الثلاثاء ١٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم عبد الرحمن البيدر

بعض أسباب وعوامل تطور قصيدة النثر

إعتبر بعض النقاد في جلسة خاصة بقصيدة النثر في ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي الذي عقد عام 2007(أن قصيدة النثر من مراحل تطور القصيدة الشعرية العربية فقد عرف الشعر العربي القصيدة العمودية ثم قصيدة التفعيلة والشعر الحر وبعدها كان لابد أن تأتي قصيدة النثر)، فقصيدة النثر بعد أن تحررت من الأوزان قد أصبحت نمطا جديدا له ما يميزه عن أنواع الشعر الأخرى.

لقد احتلت قصيدة النثر حيزا كبيرا في الساحة الادبية عربيا وعالميا بسبب الحراك الذي أحدثته وتنامي الجدل حولها منذ ولادتها إلى يومنا هذا، ولا شك فإن مبعث هذا الجدل قد جاء من ثورتها وتمردها على الأوزان الشعرية، حيث أعلن هذا التمرد ولادة نمط شعري جديد يسعى إلى توظيف التدفقات الشعرية ويطلق العنان للجمل الغزيرة بالشعرية ويحررها من قيود الوزن التي منعت ظهور وبشهادة الكثير من الأدباء نصوصا وجدانية وإنسانية رائعة، وفي مقابل ذلك أجازت نصوصا خالية من الشعرية.

وقد انتشرت قصيدة النثر وقطعت المسافات وتجاوزت الحدود لتقترب من مركز ومحور الشعر بفضل ما لاقته من تجاوب من المتلقي الذي وجد فيها تعبيرا عن هواجسه التي غيب كثيرا منها الشعر الكلاسيكي بسبب المحددات التي فرضها الوزن، فكما تقول سوزان برنار في بعض قصائد النثر (حالة من الوجل النفسي، ناتجة عن جماليات النص، وشفافية المشاعر، وروعة الأسلوب، والنغمية المتولدة في الألفاظ والتراكيب وتلك العلاقات الجديدة التي أبدعها الشاعر بين الألفاظ والتراكيب) ولولا توفر قصيدة النثر على ما يلامس حاجات شعرائها ومتلقيها لما صمدت هذه المدة الطويلة أمام محاولات إقصائها وإزاحتها من ساحة الشعر، كما انه ومن الناحية الفنية فتوفر كل عوامل النظم الشعري في قصيدة النثر (عدى الوزن ) قد جعل تمردها يستهدف الوزن فقط وليس النظم الشعري بشكل عام، وقد عالج رواد قصيدة النثر غياب الوزن في التعويض عنه بجمالية الكلمات والايقاع الداخلي مما ساهم في مساعدة المتلقي على إغفال الوزن والتفلت من ضغوطاته وبالتالي انسيابية القصيدة بتواتر سهل وموسيقى متناغمة مع صور شعرية تلامس الحاجة الوجدانية وتمنح المتلقي أجنحة تساعده على التحليق في فضاء واسع خالي من الحواجز.

ليس من شك في أننا عندما ندافع عن قصيدة النثر كجنس أدبي لا نريد التقليل من مكانة أنواع الشعر الأخرى لان ذلك ببساطة ليس منطقيا، ولكن نحاول دفع من يحاربونها إلى الجنوح لمعطيات واقعية بدأت تسحب منهم الكثير من عوامل نزاعهم معها، فمثلا التغير الحاصل في المناخ الإنساني عموما وتنامي المأساة المجتمعاتية وزيادة المعاناة الإنسانية في أكثر من مكان لأسباب سياسية أو اقتصادية أو بسبب الكوارث الطبيعية قد جعل الحاجة اكبر لتناول هذه المأساة والتعبير عنها بأشكال أخرى غير الأشكال التقليدية السائدة، ومن هنا فإن هذا الحيز الواسع الذي لم يغطيه الشعر التقليدي يستوعب طرق أخرى للتعبير عنه وبذلك وجدت قصيدة النثر في هذا الحيز الإنساني مكانا واهتماما كبيرا حيث تلذذ الناس بمفرداتها وصورها، وبسبب ذلك يشعر الكثير من المهتمين بأن القصيدة العمودية مثلا بدأت تتراجع من حيث الإنتاج الذي يلامس الحاجات الوجدانية للناس مقابل تفاعل كبير مع قصيدة النثر التي تمكنت من إشباع رغبات المتلقي ومحاكاة وجدانه حتى جعلته يشعر في أحيان كثيرة بأنها انتصارا لجرحه وتجسيدا متفردا لمعاناته وهواجسه، وطالما أن الشعر كما يقول الناقد والشاعر منذر عبدالحر (خير معبر عن الهواجس والاحلام والاطلالة الاكثر حرية على القضايا الهامة) فهواجس غالبية المجتمعات ألان تبحث عمن يعبر عنها ويخلدها، وفي ظل الأزمات الإنسانية الحاصلة ألان وتناميها وتضخمها ربما سيكون الشعر يوما ما مثلا لا يستطيع الإلمام والتعبير الحقيقي عنها، فكما يقول الشاعر الدنماركي الكبير أندرسن (عندما تعجز الكلمات عن وصف حجم المأساة، يصمت الشعراء)، وهنا نتساءل: ألا يوجد من المأساة ألان ما يحتاج إلى التعبير عنه بطرق مختلفة؟ وهل إستطاع الشعر التقليدي الإحاطة بكل هواجس الناس في ظل الأزمات المتنامية التي يعيشونها؟ وإذا كان الجواب لا، فلماذا هذه الحرب على قصيدة النثر؟ خاصة وانها وجدت مساحة كبيرة من التفاعل معها ووصل بعض متلقيها حد الإغواء بكلماتها وموسيقاها وصورها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى