الجمعة ١٦ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

رجل إنساني بمواجهة وحوش الرأسمالية

تعلقت عيناي بمشاهدة الفيلم الأجنبي المتقن (مستر ديدز)، والذي قام ببطولته الممثل آدام ساندلر، وجدير بالذكر أن الفيلم أنتج عام 2002، وتسرد قصة الفيلم رجلا بسيطا، كان يعيش في إحدى القرى النائية، فيأتيه نبأ وفاة أحد أقربائه (خال والدته) وكان مليارديرا، ليرث عنه أربعين مليارا، ويظهر الفيلم مدى استغلال رجال المال والاقتصاد وحرصهم على الربح الوفير وتحقيق المصالح الشخصية، والتضحية بكل القيم الإنسانية والتركيز فقط على المال وجني الأرباح.

فيدخل (مستر ديدز) ضمن هذه المعادلة التي لا تروقه عندما يذهب إلى نيويورك، ويرى أنها لا تناسبه، فهو رجل بسيط إلى حد السذاجة أحيانا، يتمتع بحس إنساني عالٍ، بالإضافة إلى أنه شجاع ومغامر، لا تهمه المظاهر، وبأنه أصبح أغنى أغنياء مدينة نيويورك، فيتصرف على طبيعته، فيساعد كل من احتاج للمساعدة، بدءا من تلك الفتاة التي قامت بهذا الدور (وينونا رايدر)، والتي مثلت دور المعتدى عليها بحادث سرقة متعمد، ليقوم (مستر ديدز) بمساعدتها، وقد غيرت اسمها من (بايب) إلى (بام دوسن)، وبأنها ممرضة أطفال تعمل في مدرسة، لنفذ خطتها في معرفة أسرار هذا القادم إلى عالم الشهرة والمال، لتحقيق سبقا صحفيا بمتابعة أخباره عن كثب.

وتنجح خطتها في ذلك، وأصبحت تقابله، ولكنها كانت في حقيقة أمرها تستغله، وتوظفه لمصالحها؛ كونها صحفية فتذيع أخباره وتصرفاته بالصوت والصورة في المحطة التلفزيونية التي تعمل بها، حتى إذا ما جاء الوقت ليعرض عليها الارتباط به، يكتشف حقيقة أمرها، فيقرر ترك المدينة، والتنازل عن الأربعين مليارا لصالح (صندوق اتحاد السود) في نيويورك، وهكذا كان، فيحمل حقيبته ويتوجه راجعا لبلدته الباردة، ويستأنف مساعدة الآخرين من أهل بلدته البسطاء.

إن حسه الإنساني وعلى الرغم من اكتشافه أمر تلك الفتاة إلا إنه يقدم لها المساعدة عندما وقعت في جرف مائي في بلدته، وقد أتت لتبحث عنه وتعتذر، وكاد التيار يسحبها ويغرقها، فيبادر لمساعدتها وإنقاذها، ولأنه إنسان، لم تسمح له كرامته الإنسانية أن يسامحها، وقد فعلت به ما فعلت، فتعود إلى (نيويورك) وكلها ألم من أنها خسرت إنسانا رائعا، كان يجدر بها أن تتمسك به، لأنه مختلف بتميّز في ظل غول العولمة وسيطرة القيم المادية الطاغية.
وليس هذا هو الموقف الوحيد الذي يتصرف فيه (مستر ديدز)) بإنسانيته الطيبة، فقد تدخل من أجل مساعدة من وقع تحت طائلة الحريق، ويقرر تقديم المساعدة في لحظات ودون تردد عندما شاهد سيارات الإطفاء متوجهة إلى مكان ما، فيتسلق المبنى المرتفع لينقذ السيدة العجوز وقططها السبعة، وهو في كل ذلك لا تهمه نزعة البطولة أو ألقابها، وإنما كل ما يعنيه أن هناك من يحتاج إلى مساعدة.

وقد برزت إنسانية (مستر ديدز) في كتابته لبطاقات المعايدة، حيث يكتب بلغة عاطفية شفافة تفيض رقة وعذوبة، ولعل أنجح تلك البطاقات تلك البطاقة التي كتبها لهذه الفتاة عندما رافقها إلى المطعم ذات مساء، فتنتشر هذه البطاقة، ليقرأها كل حبيبين بتلقائية وعفوية، فهي تعبر بكلماتها عن إنسانية مفعمة بحب نظيف مقابل عالم تلفه أرجاس المادة في عالم رأسمالي متوحش.

وتدفعه إنسانيته العميقة وإحساسه بمشاعر الناس بتقديم هدية مقدارها (20) ألف دولار لاثنين يحتفلان في المطعم بمناسبة تخصهما، وعلى الرغم من عدم معرفته بهما إلا أنه لم يسع إلى إبراز نفسه والتبجح أمام الحاضرين بتلك الهدية المجزية، ولفت نظرهم إلى فعله؛ لأنه لا يحب المظاهر الخادعة أو جرح مشاعر الناس مهما كان الثمن.

ويكون بالمقابل تفسير الناس لتصرفات (مستر ديدز)، فيطلقون عليه شتى الألقاب والصفات، ولكن لا يعنيه أيضا ذلك، إنه ليس معنيا برجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، بل كل ما يعنيه أنه إنسان ذو مشاعر إنسانية فياضة، كشف عنها عندما وصلته أنباء تفكيك مجموعة شركاته التي ورثها عن قريبه، ليخطب في المستثمرين وأصحاب الأسهم بحديث إنساني مؤثر، فيدفعهم للحديث عن آمالهم وأحلامهم وفشلهم في تحقيقها، وعندما فشلوا في تحقيقها توجهوا ليكونوا مستغلين للناس وحاجاتهم، ويكشف عن مدى تحجر إنسانيتهم في تضحيتهم بـ (50) ألف موظف سيفقدون أعمالهم، نتيجة تفكك تلك الشركات، وبيعها في المزاد العلني، لينجح (مستر ديدز) في نهاية المطاف وبمساعدة تلك الفتاة بالكشف عن الحقيقة الكاملة، ليعود الحق إلى أصحابه، ويظل العاملون في وظائفهم، وينتهي الأمر بطرد مجموعة المتنفذين في تلك الشركات، ويفوز هو بإنسانية مطلقة بحب إنساني عام تجذر في قلب تلك الفتاة التي اعتذرت له عن قبيح فعلها، ولتقول له: "إنها فخورة بحبها له"

ما أحوج بني الإنسان إلى شخصية (مستر ديدز) بإنسانيته الطازجة! لتعيد إلى البشر توازنا فقدوه في ظل الجريان خلف قيم مادية قضت على مشاعر الحب والجمال والحق والخير في نفوسنا، وقد زاد من حب تعلقنا بهذه الشخصية تلك الكوميدية الظريفة التي اتسم بها آدام ساندلر في هذا العمل الإبداعي الإنساني المتميز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى