقَب بسلبه حريته فليست المشكلة في الممنوع والمحرَّم وإنما المشكلة في إشاعة المحرَّم ولدلك كانت نهاية أبوالفضل بن الزمكى مأساوية فقد انتهى عبدا دليلا : "وفي تامسنا رعينا الغنم كما لوأني واحد من الوصفان " 214 ولكن رحلة اللطيفي كانت من الأهمية بمكان لأنها إشكالية طرحت السؤال المميت وتوارت فجعلتنا نتساءل لمادا الرحلة ؟ ولمادا الآن ؟ وأين نحن من كل هدا فالأعسر من السؤال خلفيّته وليس الإجابة عنه فهوقد نفض الغبارعن مسكوتٍ عنه لحضارة متداعية مهتزّة كان يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه لونُظر إلى الاختلاف والتنوع فيها غير ما نُظر ..

تبدوالشخوص في الرحلة الهنتاتية متوترة الدلالة إلى درجة الرمزية ولعل من الشخصيات التي دار في فلكها المد السردي شخصية أبي الدعداع فهده الشخصية هي التي وتّرت الحدث وجعلت القارئ يتّبع خطى أبي الفضل الهنتاتي للوصول إلى الجنة الموعودة وأن هده الشخصية هي التي خاضت رحلة عجائبية نحوجزر الركرك وزادت في تجميل الحلم وتقريب صورته إلى الأذهان حيث تحوّل في بداية الرحلة إلى راوية ” يقول أبوالدعداع : خرجتُ في تجارة إلى أن بلغتُ ...."

أبوالدعداع شخصية وصْل بين الماضي والحاضر وهي ذات حضور قوي بين ثنايا الروايتين فهوقد ساعد البطل ابن الزمكي في حلم الوصول إلى " الجنة الموعودة " جنة الأرض فكان الدليل الذي ينير سبيله في الصحراء وقد ساعدت هده الشخصية المحقق أيضا على تجدير الحاضر في التاريخ بما أن وجود أبي الدعداع ارتبط بزاوية «سيدي بوعلي»: " ويقال أن القبة ضئيلة لأنه كان رجلا دينا تقيا وقد أجار ذات مرة رجلا من الكفار المجوس – هكذا يقال اسمه دحداح " لقد كان أبوالدعداع الأثر والخيط الذي يتبعه المحقق في مسيرته على طول الرواية ونظرا لأنها شخصية ذات قيمة في بناء الحبكة الدرامية فقد تميزت بملامح خاصة فقد أرادها أن تكون ذات دلالة عجائبية تتناسب تماما مع المهمة التي أوكلت إليه وهي تصوير الحلم دون الوصول إليه في الماضي والاستمتاع بلحظات الكشف الأركيولوجي المعرفي في الحاضر: " ولولا أن رافقنا (أبوالدعداع) وسايرنا وتحدث إلينا لحسبته من الجن وإني والله إلى الآن ما أدري أهوكامل الإنسية أم فيه من الشياطين والجن فضل ".

لقد أوهم أبوالدعداع أبا الفضل الهنتاتي بالقدرة على نيل مبتغاه وهوالوصول إلى جزر الركرك وأوهم المحقق أيضا بالحصول على دليل تاريخي لوجوده وارتباطه بزاوية سيدي بوعلي ووقعنا نحن القراء ضحية جمال الخيال لدى اللطيفي فأغرانا بتخييله العجيب ولغته المخاتلة ووصفه المسهب بالوصول إلى لحظة الاستمتاع القصوى extaseالمفارقة للوجود المادي الوضيع وملامسة عالم الحلم والخيال كي يؤكد لنا في النهاية أن روعة الجمال إنما في سلك الطريق وليس في الوصول إلى نهايته إنه إيهام بعالم من اللغة ضارب في التاريخ يجعلك تحلم بالمحال لتستفيق على الكائن الأليم الملحّ الذي يصعب تغييره ولكن شخصية أبي الدعداع لم ترتبط فقط بالإيهام بل كرّست في الرواية معنى الإرادة والقدرة البشرية على الفعل من أجل تغيير مجرى التاريخ فلولا ظهوره لما كانت الرحلة بالنسبة إلى أبي الفضل ولما استطاع أن يواصل المحقق أبحاثه التي ارتبطتْ أساسا بالزاوية ولذلك :

كان أبوالدعداع بطلا في المكان حاضرا وكان بطلا في الزمان ماضيا ..

فالمحقق لم يغير الواقع ولكنه وصل إلى معرفة الدات ورسم حدود الهوية وإدراك أهميتها في هدا العصر تفطّن إلى الوجود الحقيقي وهوالسعادة في السعي إلى الإدراك الحقيقي للكائن في أبعاده الزمنية المختلفة وهونفس ما انتهى إليه أبوالفضل الهنتاتي فهولم يصل إلى جزر الركرك ولكنها تعرف إلى قاع الحضارة العربية الإسلامية بأطيافها المختلفة .

لم يكن البعد العجائبي للرواية حاضرا من خلال المنحى الخيالي للأحداث فحسب بل إن الذي يذكرنا فيها بقصص "ألف ليلة وليلة " هوأن فكرة الرحلة انبنتْ على حضور امرأة جميلة لولاها لما جاءت فكرة الرحلة وتدوينها ولما نتج عن دلك مسألة التحقيق ومن ثمَّ الرواية بكاملها فالمرأة التي لم تكن حاضرة بشكل قوي في الرواية كانت فاعلة إلى مدى بعيد فيها دلك أن المرأة التي أحضرها النخاس إلى مجلس الأمير كانت علّة الرواية الأولى مما يؤكد لنا أن المرأة دلك الكائن المتواري وراء الحجب (خاصة في الحضارة العربية الإسلامية )هوفاعل في السرد والخيال والواقع مما يجعلنا نتأكد من أن الرحلة إنما هي رحلة البحث عن الجمال أوالأستطيقا بالمفهوم الذي دهب إليه هيغل إنه حلم الجمال الذي نعيش من أجله ولا نستطيع إدراكه : " ..ثلاثون جارية وفيهن جارية بيضاء كالبدر كانت فتنة من الفتن قال إنها من جزر الركرك " .

لقد عرفتنا الرواية على زاوية من الحضارة العربية طبعت الفكر العربي بسمات مهمة حاولت تحديد العلاقة بين الدات والعالم والدات والآخر وقد برز دلك في شخصية شيخ الطريقة فاكتسبت الرحلة إضافة إلى البعد العجائبي صورة صوفية بما أن الرحلة (الهنتاتي + المحقق) هي رحلة كشف وبحث واستقصاء للسعادة الأبدية هي بحث عن جنة الأرض واستفهام لحقيقة الكائن من خلال امتداد نحوالمنشود ولعل " الماء " – بدلالته القُدُسية – هدا الحاضر الغائب متصل بتجربة الرحلة بمعناها الصوفي الصميم ونستحضر في هدا السياق قول الشيخ أبي يزيد البسطامي مُصوِّرا رؤية الفكر الصوفي إلى الرحلة :" إن الماء إدا ركد أسِن ، فكنْ بحرا لا ينتن "وبهدا المعنى يكون شيخ الطريقة رغم كل ما مر به من أزمات ومحن قد أكسب الرحلة معنى صوفيًّا وجوديا عميقا فحوّلها من رحلة عبر الأماكن إلى تقصِّي الدات المريدة للمراتب واستفهام للوجود وتجلٍّ للأنا وحلوليَّة في الملكوت الأعظم وقد برز دلك بشكل جليّ في الرواية : " قال شيخ الطريقة : أما وقر عندك إلى الآن أن رحلتك إلى الركرك موعودة وأنّا نحن الموعودون ولستَ إلا وسيلتنا في الوعد ؟ إنّا قوم مختارون وقد انفصلنا من الإرادة إلى الفعل بفضلك ".

بهدا المعنى اتخدت الرحلة وجوها عديدة تخضع لزاوية رؤية المتحدث وأيديولوجيته فهي تنوء بالدلالات السياسية التي تنزَّلت فيها فكرة الرحلة في حد ذاتها نظرا لكثرة الفتن والصراعات السياسية في عصر الهنتاتي ولدلك كانت الرحلة حاجة تاريخية ملحة أملتها حدة التناحر بين العناصر العرقية والمذهبية فلنتأمل نظرة مغايرة للرحلة هي نظرة مسكونة بهموم العصر تجلت في موقف أبي الفضل الهنتاتي والتي تبرز معرفة جلية بآفات عصره : " ...فعندئد يشمر مؤنس بن يحي ومن معه من الأعراب الهلاليين لينتزعوها من يد غيرهم ويجربوا حلاوة المغنم والزحف في البحر المحيط وليدعوا إفريقية لأصحابها فيريحوا القيروان وتعود زناتة الغلباء وصنهاجة الشماء إلى الوئام والسلم وتنعم العامة والخاصة بالعدل والطمأنينة " هي نظرة سياسية يرى فيها البطل الحكيم (أبوالفضل الهنتاتي ) إلى الرحلة منشودا سياسيا كان مختفيا وراء لغة جزلة تتلفّح بغبار التاريخ ...إنها رغبة الأمير الظاهرة في الاكتشاف والغلبة ورغبة الحكيم الخفية في الكشف والمعرفة فلئن كانت رغبة السلطة السياسية واضحة جلية من بداية الرواية فإن هدف الحكيم كان متواريا يظهر حينا ويختفي حينا آخر لقد كان أبوالفضل الهنتاتي مهووسا في لحظات كثيرة من الرحلة بالوصول إلى " أرض الجواري والعدل " أو" إلى بلاد ليس فيها ظالم أومظلوم "

لقد أنهكتنا رحلة اللطيفي الهنتاتية لأنه نجح إلى حد مّا في كشف المسكوت عنه في ذاكرتنا وأجّج سطوة في الحاضر لقد استطاعت الرحلة بكل ما اصطرع فيها من أحداث إلى قراءة سر الماضي عبر نقد الحاضر المهتز الأليم الدي ينوء بأزماته لنتقطّع بين سؤال الهوية والنظرة إلى الآخر وآفاق المستقبل .

0وربما ما جعل الرواية تنوء بالدلالات المهمة ارتباطها الوثيق بالتاريخ ولكنها في نفس الوقت كانت أبعد ما تكون عن الرواية التاريخية وهي رغم إيهامها بطرح قضية التوثيق التاريخي إلا أنها أقرب إلى أدب التخييل التاريخي فقد اتخدت الرواية من التاريخ مادة لتصوير الحلم فالسرد إذن حول المادة التاريخية كن وظيفة مرجعية إلى أخرى أكثر رحابة وهي الوظيفة الجمالية فيتبدى لنا الفرق واضحا بين المحاكاة التاريخية وتخييل التاريخ سردًا حالما وفي هدا الصدد حاول الكاتب تغيير المستحيل ليرسم لنا مستقبلا أكثر إشراقا من واقعنا الأليم فهوبدلك ينأى عن الرواية أن تكون إقرارا سطحيا فجاًّ بحتمية التاريخ نتقبلها فتسير بنا قدرا محتوما على المعنى الدي دهب إليه المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه " نهاية التاريخ والإنسان الأخير " بل نتأكد بعد قراءة الرواية أنّ الإنسان كائن من إرادة يمكن أن يغير المستقبل عبر تخييل التاريخ ولدلك أسرّ لناَ المحقق في ثنايا الرواية بسعادة مريرة : " وبالرغم من أن التاريخ لا يعبأ بالافتراضات فإن افتراض اكتشاف الحضارة العربية الإسلامية لما وراء المحيط الأطلسي يظل خيالا مغريا ".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى