الاثنين ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم رواء الجصاني

الجواهري ... وبعضٌ مما بعد الرحيل

في صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الف ٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، أُستنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف

من الناس، وخلاصته:-

«الجواهري يرحل إلى الخلود في احدى مشافي

العاصمة السورية دمشق عن عمر يناهز المئة عام»

... يطبق «الموت اللئيم» اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الرؤى والأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم:-

 المتميز بعبقريته التي يخشى أن يجادل بشأنها أحد...
 السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان حزباً بذاته، يخوض المعارك شعراً ومواقف رائدة...
 الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة، بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً: -

أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطار

 وذلك الراحل العظيم نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي والذي "لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر"... ناشر صحف "الرأي العام" و"الجهاد" و"الثبات" ورفيقاتهن الأخريات...

 منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء على مدى عقـود حياته المديدة، مؤمن: " لثورة الفكر تاريخ يحدثنا، بأن ألف مسيح دونها صلبا"

 صـاحب "يوم الشـهيد" و"آمنت بالحسين" و"قلبي لكوردستان" و"الغضب الخلاق" و"الفداء والدم"... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا...

 والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـل طـوال حياتـه باحثاً عن "وشـك معترك أو قرب مشتجر"، كيّ "يطعم النيران باللهب"!...

 مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد "زوربـا" و"المعـري" و"سـجا البحـر" و"أفروديـت" و"أنيتـا" و"لغة الثياب" و"أيها الأرق" وأخواتهن الكثار...

 وهو قبل كل هذا وذاك: " أحب الناس كل الناس، من شبّ ومن شابَ، ومن أظلم كالفحم، ومن أشرق كالماس"..

 كما هو "الفتى الممراح فراج الكروب"، الذي "لم يخل من البهجة دارا"...
 رائدٌ في حب وتقديس من "زُنَّ الحياة" فراح يصوغ الشعر "قلائداً لعقودهنَّ"... و"يقتبس من وليدهن نغم القصيد"..

 وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر حين يستثيره "ميتون على ما استفرغوا جمدوا.."
- وهو لا غيره الذي قال ما قال "ولم يصلّ لغير الشعر من وثن"... فبات الشعراء يقيسون قاماتهم على عمود قامته الشامخ...

 انه وباختصار: ذلكم الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته "يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا"... فهل راحت قصائده - فعلا - "ملؤ فم الزمان"!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيده "سيبقى ويفنى نيزك وشهاب" وهو القائل:

وها هو عنده فلك يدوي.....
وعند منعم قصر مشيد
يموت الخالدون بكل فج ٍ..
ويستعصي على الموت ِ الخلودُ
ترى هل صدق بما قال...
التاريخ وحده من انبأنا
وينبئنا عن الامر،
ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!

... وهكذا تروح المواقف والكتابات والفعاليات تترى لتشي ببعض الوفاء، وتستذكر لماماً من حشد الأرث الوطني والثقافي

للجواهري العظيم:-

 تشييع شعبي ورسمي مهيب في دمشق الشام، ومجلس فاتحة وعزاء يؤمه الآلاف من أبناء الجالية العراقية المعارضة وغيرهم...

 مجلسا فاتحة في بغداد والنجف، يحضرهما الناس والأصدقاء والأحباء، والأهل، برغم محاولة السلطة وأجهزتها تجاهل الحدث الجلل، كمن يحاول ان يغطي الشمس بغربال...

 احتفال واستذكار ثقافي واجتماعي حاشد في بيروت بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الجواهري وبحضور ومشاركة جمع شخصيات اجتماعية وثقافية عراقية ولبنانية... وكذلكم الحال، أو قريب منه، في مدينة السليمانية الكردية، برعاية رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، جلال الطالباني.

... ثم تتوالى هنا، وهناك،المزيد المزيد من النشاطات الاحيائية والاحتفائية:-

 فعاليتان حاشدتان في كل من اربيل والسليمانية، أواخر العام 2000 بمناسبة مئوية الجواهري، وبرعاية رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني: مسعود بارزاني، ورئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني: جلال طالباني، ويرفع خلال الفعاليتين الستار، بالمناسبة، وبحضور عشرات المثقفين العراقيين، والعرب، عن نصبين متماثلين، أتممهما الفنان سليم عبد الله، للجواهري، شاعر العرب الأكبر، وسط كل من المدينتين الكورديتين...

 صدور الطبعة شبه الكاملة لديوان الجواهري، بأناقة وتميز فريدين، بيروت عام 2000 من تصميم وتنفيذ الفنان عباس الكاظم...

 مهرجان ثقافي متميز تقيمه مؤسسة المدى، ورئيسها فخري كريم، في دمشق (2001) وبمشاركة عراقية وسورية وعربية بارزة....

 الاعلان في براغ بتاريخ 17/4/2002 عن انطلاقة نشاط مركز الجواهري، منظمة مدنية، للثقافة والتوثيق، وبحضور مستعربين ومثقفين ورسميين تشيك وعراقيين وعرب عديدين...

... واذ كان كل ذلك غيض من فيض كما يقولون، فثمة العشرات من القصائد والدراسات واللوحات والاعمال الفنية والندوات والاصدارات والمؤلفات عن الجواهري، وذات الصلة به، في الكثير من العواصم العربية والعالمية...

... وفي ربيع العام 2003 ينهار النظام الدكتاتوري في العراق فتنطلق الحناجر والأقلام، والأنشطة الوطنية والفكرية والثقافية. ولابد ان يكون الجواهري حاضراً، بل أول الحاضرين والمشاركين في

الكثير منها: شعراً ومواقف وسجلاً للأحداث، ورمزاً بارزاً للبلاد وأهلها:

 مهرجانات شعرية سنوية باسم الجواهري ينظمها اتحاد الأدباءوالكتاب العراقيين...

 عشرات الكتب والاصدات عن الجواهري، في بغداد وغيرها من مدن العراق...

 اطروحات ورسائل دكتوراه وماجستير عن بعض حياة وتاريخ الجواهري، ورموزيته الوطنية والثقافية، لباحثين ودارسين أكفاء...

 تسمية شارع المكتبات والكتب العريق في النجف باسم الجواهري، الى جانب ندوات واحتفاءات أخرى تشهدهــا مدينة العلم والفكر والشعر ...

... واذ يطول الحصر والتعداد ويعرض ويتشعب، دعونا نوجز فنؤشر نماذج وحسب، لفعاليات أخرى متميزة كما نزعم، وفي

الخارج هذه المرة ومنها:

 احياء مهيب في براغ (2007) لذكرى الجواهري، بمناسبة عشرة أعوام على رحيله.
 خمسون حلقة اسبوعية في صحيفة التآخي الكردية العراقية، طوال عام 1980عن شعر ورؤى ومواقف الجواهري، وجوانب من تاريخه.

 ازاحة الستار عن نصب للجواهري في احدى المؤسسات الجامعية بمدينة "فارونج" الروسية - حزيران 2009.

 جائزة ثقافية في سيدني الأسترالية باسم الجواهري - 2010.

 فيلم وثائقي عن جوانب من حياة الجواهري، ينجزه المخرج المتميز: درويش البوطي عام 2010، لصالح قناة الجزيرة.

 اذاعة اوربا الحرة من براغ تبث خلال عامي 2010-2011 خمساً وثمانين حلقة اسبوعية، بعنوان " ايقاعات ورؤى" عن شاعرالعراق والعرب الاكبر، من اخراج الكوردي البارع: ديار بامرني.

 سباعية تلفزيونية فريدة عن بعض محطات الجواهري التاريخية، تبثها فضائية "السومرية" من اعداد واخراج الاعلامي المبدع: أنور الحمداني -2011.

 محرك البحث العالمي الشهير "غوغل" يضع رسماً للجواهري على صدر صفحته الرئيسية، احياء ليوم مولده، ورحيله - 2011

 ممثلية العراق في جامعة الدول العربية تقيم ندوة في مقرها بالقاهرة، بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد الجواهري - 2011.

 امانة العاصمة العراقية تقرر، أواسط العام2011 أستملاك بيت الجواهري الاول والاخير في بغداد، باعتباره معلماً وطنياً، والعمل على صيانته واعداده متحفاً يضم ما أمكن من تراث ومؤلفات وكتابات الشاعر الخالد.

... ثم أخيراً، وفي آخر هذا الاستعراض الموجز والحافل في آن، نوثق هنا إلى مشروع لنشيد عراقي وطني، وطني، للعراق الجديد، من شعر الجواهري، وفرائده، وقد نُشر منذ نحو ثلاثة أعوام، وراح متداولاً اليوم في الأوساط والهيئات الثقافية والنيابية العراقية، مرشحاً للاعتماد الرسمي، ومطلعه:

سلام على هضبات العراق...
وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال،
وشمِ الجبال تُشيع السنا
سلام على نيرات العصور...
ودار السلام، مدار الدنى..
وختامها مسك كما يقولون...
وكما نريد.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى