السبت ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
حائط البراق بين
بقلم ناهض زقوت

الحق الإسلامي والادعاء اليهودي

القدس سكنها الكنعانيون وأحفادهم الفلسطينيون منذ أقدم العصور، حيث أقاموا فيها حضارة مزدهرة. وقد كانت فلسطين قبل أن يكون ثمة ذكر في التاريخ لليهود لعشرات القرون، ومأهولة بشعوب عربية تنحدر من العمالقة ومن الشعب الكنعاني. جاء في التوراة على لسان الجواسيس الذين أرسلهم موسى عليه السلام للتجسس على أرض كنعان تمهيدا لدخولها، فقالوا له: "إن الشعب الساكن في الأرض معتز والمدن عظيمة جدا، وقد رأينا بني عناق هناك: العمالقة ساكنون في أرض الجنوب، والحثيون واليبوسيون والاموريون ساكنون في الجبل، والكنعانيون ساكنون عند البحر وعلى جانب الأردن، أن فيها أناسا طوال القامة، والجبابرة بني عناق، فكانوا في أعيننا كالجراد". وهذا ما يؤكد وجود الشعب الكنعاني الفلسطيني فيها قبل أن تطأ أقدام اليهود أرض فلسطين.

هذا ما قاله الكاتب والباحث ناهض زقوت مدير عام المركز القومي للدراسات والتوثيق، في مقدمة كتابه الجديد "حائط البراق بين الحق الإسلامي والادعاء اليهودي: دراسة تاريخية قانونية في تهويد المكان"، والذي صدر عن مؤسسة القدس الدولية في فلسطين.

ويضيف الباحث، لقد حاول اليهود، بناء على ما تقوله توراتهم، إيجاد حق تاريخي وديني لهم في القدس، من خلال الادعاء بأن حائط البراق يمثل جداراً في هيكل سليمان المدفون تحت المسجد الأقصى، إلا أن شواهد التاريخ وعلماء الآثار أثبتوا زيف ادعاءاتهم، حيث لم يثبت لهم، رغم كل الحفريات المتواصلة منذ عام 1968 وحتى اليوم، عن وجود أي أثر يهودي في محيط المسجد الأقصى أو الحرم القدسي الشريف، بل في كل أرض فلسطين لم يثبت لهم آثار.
وهذا يدل على أن وجود اليهود في أرض فلسطين لم يكن إلا وجود غزاة وتاريخهم تاريخ غزاة، مثلهم مثل كل الغزاة الذين احتلوا فلسطين/ القدس، لهذا لم يبنوا حضارة أو يشيدوا عمارة، بل عاشوا على القنص والحروب والفتن الداخلية بينهم، كما تقول ذلك توراتهم.

ويشير الباحث إلى محاولات اليهود للاستيلاء على حائط البراق وإدخال المواد الدينية الخاصة بهم إلى ساحته في عام 1929، إلا أن الحراك الشعبي والسياسي الذي واكب هذه الإجراءات اليهودية، وقيام ثورة عارمة شملت عموم فلسطين ضد الإجراء اليهودي، جعل من هذا الحراك الشعبي والسياسي علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني، إذ تمكنت الثورة من إبراز الحق الديني والتاريخي للعرب المسلمين في حائط البراق، حيث فرضت على حكومة الانتداب البريطاني إرسال لجنة تحقيق في أسباب الثورة وتداعياتها السياسية والدينية، وركزت لجنة التحقيق على مسألة حائط البراق. وقدم العرب المسلمون مسوغاتهم القانونية في إثبات ملكيتهم لحائط البراق بل للجدار الغربي للحرم الشريف كله، في حين قدم اليهود مسوغاتهم التاريخية المستندة إلى التوراة، فلم تصمد أمام الأدلة الدامغة التي قدمها العرب المسلمون، مما جعل اللجنة الدولية تؤكد في تقريرها الصادر في عام 1930، بأن "حائط البراق هو ملك للمسلمين وليس لليهود". هذه الوثيقة التاريخية القانونية، على أهميتها، فقد أهملتها كتب التاريخ ولجان التفاوض حول القدس، بل كثير من الكتب التاريخية والإعلامية تطلق على حائط البراق اسم "حائط المبكى"، كأنهم سلموا بأحقية اليهود في المكان، ولم يعلموا بأن مجرد إطلاق هذا الاسم يعني تهويد المكان ونفي عروبته وإسلاميته، بل أكثر من ذلك، يصل إلى حد التحريم.

ويؤكد الباحث زقوت، أن اليهود عاشوا سنوات حياتهم يحلمون بالقدس، وكان يمكن عدم تحقيق حلمهم، إلا أن المؤامرة الدولية التي قادتها بريطانيا ساهمت في تحقيق حلمهم ووصولهم إلى القدس. فبعد أن احتلت القوات البريطانية فلسطين/ القدس في عام 1917، عملت منذ الأيام الأولى لاحتلالها على تهيئة الأرض الفلسطينية لإقامة الوطن اليهودي، كما وعدهم وزير خارجيتها "آرثر بلفور" في وعده المشئوم، وتحقق المراد في عام 1948.

وعن الهدف من الكتاب يقول الباحث: إن إسرائيل لم تملك الحق القانوني أو الحق التاريخي في حائط البراق، إذن كيف ستجير تلك الحقوق لنفسها؟ ستكون من خلال فرض الأمر الواقع وتهويد المكان. لهذا علينا أن نضع وثيقة اللجنة الملكية عام 1930، وكل الحقائق القانونية والتاريخية أمام المفاوض الفلسطيني، لكي يعرف الحقيقة أولا، ولكي يطالب بالحق المثبت تاريخيا وقانونيا ولا يتنازل عنه ثانيا، تحت أية ظروف، ويتمسك بأن الجدار الغربي للحرم الشريف هو حائط البراق المرتبط بحادثة الإسراء والمعراج، وبالتالي هو مكان مقدس وأثر تاريخي وديني للمسلمين.

ويتناول هذا الكتاب الهام بالتفصيل قضية حائط البراق من جانبيها التاريخي والقانوني، معتمدا على المنهج التاريخي التحليلي، ويستعرض في الجانب التاريخي: حائط البراق والهيكل المزعوم ونقض ادعاءات التوراة، وموقف الحكومتين العثمانية والبريطانية من ادعاءات اليهود في حائط البراق، والإجراءات الإسرائيلية لتهويد المكان. أما في الجانب القانوني: فيركز على تقرير اللجنة الملكية عام 1930، وموقف المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) من التغيرات الإسرائيلية لمعالم القدس بما فيها حائط البراق، وموقف علماء الآثار والباحثين من الحق اليهودي في القدس وحائط البراق. وفي القسم الثالث من الكتاب نجد نص الوثيقة الدولية وهي تقرير اللجنة الملكية البريطانية التي تشكلت في العام 1930 لبحث مسألة الخلاف حول حائط البراق، وقد أقرت هذه اللجنة بان حائط البراق هو ملك عام للمسلمين وليس لليهود أي ارتباط به.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى