الأحد ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم أبو الخير الناصري

الطيب المحمدي

النشأة والدراسة والعمل

ولد الشاعر المغربي الطيب بن المختار المحمدي سنة 1955م بالقصر الكبير لأسرة ذات وضع اعتباري خاص داخل المدينة حيث «اشتغل عدد من أفرادها بمهن راقية، كمهنة القضاء، وخطة العدالة، ووظيفة التدريس» (1).

وقد تلقى تعليمه الابتدائي بكل من مدرسة مولاي علي بوغالب ومدرسة سيدي بوأحمد، في حين توزعت مرحلة دراسته الثانوية بين القصر الكبير، وتاونات، وتطوان التي حصل منها على شهادة البكالوريا (تخصص أدب عربي) من ثانوية جابر بن حيان، ليلتحق بعد ذلك بمدرسة المعلمين بطنجة سنة 1977م، ثم بالمركز التربوي الجهوي بالقنيطرة الذي أمضي به موسمين دراسيين، وتخرج فيه عام 1980م.

اشتغل مترجَمُنا بعد التخرج أستاذا للغة العربية بمدينة سيدي قاسم أولا، حيث درس بإعدادية ابن رشد، ثم بثانوية محمد الخامس. وفي العام 1983 انتقل إلى تطوان، وعمل بها عامين، لتكون سنة 1985 سنة عودته إلى مسقط رأسه الذي التحق فيه بثانوية المنصور الذهبي التي ما زال يعمل بها حتى يومنا هذا.

وموازاة مع مهنة التعليم شارك ذ. الطيب في العمل الجمعوي، فانتسب إلى جمعية مواقف، وجمعية الأنشطة الاجتماعية والتربوية، وترأس جمعية آباء وأولياء تلاميذ ثانوية المنصور الذهبي، وشارك في أنشطة ثقافية نظمتها جمعيات عديدة من بينها: جمعية مواقف، وجمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، ونادي القصر الكبير للصحافة والاتصال، وجمعية عبد السلام عامر، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان..

المسير الأدبي

كانت البدايات الأدبية لشاعرنا بمدينة تطوان أواسط سبعينيات القرن الماضي ( 76 / 1977) من خلال مكاتبات شعرية بينه وبين نخبة من أصدقائه كان موضوعها تبادل الهجاء على سبيل الدعابة والتنكيت.

ومن ذكرياته عن تلك المرحلة أن أحد أصدقائه قدم، أيامئذ، نماذج من تلك الأهاجي للأديب المغربي محمد العربي العسري، فأعجب باقتدار المترجَم في غرض الهجاء.

أما البدايات الحقيقية في نظم الشعر فيُرجعها ذ. الطيب إلى أوائل الثمانينيات أيام العمل بمدينة سيدي قاسم، فهناك جاشت مشاعره وفاضت بقصائد عديدة في أغراض شعرية مختلفة. غير أن تلك القصائد لم يقدر لها أن ترى النور لأسباب من أبرزها ما عرف عن صاحبها من عزوف عن الاحتفاء بأشعاره ونشرها، وذاك طبع من طباعه يعرفه الأصفياء والمقربون، وعنه يقول الأستاذ بوسلهام المحمدي رحمه الله تعالى: «هذا شاعر يعشق الشعر لذات الشعر، ظل ينظم الشعر لنفسه على وجوهه، جاعلا من نفسه قارئا، ومن ذاته ناقدا، إلى أن اشتد عوده في هذا الميدان، وصلب عظمه في هذا المجال ..» (2).

ولئن كان عزوف الشاعر عن النشر من العوامل التي حالت دون وصول قصائده الثمانينية إلى القراء، فإن مكانها ما زال محتفظا به في ذاكرة بعض مجايليه في تلك المرحلة.. ولقد ذكر الأستاذ الباحث والشاعر محمد عمر السرغيني في كلمته المقدمة بمناسبة حفل توقيع الديوان الأول لمترجمنا "زغاريد مبحوحة" أن هذا العمل المحتفى به يشكل، في الحقيقة، الديوان الثاني للأديب بعد ديوانه الأول الذي لم يقدر له أن يصل إلى أيدي القراء، وكان في قوله ذاك إشارة إلى ما ضاع من قصائد الشاعر بمدينة سيدي قاسم، ويقدر بحوالي ثلاثين قصيدة من الشعر العمودي كما يصرح بذلك الطيب المحمدي في لقائي به.

مؤثرات في حياته الأدبية

يرجع الأستاذ الطيب المحمدي أهم العوامل الفاعلة في مسيره الأدبي إلى ثلاثة مؤثرات:

 أولا: الحياة عامة بأحداثها، وتحولاتها، وتقلباتها التي تحرك النفس الإنسانية وتدفعها للتعبير بأشكاله المختلفة.

 ثانيا: المقروءات المتنوعة للشاعر، ويذكر منها تحديدا قصائد الشعر العربي القديم كقصائد المتنبي وجميل بن معمر..

 ثالثا: نخبة من الأساتذة الأجلاء كان لهم فضل كبير في تحبيب اللغة العربية وآدابها إلى نفسه، ويذكر منهم حسب سنوات الدراسة:

1 / مصطفى اليعقوبي والخليل أطاع الله بثانوية المحمدي بالقصر الكبير.

2 / الأستاذ أبو الخبرة بمدينة تاونات، وكان متمكنا من العربية، تتخلل دوسه بعض النكت والطرائف، فينصرف التلاميذ، عند انتهاء الحصة، وقد تزودت عقولهم وطابت نفوسهم.

3 / محمد الحلوي، الشاعر المغربي المعروف – رحمه الله تعالى – وهو من أساتذة الشاعر الطيب بثانوية جابر بن حيان بتطوان، ويعتبره شاعرُنا مدرسة مستقلة متفردة.

4 / مصطفى يعلى، الأديب والناقد والأكاديمي المغربي المعروف، وكان لتدريسه مادة النقد الأدبي بالمركز التربوي الجهوي بالقنيطرة دور حاسم في حفز ذ. الطيب لمزيد من محبة العربية والتدقيق في التعبير الأدبي.

إنتاجه الأدبي

بعد مرحلة من نظم الشعر، مع الإحجام عن نشره، أقدم الشاعر الطيب المحمدي، مشكورا، على طباعة ديوان له بعنوان " زغاريد مبحوحة " صدر عن دار الحرف بالقنيطرة سنة 2007م في 111 صفحة، متضمنا 29 قصيدة، ومصدرا بمقدمة مستفيضة كتبها أستاذ الأجيال بوسلهام المحمدي.

وقد حظي هذا الديوان بحفل توقيع نظمته جمعية الانبعاث بالقصر الكبير يوم 23 / 03 / 2008 بمناسبة اليوم العالمي للشعر، وشارك في تقديمه الأساتذة : محمد أبو الوفاء رحمه الله تعالى، ومحمد الزياني، ومحمد عمر السرغيني، وقام بتسيير اللقاء ذ. محمد المودن.

كما حظي الشاعر وأشعاره باحتفاء من لدن المركز الثقافي الإسباني بالقصر الكبير، واحتفاء آخر نظمته إعدادية علال بن عبد الله يوم 26 / 03 / 2010م. وعرفت بعض أشعاره طريقها للتلحين والغناء من خلال ألبوم غنائي عنوانه "جيل البناء" أصدرته جمعية الانبعاث للتنمية والتربية بالقصر الكبير.

وللأستاذ الطيب ديوان ثان بعنوان "ملح الذاكرة" نأمل أن يرى النور في أقرب وقت ممكن.
وإجمالا فالأستاذ الطيب المحمدي شاعر أصيل، متمكن من أدوات نظم الشعر، وهو من البقية النادرة القادرة على الارتجال، ارتجال الشعر الموزون المقفى في لحظة موحية تحرك المشاعر والأحاسيس، وأُقدرُ أنه لولا عزوف الرجل عن الظهور والانتشار لكان له ولشعره شأن وأي شأن. وإن الناظر في تجربته الشعرية ليحس بالأسف على عدم تحليق هذا الاسم الأدبي في سماء الأدب العربي بالمغرب الأقصى في زمن ترتفع فيه الفقاقيع عاليا في الهواء!!

الإحالات والمراجع المعتمدة:

(1) بوسلهام المحمدي، أدباء ومفكرو القصر الكبير المعاصرون، ص98، مطبعة ألطوبريس، ط 01، 2008م.

(2) الطيب المحمدي، زغاريد مبحوحة، ص 07، مطبعة النجاح الجديدة، ط 01، 2007م.

(3) لقاء شخصي مع الشاعر الطيب المحمدي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى