الاثنين ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم نسب أديب حسين

هوان النعيم ومرارة النكسة

قراءة في رواية "هوان النعيم" للكاتب جميل السلحوت

يطل علينا الكاتب الشيخ جميل السلحوت بإصدار رواية"هوان النعيم" في كانون الثاني 2012، لتكون الجزء الثالث من روايتي "ظلام النهار" و"جنة الجحيم" عن دار الجندي للنشر والتوزيع.
يدور محور هذه الرواية حول حرب 1967، عن وقع الحرب على سكان السواحرة في جبل المكبر جنوب شرق القدس. يتناول الكاتب الأحداث بإسهاب، وبإيراد بعض القصص التي تناقلها الناس حول المعاناة واستشهاد عدد من سكان المنطقة، ويخوض غمار القضايا التي شغلت المقدسيين في تلك المرحلة، الصدمة بحلول الهزيمة، والتغييرات في نمط الحياة في ظل الاحتلال، كالحصول على الهويات والتغيير في مناهج التعليم.

يتطرق الكاتب بوضوح وفي أكثر من موقع الى اللقاء ما بين المقدسيين والفلسطينيين الباقين على أراضيهم عام 1948، والاغلاق الذي تعمدت اسرائيل أن يكون عليهم، فانقطعت أخبارهم عن باقي الأمة العربية وعن باقي الفلسطينيين، فاختلفت الأنباء عنهم، وحاول المقدسيون الابتعاد عنهم ظنًا منهم أنهم عملاء، فتدخل إمام الأقصى محاولا توضيح الأمور، وإزالة سوء الفهم في المواقف وتأكيد وطنية الفلسطينيين الباقين على أراضيهم. ويظهر اللقاء أيضًا في رحلة خليل وجريس وداود وعبد المجيد من جبل المكبر الى الناصرة، حيث يلتقون أقارب جريس ويتحاورون ويتعرفون على الناصرة. ويتطرق الكاتب الى ما آلت اليه أحوال فلسطينيي الداخل وما يلاقون من معاناة جراء الاحتلال، والخوف على القدس من أن تؤول أحوالها الى ما آلت إليه أحوال مدن فلسطينية في الداخل مثل حيفا وعكا وغيرها، فيما نرى الأمل يلوح على شفاه المقدسيين بأن اليهود سينسحبون، وأن الدول العربية لن تصمت على احتلال القدس.

لقد وُفق الكاتب في نقل الحقبة التاريخية، وطرح التيارات الفكرية التي كانت متداولة حينها، لكن هذا أثر كثيرًا على النص الأدبي، وجعل من الرواية رواية تأريخية في طابع سردي، كما وأثر على نمو شخصيات الرواية.

ظهرت شخصية أبو سالم التي استمرت من الجزء السابق الشخصية الأكثر نموًا وحياةً واستمرارًا في نهجها بالمحاباة، إلى أن وصل أبو سالم الى العمالة، ليكون كلبًا للمخابرات الاسرائيلية.

أما خليل الأكتع الشخصية الأبرز في الأجزاء الثلاثة، والتي ظهرت مع بداية رواية ظلام النهار، واستمرت ونمت في جنة الجحيم، وانتهت الرواية بلقاء خليل بأخيه البريطاني، وصديقته ستيفاني والبروفيسورة جاسيكا التي كانت لها مآرب في الحفريات في القدس، لم يتطرق الكاتب الى هذا، وانطلق الجزء الثالث بظهور خليل في مظاهرة، لقد لاحظت أن شخصيّة خليل في بداية الرواية كانت شخصية قائمة من دم ولحم أكثر مما كانت في باقي أقسام الرواية، ففي أحيانٍ كثيرة شعرت أن خليل مجرد اسم ووجود، يستخدمه الكاتب لينقل لنا ما يرى في القدس أو الناصرة، أو ليوصل معلومات يود لنا أن نعرفها، وقلما انطلقت الشخصية بعيدًا عن الخيوط التي يحركها بها الراوي. من النقاط التي لا تصب في مصلحة الرواية، أنه قد وردت أحيانًا بعض القصص من أحداث الحرب بطريقة غير ملائمة مع سير الحدث، مثل ذكر قصة استشهاد محمد عبد، معلم الرياضة صفحة 36 التي لم تكن ملائمة لسياق الحدث حيث أدرجت، الإسهاب في ذكر بعض التفاصيل، أضعف النصّ أحيانًا، كذلك تكرار بعض المعلومات مثل إيراد أن عدد الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم عام 1948 كان 150 ألف ثلاث مرات على ألسنة ثلاث شخصيات في الرواية كان أمرًا مثقلا.

توقف الكاتب في هذا الجزء عن استخدام اللغة العامية المحكية على ألسنة كبار السن، كما عوّدنا في الأجزاء السابقة، وفي رأيي فإن استخدامها في الأماكن المناسبة يلائم بصورة أفضل روح النصّ.

مما أعجبني في الرواية محاولة الكاتب الحفاظ على (ذاكرة المكان) ليصحبنا الى البلدة القديمة، ويخبرنا كيف هُدمت حارة المغاربة، لتتحول الى حارة اليهود اليوم، وأن باب الأقصى الرئيس قد هُدم، وأقيم على مساحة أقدم مقبرة إسلامية في القدس متنزه، وذِكر الجدار الذي كان قائما ليفصل ما بين القدس الغربية والشرقية، سادًا مدخل الباب الجديد مارًا في منطقة المصرارة، وتفاصيل أخرى كثيرة يستفيد منها القارئ الشاب.

أخيرًا نجد أنفسنا أمام عملٍ أدبي قيّم في طرحه، يرسخ ذاكرة وهوية المكا ن، ويقدم فائدة بالغة للقارئ، لتستمر جولة رائعة بمرافقة الكاتب تاريخيًا وجغرافيًا في المدينة المقدسة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى