الاثنين ٧ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

الجينة الأنانية والاحتيال على الموت

كلام حول الجينات والصحة ومدفيديف «وفاتكم القطار» و«لتدمر قرطاجة» وأشياء اخرى!

يقول المؤلف داوكينز في كتابة الجينة الأنانية أن الميزات المكتسبة ليست متوارثة، فمهما بلغ الانسان من المعرفة والحكمة خلال حياتة، لن يستطيع تمرير ذرة معرفة واحدة الى أولاده عن طريق الجينات! وأنا لا اصدق هذا الكلام فالانسان يستطيع أن يورث أولادة جينات الموهبة أوالغباء، فنحن مسيرون بشكل ما عن طريق جيناتنا الوراثية، فالعلماء والاذكياء والموهوبين غالبا ما يورثون أبناءهم قدرات جينية تؤهلهم للسير قدما في الحياة، أما ذرات المعرفة المكتسبة فلكل انسان حياتة ومعرفتة المكتسبة وخبراتة الخاصة بة وليس في حاجة لان يرث ذلك، وخاصة وان معظم الناس يكتسبون هذه الخبرات والحكمة متاخرا في مسيرة الحياة بعد أن يكونوا قد أنجبوا ذريتهم، ناهيك عن أن وراثة هذة الخصائص تحديدا سيؤدي للتكرار والملل وقلة الابداع.

أما الشيء الصحيح في كتاب هذا المؤلف فهي حقيقة أن الأنانية الطاغية المطبوعة بانعدام الشفقة تعتبر ميزة تنافسية للجينات الناجحة وتضمن لها النجاح وربما التميز اذا ما انعكست في السلوك الفردي للاشخاص وعكس ذلك مفاهيم الايثار والحب الكوني فهما ببساطة لا يضمنان البقاء في عالم تنافسي ماكر يبدأ في عالم الحيوان وينتهي لعالم الانسان الذي نتوقع أن يكون مثاليا! هكذا تضمن لنا الأنانية استراتيجية آمنة للاستمرار في الحياة والتنافس الناجح، ولكن جملة عناصر اخرى تقصر من حياتنا مثل المخدرات والمهدئات ومختلف أنواع التلوث ألبيئي والتدخين والتوتر والفشل والاحباط وقلة التعليم والوزن الزائد والارهاق واكثر من خمسة أكواب من القهوة يوميا ومن ثم النوم القليل وأمراض كالسكري والقلب والسرطان، وكلها عادات وممارسات وأمراض نتعرض لها في رحلة الحياة وقد لا نستطيع تجنبها، وبالمقابل فالعمر الطويل قد يكون سمة وراثية أساسا ولكن تشغيل الدماغ باستمرار وتناول الاسبرين يوميا وخمس حصص من الفواكة والخضروات وبعض المكسرات وتنظيف الاسنان يوميا حيث ثبت علميا واحصائيا ان هذه الممارسات والعادات الايجابية تساعد في التحايل على الموت وقد تضيف لعمرك عدة سنوات، كذلك لا تنسى أن تكون متزوجا وسعيدا وأن تنعم بالاستقرار العائلي وان تمارس العبادة والصلاة بانتظام......هكذا لا توجد ضمانات مؤكدة في معادلة الحياة والموت ولا يستطيع انسان ما أن يعيش حياة مثالية بدون أن يتعرض للتوتر والقلق والمشاكل الاسرية وقلة النوم والتي قد تجبره على ممارسة عادات رديئة كتناول الدهون والحلويات بكثرة أو كالتدخين والكحول، وربما تنطبق هذة المعادلة نوعا ما على الانسان الغربي الذي ارتفعت معدلات حياتة لاكثر من الخمسة وسبعين عاما، ولكن ماذا عن الانسان العالمثالثي سواء كان العربي أوالافريقي أوالاسيوي أوالأمريكي الجنوبي ألذي يتعرض ومنذ مولدة لشتى مخاطر الأمراض وللكوارث ولحوادث السير وللقتل والبطش وحتى لخطر الثورات والانتفاضات والحروب التي تشن عليه من قبل الدول المتغطرسة كاسرائيل وامريكا والغرب عموما، أوحتى يسقط ضحية لمختلف انواع الصراعات القبلية والدينية ولتسلط الميليشيات الطائفية والعرقية والحزبية والتي تحتكر الصواب، وتتاجر بالدين وتمتهن القتل والاجرام والقرصنة والاتجار بالمخدرات، وحتى الاطفال أصبحوا في بعض الحالات والبلدان المتخلفة مجندين خطرين يقتلون ويقتلون وبلا هدف أوغاية !! أضف لذلك سؤ التغذية والمجاعات وقلة الوعي الصحي اوالغذائي.

عندما سمعت ديمتري مدفيديف في "روسيا اليوم" يحدد سن الخامسة والسبعين كهدف استراتيجي لمعدل حياة للشعب الروسي المحظوظ، أدركت المغزى الحقيقي لنداء " فاتكم القطار "، الذي أصمت آذاننا محطة الجزيرة بتكراره قبل أية نشرة آخبار، وخاصة بعد ان اطلعت على مشاهد تسجيلية لأطفال يمنيين صغار يعانون من المجاعة وسوء التغذية وفقر الدم، وبلدهم المنكوب يقع بجوار أغنى دول المعمورة، كما أدركت كما كان "علي عبد الله صالح " محقا بنداءه ورهانه الغير معلن على "قصف" أعمار شعبه البائس، وتقصير حظه في العيش الرغيد منذ الطفولة الاولى، كذلك تذكرت تعبير "الجرذان " المشهور للقذافي! تناقض دراماتيكي صارخ ما بين المشهدين الاعلاميين، وهويلخص ببلاغة كل ثرثرات السياسيين والاقتصاديين : معدل العمر الطويل ورغد العيش هوالمؤشر الأكثر دلالة لرفاهية أي شعب ولنجاح السياسة والاقتصاد في تحقيق الغايات والمقاصد دون تبجح وتمويه !

لقد أصاب ريتشارد داوكينز في كتابة "الجينة الانانية" عندما استنتج بان الجنين البشري الذي لا يمتلك الا القليل من المشاعر الانسانية، يحظى بقدر كبير من الاحترام والحماية القانونية فوق ما يحظى بة أي شمبانزي مكتمل النمو! لنأخذ قياسا على ذلك قيمة الفرد الواحد الغربي (الامريكي أوالاوروبي أوالكندي أوالاسترالي أوحتى النيوزلندي) وكذلك الياباني أوالروسي مقارنة مع الفرد الواحد العربي أوالعالمثالثي (ولنستثني الأثرياء عموما ودول التعاون الخليجي وبعض النماذج الناجحة هنا وهناك )، ولنأخذ كمثال تهديدات المتعجرف نتنياهوالذي يهدد بتدمير البنية التحتية للبنان اذا ما قام حزب اللة بايذاء اسرائيلي واحد فقط ! وقد رأينا ذلك جليا أيضا بطريقة التنكيل بجثث الطالبان من قبل الجنود الأمريكان "الحضاريين" ! (ولم ولن أنسى الضحايا والشهداء الفلسطينيين اللذين سأخصص لهم مقالة لوصف تفاصيل مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982) : عالم غير متوازن " وغير انساني " بل ومرعب حافل بالاجرام والتبجح والغطرسة والنفاق ! وقد رأينا جليا رخص حياة الانسان العربي فيما حدث في ليبيا من قتل ودمار وتنكيل، كذلك نرى ذلك ماثلا للعيان في القتل المتبادل الدائر في سوريا في صراع " لعبة الامم "، تحقيقا لأجندات داخلية وعربية وخارجية، لا تعير اهتماما لرغبات الشعب الحقيقية، جاعلة من تضحياته ودماءه وقودا لأهداف مشبوهة وكابوسية

في المحصلة المدهشة لا تختلف المجتمعات البشرية العاقلة عن المجتمعات الحيوانية الا في المظاهروالشكل فقط، ويبقى الجوهر متشابها من حيث افتراس اواحتقار اواستعباد القوي المستبد للضعيف وسيادة شريعة الغاب وسحق المساكين من قبل الأقوياء والطغاة والمستبدين وعصاباتهم، والمطلوب من زعماء وعلماء وحكماء ومثقفي العالم الثالث والعرب تحديدا توعية الجماهير وتسليحها بالعلم والمعرفة الحياتية والصحية، وتسييد المنطق والقانون والذكاء والحكمة في ادارة كافة شوؤن الحياة، كما المطلوب الآن تحديدا التحلي بالحكمة والمسؤولية والنظرة المستقبلية في الصراعات الدائرة ما بين أنظمة الحكم العربية المتمسكة ببراثن الحكم والسلطة، وما بين الجماهير الثائرة على الظلم والاضطهاد والقمع المزمن، وعليهم لكي لا تضيع تضحياتهم ودماؤهم سدى أن لا يمارسوا بدورهم الوحشية والانتقام والحقد الأعمى (كما حدث بحالة التنكيل بالقذافي واعدامه بهذه الطريقة المقززة، والتي أعطت للغرب اللئيم الانطباع المقصود بهمجية الثوار المزعومين ووحشيتهم!)، وأن يحذروا من "تجيير" ثوراتهم لمصلحة الأعداء الطامعين المتربصين بالأوطان، واليقظة كذلك من اندساس العملاء والانتهازيين وعاشقي السلطة والكراسي بينهم لسرقة الثورات التلقائية للشعوب المسحوقة المسكينة !

أخيرا فان عالمنا تحركه عبارات وشعارات سياسية –تاريخية ذات زخم عارم وقدرة سيكلوجية على تحريك ديناميكي هائل، تدفع بالحدث لذروته الدرامية اوالكارثية، وكل ما أخشاه وأحذر منه في الموضوع السوري تحديدا، أن يكون قد تم اتخاذ القرار(الأمريكي-الغربي-الاسرائيلي) ضمنيا بتدمير سوريا ( كدولة وليس كنظام حكم وحسب !)، تطبيقا لمقولة القائد الروماني الشهير "شيبون الأفريقي "، الذي انتصر على القرطاجيين وقال عبارته الشهيرة تاريخيا وعالميا : فلتدمر قرطاجة ! ( ديلندا كارثاجوايست )، وحيث تكرر استخدام هذه العبارة ككلمة السر عبر حروب التاريخ، واستخدمته القوة الامبريالية الغاشمة امريكا بعد الانتصار على كل من المانيا واليابان في الحرب الكونية الثانية، وكذلك اثناء الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 ! فحذار يا عرب!

الهوامش:

(1)المقالة اعلاه ليست سياسية ولكن الظروف التي يمر بها عالمنا العربي حاليا وارهاصات الربيع العربي المتأججة هنا وهناك، جعلت من السياسة "الحامض النووي" الرئيسي لمكونات وعقلية الانسان العربي المنتفض على الظلم المزمن والقمع والمعاناة والاحباط، لذا فاني سأذهب داعما ومؤيدا لرأي عبد الباري عطوان في مقالته بالقدس العربي "سوريا الجديدة والخيار الثالث " (مرة اخرى نطالب بطريق ثالث، لان الطريقين القائمين حاليا لن ينتصر احدهما على الآخر، بل سيقودان البلاد الى دمار شامل. فالمعارضة التي نراها لا ترى في معظمها بديلا عن التسليح والتدخل الخارجي العسكري، ولا النظام يريد التنازل لشعبه وتقديم الاصلاحات الحقيقية الشاملة، وعفوعام يعيد رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن مصالح الجميع، فالجميع شركاء في هذا الوطن).

(2) المرجع مقالة للدكتور جمال شحيد في المجلة العربية للترجمة، بعنوان الصعوبات الاجتماعية..../ العدد9/ربيع 2012/الصفحات 61-62


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى