الثلاثاء ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
الشاعر الشعبي الفلسطيني
بقلم شاكر فريد حسن

توفيق الريناوي في ذكراه

لا خير في شعب لا يكرم عظماءه ومبدعيه، ونحن شعب نعترف بالجميل لكل المبدعين والمنتجين الذين ساهموا في نهضة شعبنا الحضارية، ورحلوا عن عالمنا بعد ان تركوا بصمات واضحة على صيرورة مجتمعنا وفي سفر نضالنا وكفاحنا من اجل المستقبل السعيد والجميل، فنستحضر ذكراهم، ونعدد مناقبهم، ونذكر ادق التفاصيل من حسناتهم، ونتعلم من تجاربهم، ونذوت افكارهم وابداعاتهم بين اجيالنا الناشئة والقادمة.

وفي هذه الايام تحل ذكرى وفاة الشاعر الشعبي الفلسطيني توفيق الريناوي (ابو الامين) الذي قال الشعر قبل النكبة وبعدها، وانشد في الاعراس والمناسبات الوطنية، وملأ سماء بيادرنا بالزغاريد والهتافات والاهازيج، وبالنشوة والفرح، ورفع الشعر الشعبي المحكي الى مستوى رفيع وراق، وترك وراءه تراثاً غنياً جمعه ابنه محمد ريناوي في كتاب قبل سنوات خلت.
ولد ابو الامين سنة 1910 في قرية الرينة الجليلية لعائلة كادحة وفقيرة، ارتبط بالحركة الوطنية القومية وذاق ظلم وقهر ومرارة العهد العثماني، وعندما اندلعت ثورة 1936 وجد نفسه مقاتلاً ومحارباً في صفوف الثوار، ومغنياً وحادياً للثورة مع ابي سعيد الحطيني وفرحان سلام، وبعد هجرتهما بقي ينشد العتابا والميجنا مع صديقيه الراحلين "ابو السعود الاسدي" وابو غازي الاسدي" واخيه المرحوم "ابو عاطف".

احس ابو الامين بالمعاناة العامة لشعبنا فراح في قصائده وازجاله الشعبية واهازيجه الرقيقة يعبر عن النقمة والغضب الساطع والرفض الجماهيري لمشاريع الاقتلاع والتشريد من الوطن، وبسبب ذلك تعرض للملاحقة والمطاردة السلطوية ودفع ثمن مواقفه الوطنية والجذرية غرامات باهظة.

هتف ابو الامين للوطن، للارض، للسهل، للجبل، للمهجرين، للمشردين، للعمال، للفلاحين، ولكل شيء جميل في الحياة، مشدوهاً بجمال الطبيعة والوطن. وقد اخذته روابي الجليل والكرمل بجمالها الخلاب فغمرت وجدانه وخياله اشعاراً وجدانية توقظ الاحساس، وهاج الشعب وماج حين كان يردد وراءه في صف السحجة "يا جليل اللـه اكبر يا جليل" و"عاش العامل والفلاح" و"بدنا حرية وسلام" و"ع الكعبة اذن بلال" و"مد جيوشك يا جمال من سوريا للصومال" وغيرها الكثير.

ودعا ابو الامين في زجلياته وقصائده الشعبية الى الانزراع في تراب الارض والتعلق بالقيم الاجتماعية والقومية والروحية والمادية والتمسك بالتراث والجذور الكنعانية، ونجح في تفجير الطاقات الكامنة في الوجدان القومي.

والواقع ان اشعار توفيق الريناوي مهيلة كالقهوة، ومعتقة كعنب الخليل، وهي اشعار بسيطة، عميقة، دافئة، شفافة، واضحة، تتغلغل في الروح والقلب، فلا تكلف فيها او تعقيد، انها من "السهل الممتنع" وتعكس احلام الناس البسطاء وهمومهم بصدق اخاذ.. ومن جميل قوله:

نحنا شعب كنا اليوم والعام
يسمع شعرنا الخاص والعام
ويوم الفدا نجمع الخال والعم
وجليلنا يفتدى بدم الشباب
...
لابطال الوطن تحياتي نرددها
ومناهل جود همتكم نردها
وشباب بلادنا نحمي التراب.

توفيق الريناوي كوكب من كواكب الكلمة الفلسطينية المحكية، غنى للوجدان الفلسطيني بحب روحاني، واستحضر روح الوطن وقضيته المقدسة. كان دائماً في صلب الاحداث وتفاعل معها، وجاء شعره صدى لمواقف شعبنا وقواه المناضلة، ولاحداث بلاده الخالدة.

وصفوة القول، توفيق الريناوي (ابو الامين) شاعر مرهف صادق، لغته ذات نكهة جليلية مميزة، ايقاعاته الموسيقية قوية وتغني القصيدة العامية المحكية وتمنحها رونقها وجمالها، وهو بلا شك ظاهرة فنية رائعة، في صدقها واصالتها وتغلغلها في تراثنا الشعبي الفلسطيني وفي ثقافتنا الشعبية الوطنية، فعاشت ذكراه خالة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى