الثلاثاء ٢٧ آذار (مارس) ٢٠١٢
غلاب واليازغي يزاحمان الرباح
بقلم حميد طولست

على دور بطولة محاربة الفساد!

تناقلت الكثير من وسائل الإعلام الوطنية الورقية منها والإلكترونية، امتعاض السيد كريم غلاب وزير التجهيز والنقل في الحكومة السابقة، خلال أحد اجتماعات اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، حيث عبر في مداخلة له عن انزعاجه من التوظيف السياسي للائحة الكريمات الخاصة بالنقل من طرف الوزير الحالي عزيز الرباح معتبرا أنها مجرد مزايدات وإشهار سياسي لفائدة حزبه العدالة والتنمية، مؤكد أن السبق كل السبق كان له في إعداد هذه اللائحة موازاة مع إعداد مشروع قانون يتمحور حول إجبارية الترخيص بطلبات العروض ودفاتر التحملات وغيره من القوانين التي تهم القطاع، أحيلت جميعها والتي خلال فترة ولايته على راس قطاع التجهيز والنقل، على الأمانة العامة لحكومة عباس الفاسي، لكنها لم تتجاوز هذا المستوى.

فعلا هي ضربة موجعة وإحراج واغتيال لمستقبل السيد كريم غلاب السياسي وقضم لجزء كبير من شعبيته، حيث وجد نفسه مغلوبا أمام جرأة وشجاعة خلفه عبد العزيز الرباح على نشر أسماء المستفيدين من رخص النقل، سواء أعدها هو أم وجدها معدة، لن الإقدام على مثل هذه البادرة غير المسبوقة، يعد شجاعة يستحق صاحبها الشكر والتنويه- رغم أنها واجب من واجباته الحتمية- وانها من باب الاستمرارية المطلوبة في تقدم الأعمال ونجاحها، ومبدأ من مبادئ الشفافية في التعامل مع الشأن العام، وعدم السكوت عن مظاهر الفساد ومحاربته الذي دعت إليها مرارا الكثير من التغطيات الملكية السامية المؤكدة على ضرورة تأهيل الاقتصاد الوطني وتطوير تنافسيته من خلال استقطاب الاستثمار المنتج عبر توفير مناخ ملائم للمنافسة الشريفة وحرية المبادرة وتكافؤ الفرص وعلى الخصوص التصدي لاقتصاد الريع والامتيازات وكل ما يتنافى مع هذه المبادئ.

وأيا كانت القراءات بشأن ذاك الانزعاج وما صاحبه من تصريحات التي نسوق منها ما ورد في يومية "الصباح"، على سبيل المثال لا الحصر، حيث قال السيد غلاب بأنه هو من وضع لائحة لكريمات قبل مغادرته الوزارة، وأنها كانت مُعدّة في عهده، وأنه كان يعتزم نشرها بموازاة مع طرح مشروع قانون يتعلق بإجبارية الترخيص بطالبات العروض ودفاتر التحملات على البرلمان، ونورد بعده تعليقا ظريفا بثته يومية "أخبار اليوم" تحت عنوان "غلاب يزاحم الرباح على دور البطولة"، تم مردفهما، وفي إطار هذا التنافس على البطولة قال السيد محمد اليازغي الكاتب الأول السابق لحزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض الآن والذي سبق أن تقلد عدة مناصب وزارية منذ عام 1998، وحتى 2011، وشغب في الحكومة السابقة منصب وزير بدون حقيبة، إن لائحة رخص النقل "لاكريمات" التي نشرتها حكومة عبد الإله بنكيران، حصرتها الحكومة السابقة أي حكومة عباس الفاسي التي كان ينتمي إليها اليازغي، مضيفا بأن الإعلان عنها كان مجرد مسألة وقت.

ورغم اعتراف وزير النقل والتجهيز السيد عبد العزيز الرباح في برنامج "ملف للنقاش" الذي بثته قناة "ميدي 1" مساء يوم الأحد 11 مارس، أن لائحة المستفيدين من لكريمات كانت معدة مسبقا من طرف الحكومة السابقة وأن مسألة الكشف عنها ارتبطت بالوقت، وإجلاء للغموض ودفعا لكل لبس، جرني الفضول الصحفي إلى البحت عن المسار الذي عرفته هذه لوائح رخص الريع التي أثارت كل هذا الجدل وهذا اللغط. ولذلك عمدت إلى العودة إلى Haut du formulaireتاريخ وزارة التجهيز والنقل الذي يعود إلى فجر الاستقلال حيث كانت وزارة التجهيز والنقل حاليا، تسمى أنداك "وزارة الأشغال والمواصلات" وكان يشتغل ضمن مسؤوليها موظفون سامون فرنسيون هم من أعدوا جل القوانين والمراسيم والقرارات والمذكرات التطبيقية التي تسير عليها..وفي سنة 1977 تأسست وزارة النقل وعهد إليها بإعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في النقل بجميع أنماطه البحرية، والجوية، والسككية، والطرقية.

ورجوعا إلى قائمة رخص النقل التي كشف عنها مؤخرا الوزير الجديد السيد الرباح، يتبين منها هذه الرخص كانت تمنح مباشرة بناء على تعليمات فوقية، ابتداء من أول رخصة منحت في تاريخ هذا الريع والحاملة لرقم(v1)، إلى أن تم إحداث اللجنة التقنية للنقل التي يترأسها الكاتب العام للوزارة والتي من بين اختصاصاتها تدبير ملفات رخص النقل العمومي للمسافرين وتمديد خطوطها وتغيير مساراتها، بطريقة تقليدية أي بتسجيلها كل ما يتعلق بقوائم الرخص التي يحتفظ بها مدير النقل البري سابقا، تم مدير النقل الطرقي ابتداء من سنة 1996 بعد تقسيم مديرية النقل البري (DTT) إلى مديريتين: مديرية النقل الطرقي، ومديرية سلامة النقل الطرقي التي أحدثت للتصدي لمعضلة حوادث السير، وخصصت لها ميزانية ذات تدبير مستقل(SEGMA) لتمكينها من الموارد المالية الضرورية لذلك،

والتي بدأت انطلاقا من سنة 1996 بإبرام أول صفقة لاقتناء الحواسب والأنظمة المعلوماتية لوزارة النقل، ما مكن الوزارة من إعداد قواعد وبنوك معلومات تتعلق بجميع الملفات التي تم تدبيرها في الوزارة بما يتعلق منها بالخدمات المقدمة للمواطنين، ومن بينها رخص النقل العمومي للمسافرين، ورخص مدارس تعليم السياقة، ورخص مراكز الفحص التقني، ورخص النقل المزدوج، وغيرها من الرخص التي تتدخل فيها وزارة التجهيز والنقل، ويبقى أخطر بنك معلومات خاص بالرخص، وأكثرها حساسية، ذلك الذي يتعلق بمواقيت استغلال الرخص التي تحدد القيمة الحقيقية للرخصة، هذه المعلومات الخطيرة، منحت اختصاصات تحديدها للمندوبين الجهويين والإقليميين لقطاع النقل في إطار تنفيذ سياسة اللامركزية الإدارية؛ إلا أنه ومند تعيين السيد كريم غلاب على رأس وزارة التجهيز والنقل، استرجعت الوزارة وفي ظروف غامضة هذا الاختصاص وعهد به إلى مديرية النقل الطرقي والسلامة الطرقية، ابتداء من 25 غشت 2008، وأخضعت لرئاستها اللجنة التقنية للنقل، ما يتعارض في حالة تناف بين مع قرار وزير الأشغال العمومية والمواصلات الذي يحدد سير وأعمال واختصاصات هذه اللجنة، ولم يكتفي بحالة التنافي البينة هته، بل راكمت نفس المديرية حالات التنافي الفاضحة، حين كلفت بمهام تدبير الموارد البشرية لقطاع النقل، مع توفر الوزارة على مديرية للموارد البشرية (DRH)، وعلاوة على ذلك انتقلت موارد الميزانية (SEGMA) من 5 مليارات 1996 إلى حوالي 120 مليار من الأموال المحصل عليها من رفع رسوم رخص السياقة والبطاقة الرمادية، ليتم صرفها في صفقات اقتناء الرادارات الثابتة والمتحركة -التي أثارت الكثير من الجدل حول تقادمها وعدم مسايرتها لمواصفات وشروط مدونة السير- وشراء آلات قياس حمولات الشاحنات، ونظام (BOX) الخاص بامتحانات رخص السياقة، واقتناء سيارات الخدمة voitures de service وعلى الخصوص ذات الدفع الرباعي المنتشرة في مرافق الوزارة عبر ربوع المملكة.

وعودة مرة أخرى إلى موضوع قائمة رخص النقل التي سؤل مرة الوزير السابق عن إمكانية نشرها كان جوابه بأنها من أسرار الدولة، فهي كانت معدة ومحفوظة ضمن بنك المعلومات الذي تتوفر عليه الوزارة، قبل السيد غلاب، وكما يقال "ما كيديها غير زعيم أو كريم أو مرضي الوليدين"، وأظن أن الخصال الثلاثة اجتمعت كلها في شخص السيد الرباح زد على ذلك حبه لهذا الوطن وتصميمه ومن معه على القضاء على سياسة الريع المحبطة للعزائم والمثبطة للقرائح والمميتة للإبداع...

الله وحده يعلم أني لا أريد، بمقالتي المتواضعة هته، شماتة من أحد، ولا أريد إلا إثارة انتباه مسؤولي وزير التجهيز والنقل إلى شيئين أساسيين، أولهما التنبيه إلى عواقب إمكانية تغاضي وزارة النقل والتجهيز عن التوقف عن المضي في مسلسل الكشف عن المستفيدين من الرخص والامتيازات وعلى رأسها مقالع الرمال كما فعلا مع لوائح المستفيدين من رخص النقل وذلك لإرضاء بعض شركائهم في الحكومة، وبدعوى -حسب التفسير المقدم من طرف مصادر من الوزارة- أن هذه اللوائح تنقصها الكثير من المعطيات المتعلقة بالمساحات المستغلة في مقالع الرمال المتواجدة في الملك الغابوي أو في الأراضي السلالية، إلى جانب تدخل أكثر من جهة حكومية في منح هذه الرخص. وثانيهما أن لوائح رخص مقالع الرمال والحجارة، ولوائح رخص الصيد في أعالي البحار، وغيرها من لوائح الرخص الأخرى الكثيرة التي تتدخل وزارة التجهيز والنقل في منحها، لا تختلف عن لائحة النقل، و ينطبق عليها ما جرى على باقي اللوائح الأخرى والموزعة بين الترخيص الصريح الممنوح من وزارة النقل، والذي اقتصر في الآونة الأخيرة على شركات جرف الرمال، وبين ما تسمله منذوبيات الوزارة لمستغلي المقالع الخواص والذي لا يتجاوز "وصل بتصريح" مسلم أيضا من مصالح وزارة التجهيز، المعدة والمحفوظة في بنوك المعلومات التي تتوفر عليها الوزارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى