الأربعاء ٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم حسين أبو سعود

حسبنا المتن دون السند

لا يختلف اثنان على ان الاسلام دين يسر وليس دين عسر، وان الله يريد بعباده يسرا ولا يريد بهم عسرا، وان الرسول الاكرم (ص) ما خُيّر بين امرين الا واختار ايسرهما، ولكن العلماء الحرفيون قد صعبوا الدين وجعلوه حكرا على الخاصة، باعتباره امرا صعبا مستصعبا، وصار العامي المأمور شرعا بطلب العلم من المهد الى اللحد وبطلبه ولو بالصين يتهيب الاقتراب من اسوار الدين وان يقول فيه كلمة قد تهوي به سبعين خريفا في النار ويكتفي بالتقليد الاعمى أوالمبصر والتقليد المبصر مصطلح جديد لا نخال احدا سبقنا اليه هو تقليد محمود يحتاجه العالم والمتعلم، يلجأ به غير العارفين الى العارفين لمعرفة امور دينهم ودنياهم اذ ان فوق كل ذي علم عليم.

لا يخفى على المطلعين بان المسلمين اضاعوا وقتهم الثمين في ادبيات لا طائل منها البته وان 50 % من عطائهم الفكري يصب في فراغ المذهبية ومتاهات التعصب وظلمات الجدال، ونصف الباقي يصب في كتابات مكررة في الحديث والتفسير والسيرة أولعوا بكتابة المطولات وتكرار شرح المشروح مما حدا بالبعض الى اختصار هذه المطولات، فشخص يكتب مختصر المعاني والاخر يضع له شرحا في المطول ثم يشرحه الثالث في الاطول ويأتي آخر ليكتب المفصل في شرح الاطول وهكذا دواليك حتى امتلأت مكتباتنا بالمكررات والمطولات التي قد لا يقراها احد، وبعضها مازالت تقبع في خانة المخطوطات، وقد حدثني احد الثقاة بان هناك عشرات الالاف من الكتب المخطوطة في الحديث والتفسير في مكتبات مكة والمدينة ويقابل ذلك اعدادا مماثلة في مكتبات القاهرة وقم والنجف وغيرها، وقد شاهدت بأم عيني في احد متاحف الدول الاسلامية الاف المخطوطات في غرفة حديدية مغلقة تحت الارض تشبه السجون تنفق مبالغ طائلة من قوت لشعب للحفاظ عليها في الظلام.

وفيما يخص موضوع المقال اقول : لقد وجدت بان الحديث يستمد قوته من المتن دون السند، اذ لا ينفع السند اذا كان المتن مهزوزا، ولعل القول بان الحديث يعتمد على المتن والسند معا هو قول متكلف، والا فان الشيعة مثلا يعتمدون في احاديثهم كثيرا على المراسيل وتساهلهم في ادلة السنن دليل على ذلك، ورواية الحديث عن الامام المعصوم يُغني عن رفعه الى الرسول الاكرم (ص) وهذا ما جعل البعض يتهمهم بعدم امتلاك علم الجرح والتعديل وتوثيق الرجال، او انه علم جديد طرأ عندهم بعد ظهور المدرستين الاصولية والاخبارية، وقد بنى البعض انطباعه هذا على طبيعة كتاب بحار الانوار للمجلسي وهو احد الكتب الحديثية الكبرى للطائفة.
وعلى الطرف الاخر نجد ان علماء الفن لدى اهل السنة والجماعة لم يسلموا من القيل والقال فيما يخص الرجال بعد توسعهم ووضعهم قواعد للجرح والتعديل اذ من يوثقه الذهبي قد لا يكون ثقة عند آخرين وقول : وثقه ابن حبان او فلان لا يوجب القطع لأن هؤلاء رجال لهم أهواء وانتماءات واساتذة أخذوا منهم وأملوا عليهم وتأثروا بهم وبالبيئة المحيطة بهم، ثم انهم يأخذون بالمراسيل في بعض الاحيان ويعتمدون على خبر الاحاد ايضا.

وقول الامام الشافعي: (رأينا هذا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب) يسري على علماء الرجال الذين يوثقون ويضعفون الرواة وما وجدت احدا من هؤلاء الزم الاخرين بتوثيقه لرجل ما او تضعيفه اياه لان ذلك ليس من حقه البته وعليهم ينطبق مقولة الامام ابو حنيفة النعمان : (رأينا هذا رأي فمن جاءنا بافضل منه قبلناه) اذن فالسند والبحث فيه يقترب من الترف الفكري اكثر والا فكتاب الله هو الاكثر ضبطا سواء في المتن او السند غير انه لم يسلم من تعدد القراءات، مع ان القراءة التي نزل بها الوحي الامين هي واحدة لا محالة، بل وهناك اقوال لم تشتهر بالتحريف لدى الفريقين، وقد تكون هذه الاقوال اشنع لدى الفرقاء الاخرين لم نطلع عليها أقصد ارباب المذاهب ولكن ماضر القران ان يُتلى بلا سند وقد تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان.

وفيما يخص الحديث كيف نفعل مع راوية يوثقه اناس ويضعفه اناس اخرون وقد يكون الرجل من نفس المذهب ومع ذلك فهو موضع خلاف فضلا عن الاتهام بالرفض والغلو من جانب واتهام بالنصب ومعاداة اهل البيت من جانب آخر.

ومهما يكن من امر فالوضاع اذكياء وقد يختارون لاسناد موضوعاتهم المغمور من الرجال لصعوبة تتبعه او المشهور منهم لسهوله تصديقه، وان ادعاء السند والكذب فيه ليس صعبا، والظريف ان علماء هذا الزمن ينظرون في احوال رجال مرت عليهم الف سنة او يزيد فيكذبون الروايات الكبرى بسبب السند، حتى سمعنا احد المعاصرين يقول بعدم وجود ابي بكر الصديق مع الرسول (ص) في الغار.

واجد من المناسب في هذا المقام ان اذكر مثالا معاصرا لعالمين اشتهرا بمعرفتهما بالرجال وهما السيد المرعشي النجفي والسيد الخوئي رحمهما الله وقد كتب كلاهما في هذا المجال وكان استاذي يقول في ذلك :هل يتطابق ماكتب الاثنان؟ واذا تطابق ما كتباه فهذا يعني انهما كررا معلوماتهما، وان اختلفت اراءهما فان ذلك يضع الامة في مشكل جديد والحالتان لا تخلوان وفيهما نظر،واذا تصدى طالب علم للحديث فاي الاراء يتبع؟

وقد تلقت الامة توجيهات وجيهة بشان معرفة الحديث بعرضه على كتاب الله فان وافق فيؤخذ والا يُضرب به عرض الحائط مع توثق رجال سنده، واسناد الكلام الى الناس أمر خطير الا انه سهل يسير بالاعتماد على التلفيق و التزوير.

وارجو ان لا يُفهم من مقالي شيئا سوى الدعوة المخلصة لتوحيد الحديث بين الفرق الاسلامية، وعدم جعله عرضة للاهواء السياسية، وعلى الفريقين ان ياخذوا من بعضهما البعض، ولا شئ هناك يمنع الشيعة من الاخذ باحاديث ابي هريرة مثلا اذا كان الحديث يتعلق بالاخلاقيات والسنن ولا يتعلق بالامامة والسياسة والخلافة.

على اني لا ادعوا الى تبني اسلوب الاخباريين والحشويين في قبول الحديث فاولئك قوم يخلطون ونحن ندعو الى الاستغناء عن السند وعرض المتن على كتاب الله والاخذ به ان وافق والاستغناء عنه ان خالف، وهناك الكثير من الاحاديث يمكن الاستغناء عنها ونستطيع العيش بدونها ولعل ما ادعو اليه سيفضي الى تعايش افضل بين السنة والشيعة وبين المسلمين اجمع ولكي لا يصبح الدين صناعة وامتهان.

وخلاصة القول ان المتن دون السند مجزي وحسبنا المتن دون السند لا سيما ان السند ليس ضمانا اكيدا لصحة الحديث والبحث فيه مضيعة للوقت والجهد والمال بل ويجرنا الى خلافات جديدة اخرى يمكن الاستغناء عنها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ امتنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى