الاثنين ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
مظاهر الحضارة في اللغة والمجتمع العربي
بقلم مهدي ممتحن

والتأثير المتبادل بينها وبين الفرس

اللغة: هي وسيله الحضارة والتواصل بين أفراد المجتمع فهي ظاهرة اجتماعية سياسية أدبية، وقد عرّفها الکثير علي حدّ تفکره، وقدرته، فمنهم ابن جني. (ت 392)

حينما يقول: (حدّ اللغة أصواتٌ يعبّر کلّ قومٍ عن أغراضهم) [1] وهذه الأصوات في أکثر اللغات لا تقل عن أربعين صوتاً.

ويقولون: إن أوَل من تکلّم بالعربية هو (اسماعيل) وإنّه ألهم هذا اللسان. [2]، وجاء في الفهرست: (اوّل من تکلّم بالفارسيه هو (جيومرث) والفرس يسمونه (الکِل شاه) اَي ملکَ الطين، و هو آدم ابوالبشر. [3]
واَهم اللغات العربية التي نظّم بها العرب ونزل بها القرآن الکريم هي لغة قريش واَصحبت لغة عالمية خلال قرنين مِن الزمن بعد الفتح الإسلامي وفي معظم المدن الإسلامية ولکن شاعَ اللحن بين العرب ودخلت ألفاظ کثيرة من اليونانية والقبطية والفارسية فيها وقد حدث تحول عظيم في أواخر العهد الأموي وخلال العصر العباسي حينما أخذت الجامعة العربية تتقدم شيئاً فشيئاً.

أما اللغة الفارسية کانت تستعمل علي أدوار ثلاثة (القديمة – الوسطي والحديثة). فاللغة الفارسية کانت في الفترة التي ما بين الف عام قبل الميلاد حتي عام 331 ق. واللغة الوسطي کانت بين عام 331 ق.م إلي 254 هـ - حتي قيام يعقوب ليث الصفار، سمّيت بهذا الاسم لأنها کانت بين اللغة القديمة واللغة الحديثة. [4] أما الفارسية الحديثة هي (التاجيکية – الفارسية – الکردية – البلوشية) ولکن أصل العربية هي السامية والأصل فيها هي اللغة البابلية.

أما الخط الفينيقي هو مصدر الخطوط السامية والخطوط الأخري مشتقة منه، فتولد منهما الخط الکوفي والشکل النسخي. [5]

القرض اللغوي: إن القرض اللغوي ظاهرة تحدث إثرَ صراع اللغات والتنازع علي البقاء وتنشأ هذه الصراعات إثر عوامل کثيرة منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية.

إن الألفاظ الأصلية في اللغة الغالبة ينالها کثيرٌ مِن التحريف في ألسنة المغلوبين لغوياً وتبعد الألفاظ الدخيلة التي تقتبس عن صورتها القديمة والقرض اللغوي بحث يتناوله فرعٌ من فروع فقه اللغة الحديث وکلّ تطوير يحدث في ناحية من النواحي الاجتماعية يتردد صداه في أداء التعبير واللغة فکلما اتسعت حضارة الأمة وکثرت حاجاتها وترقي تفکيرها، نهضث لغتها وتعددت فنون القول ودخلت فيها مفردات عن طريق الوضع والاشتقاق، لأن اللغة هي مرآة المجتمع، أما العوامل الدخيلة المؤثرة في تطور اللغة ترتبط بأعضاء النطق من الحناجر والحبال الصوتية والألسنة والحلوق وتختلف عما کانت عند الأوائل، و هذا هو قانون (روسلو Roussclot) [6] ولهذا القانون تأثير هام في نهضة البحوث اللغوية المتعلقة بالتطور الصوتي – فالأصوات التي تثقل علي اللسان، هي في معرض التغيير بالأصوات الأخري الخفيفة کتبديل الثاء بالتاء والدال بالذال و الظاء بالضاد.

الصلات الوثيقة بين العرب والفرس: کانت الصلات وثيقة بينهم وتظهر هذه الصلات في الحيرة واليمن واليمامة وکانت هذه المناطق خاضعة لنفوذ الفرس ومن هذه اللغات الدخيلة في اللغة العربية. (عسکر وخندق – وخنجر وخوذ وقهرمان وديوان) ولغات اخري – وقد ظهرت الصلات الجوارية بين العرب والفرس في اختلاطهم عن طريق المزاوجة والمصاهرة ويقال إن کسري حينما نصرَ سيف بن ذي يزن لفتح اليمن شرط عليه أن يسمح للجنود الإيرانيين بالزواج مِن اليمنيات ولايسمح لأهل اليمن بالزواج من الفارسيات کما قال الشاعر:

علي أن ينکحو النِسوانَ منهم
و أن لاينکحوا في الفارسينا
 [7]

التجارة عند العرب: کانت التجارة تقوم علي أيدي اليمنين قبل القرن السادس الميلادي، فهم کانوا يحملون السلع بين بلدانهم والبلدان المجاورة، کالتمر والزبيب والبخور والأحجار الکريمة والمنسوجات وانتقلت التجارة منهم إلي قريش وکانت لقريش رحلتان في التجارة کل عام، رحلة الشتاء إلي اليمن و رحلة الصيف إلي بصري في حوران وأشار القرآن الکريم إلي هذه الرحلات بقوله تعالي:

(لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) وکانت القوافل التي تحمل هذه السلع به (اللطيمة).

کما قد رحل الأعشي إلي بلاد فارس لاتقان اللغة الفارسية فهو يقول:

قد طفت ما بين بالقيا إلي عدنٍ
وطال في العجم ترحالي وتسياري

الحضارة الزراعية: مع أن الفرس کانت لهم حضارة في الزراعة والأکل والشرب لکنّ العرب تفننوا في هذه الحضارة وأخَذَ الشعراء ينشدون کثيراً من المفاهيم الفارسية في الزراعة والورود منها کالبنفسج والنسرين والياسمين والکافور والعنبر والنرجس والتوت والخيري والقرنفل کما يصفها امرؤالقيس بقوله:

إذا التفتت نحوي تضوع ريحها
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
ويقول ابن الرومي حول الورود في إحدي قصائده:
غدت الشقائقُ و هي واصفهٌ
الاءَذي الجبروت و العِظم
يا للشقائق انها قسَمٌ
تزهي بها الابصار في القسمِ

[1الخصائص/ ج1/ ص33

[2البيان والتبيين/ الجاحظ/ ج30

[3ابن النديم/ ص الفهرست/ ص15

[4تاريخ ايران– حسن بيرنيار، ص129

[5تاريخ الأدب العربي/ أحمد حسن الزيات/ ص 78

[6اللغة والمجتمع/ علي عبدالواحد وافي/ ص71

[7مروج الذهب، ج 1/ ص397


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى