الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٢

تأملات في ديوان «مرثية البوح الأخير»

رشيد الجلولي

كما هو شأن كل مرثية، تتشكل مستويات الخطاب فيها على أرضية الألم وانسداد الأفق، والغرق في الوعي اليتيم بانقطاع الجذور والعيش في الزمن الأخير، حيث لا سبيل للخلاص سوى بالإرتماء في أحضان البوح المشرق تارة، والقاتم في أغلب الأحيان، أي بانحباس أنفاس الصوت الشعري بين أرض الغربة "بمحاذاة الغرباء"، وسماء "مرثية الرماد الأخير"، هكذا الحال في الأفق الشعري في ديوان "مرثية البوح الأخير" للشاعر أنس الفيلالي.

هذه الذات الشعرية الحائرة، المرتبطة بشكل أو بآخر، وعلى عدة أصعدة قد تكون صلبة أو واهية، بهذا الشاب المسمى أنس الفيلالي، المولود سنة 1986 بمدينة القصر الكبير، بكل ما تحمله هذه الحقائق من إحالات لاذعة على واقع الضياع، في اللغة والحياة، في الشعر والمدينة، في الإبداع، ومن الشباب وهو يتلمس خطاه عبر مكونات الذات العربية الوعرة، التواقة إلى ألف بيع عربي لرفع لبس الدم والمراثي القابعة في لاوعي الأجيال الناشئة؛ والقصيدة المحملة طوعا أو كرها برائحة القتامة، المضمخة بعطور كراهية ومعاداة مرجعيات الحياة المعادية للتطلعات المشروعة، هي قصيدة قد تقود، مثل منطق الموت نفسه، من حلقة ألم دنيا إلى حلقات الألم العليا، حيث تنتصب بوابة "الجنون" التي يقول فيها الشاعر:

يسافر في الجنون قمر بعيد
قريبا في الشرود
وذئب يستبيح الخطى.

لكن المهم في هذا كله، هو أن هذه المرثية الطويلة، هذا الفصل من العمر، هذا الديوان، هذا الصوت الإبداعي والثقافي واللساني الراكد كنهر اليأس العربي، هذه المرثية الطويلة السوداوية البوح، لا تلبث أن تحول قهرها الخاص، وجرحها المندمل على تطلعات الفرد والأمة، إلى احتفاء بزمن الهزيمة والإندحار، فالذات الشعرية تقف على مفترق الطرق المؤدية جميعها الى الظلام والموت والخطر، وتتسلل عبر شقوق اليأس، لتصاحب وتحب هذا الخطر نفسه، لعل هذا العشق الغريب والمقلوب يلقي بصوت الشاعر إلى أرض الخلاص. ففي قصيدته "شرفة"، بما تحيل عليه هذه الكلمة من رحابة وانفتاح، يقول الشاعر:

ننساب والليل
ونطل على اللاشيء
في أول المعابر

فالجديد إذن، هو أن صوت الشاعر، وبدل أن يسلك طريق الخلاص في لغة ومستويات شعرية مضاءة بآمال واهمة، يختار أن يجعل من الكي دواء، لذلك فالمستوى التركيبي والدلالي والمعجمي والصوتي، مفعمة جميعها بمعانقة الجرح وانتظار إلى أين سيقود هذا الألم، إنه صوت الشعر الشبابي، يبحث عن ذاته ويتحدى صرح التقاليد السياسية والمؤسساتية والثقافية، التي تعمل ليل نهار على إعاقة ولادته السليمة.

رشيد الجلولي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى