صفحات المهزلة

رواية خير الدين الطاهر جمعة صفحات المهزلة التي تتكون من تسعة فصول رواية حول التناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية في تونس حقبة الثمانينات موجهة اساسا الى جمهور الكبار.

زهير، البطل والراوي، طالب جامعي ذو احلام كبيرة وطموح جياش لتونس حرة وديموقراطية. لكنه، وكعضو في تيار سياسي في جامعة صفاقس، سرعان ما يكتشف الحقيقة المرة للسياسة باكاذيبها ووصوليتها وخيانتها. وبذكاء وصدق و مهارت الخطيب في محيط سياسي نخره الفساد يقع ضحية تلاعب و خداع النخب المتعطشة الى السلطة. ثم و محاطا بتياؤه السياسي يتمكن من تجاوز الايقاف من قبل السلط الامنية ويغادر البلاد الى سوريا.

تبتدئ أحداث الرواية في بيروت زمن الحرب الأهلية في لبنان في الثمانينات. جاء زهير الى هناك قادما من سورية باحثا عن معنى للحياة في مدينة الموت وتنتهي بزهير يغادر مكتب الشرطة في مطار تونس حيث خضع للتحقيق عن قدومه من بيروت عبر ليبيا وحول دوافع مغادرته سوريا وتكوين استثمار في بيروت في قمة الحرب الأهلية في لبنان والعلاقات مع معارف مختلفة في المدينة.

يتبع سرد الأحداث نموذجا غير مباشرفلا يتيح لحبكة النص الانفراج بسهولة. حبك النص بإتقان باستعمال التواءات و مشاهد متقاطعة لا تنتهي الا في النهاية لتقع بامتياز في مكانها من لعبة لغز الصور المقطعة. وقد وقع هذا بنوع من الجمالية لجلب انتباه القارئ وتحديه في لعبة التوقعات. لم يكن الراوي ليصدر أحكاما ولا عالما بكل شيء كما يبين هو بنفسه. وليتجنب التعبير عن أحكام أخلاقية فإنه يترك للشخصيات فرصة كشف " الانفصام الاجتماعي" من خلال رواياتهم الثانوية.

أما الشخصيات فقد وقع تقديمها بأساليب مختلفة مثل الوصف و الحوار و التذكر التي تربط بين ماضي الشخصية و دوافعه الى العمل في الحاضر. و قد وقع تقديم هذا بنجاح.

بالنسبة لشخص وطئت قدماه أرض لبنان في زيارة واحدة لمدة ثلاثة أيام فان الكاتب يجب أن يشكر على وصفه الدقيق للحرب الأهلية هناك. ذلك أنه يصور صراعا معقدا يضم عددا من الأحزاب المتحاربة و الميليشيات المسلحة و الجواسيس في شوارع بيروت بدقة متناهية ما يعطي للقصة بعداحقيقيا. أما بالنسبة للحوارو لو أنه غير دقيق في بعض المناسبات، فإنه يبدو عفويا يعكس نبرة كل شخصية و أحاسيسها و أفكارها ما يجعلهم أقرب الى أشخاص حقيقيين.

إجمالا فإن رواية خير الدين الطاهر جمعة "صفحات المهزلة " هي رواية واقعية اجتماعية ستصدم و تغضب مؤيدي " لا تغسل قماشك الوسخ امام الملإ". تعرض الرواية المجتمع التونسي بكل تناقضاته الاجتماعية و الثقافية و السياسية. لكنها رواية صيغت بحبكة تعكس الذكاء و الإبداع. فقد نجح الكاتب في مراقبة الأحداث بحيث تتطور بيسر ولكن بنسق سليم أما الوصف فكان بسيطا لكنه دقيق والحوار عفويا ويعكس عمق الشخصيات.

بكل هذه العناصر في خمس و تسعين صفحة فقط ترغمك الرواية على قراءتها و سيستحق الكاتب ثقتك. لا تتردد و احصل على نسختك من صفحات المهزلة و لن تندم عل قرارك...