الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

عن ثورة الطيبين، وغدر التنين

أمضى جيلنا جزءً كبيراً من طفولته مع لعبة الفيديو جيم الشهيرة: (ماريو).. هذا الرجل البدين بأنفه الكبير وشاربه الكثّ، في مغامرته الطويلة للفوز بحبيبته الأميرة وإنقاذها من براثن التنين الأخضر المخيف.

المشكلة أن هذا قد ترك أثراً بالغاً في سلوك جيلنا.. بل وعرّض ثورتنا للخطر.

نتيجة انتخابات الرئاسة التي نواجهها الآن صادمة.. هذه حقيقة واقعة كـ"الشمس تشرق من الشرق".. إما شفيق أو مرسي.. ماذا أفعل أنا الذي لم أعطِ صوتي أصلاً لأيٍ منهما في الجولة الأولى؟

إما أحمد شفيق، جزّار موقعة الجمل، وأحد أهم أعداء الثورة، وأحد رءوس النظام الفاسد السابق الذي خرجنا أصلاً لإسقاطه والثورة عليه.
أو محمد مرسي.. صاحب مشروع النهضة الذي اقترضه من رفيقه خيرت الشاطر، ممثلاً عن جماعة الإخوان المسلمين.. الجماعة التي تخلت عن صفوف الثوار أكثر من مرة بحثاً عن السلطة والمصلحة الخاصة.

موقف لا نحسد عليه.. أليس كذلك؟..

لكن ما الذي أدى إلى هذا الموقف وكيف نتج!.. إنه تفتيت الأصوات الثورية التي تحدثتُ عنها في مقالي السابق الذي لاقى انتشاراً واسعاً.. أيده الكثيرون، وهاجمني الكثيرون مع كميات لا بأس بها من الشتائم والاتهامات بالدعاية الرخيصة.. لأنهم رأوا في هذا دعوةً لسحب البساط من تحت مرشح لصالح مرشح آخر.

ارتباك واضح في الصف الثوري الذي تم تقسميه بين (أبي الفتوح)، و(حمدين صباحي)، و(سليم العوا)، و(خالد علي).. ناهيك عن معظم ثوار الإخوان الذين انصرفوا إلى محمد مرسي عملاً برأي الجماعة..

وقعنا نحن في عين الفخ الذي ثُرنا هرباً منه.. راح كلٌ يبحث حالماً عن مرشحه المفضل وتخلينا عن (الثورة الفكرة) ووقعنا في أزمة الشخصنة.. لتسود نغمة هي للتأليه أقرب، مع تخوين الطرف الآخر دوماً.. صار الثوار – كما يقول سعد الله ونوس: فخّارٌ يكسّر بعضه!
ربما كان هذا مقبولاً لو كانت الساحة خالية إلا من هؤلاء.. لكن يا قوم ما زال عمرو موسى حياً.. انتبهوا لـ بلوفر شفيق!

لم ينتبه أحد.. فلتحيا القبلية الثورية..

وبينما انشغلت النخبة الثورية الفيسبوكية الغارقة في التأمل بنظريات (آساحبي)، والجدل المؤدي إلى جدل.. كانت الكتل العظمى في مصر من إخوان وفلول منشغلةً بحشد الناس.
وظهرت نتيجة الجولة الأولى..

سقط أبو الفتوح وحمدين، بعد أن كان أحدهما مؤهلاً للفوز بقوة لو كان الآخر دعمه وانضم لصفّه.. وراح كلٌ منهما ضحيةً للنرجسية وحب الذات..

وبعد النتيجة.. راح الكل يغنّي (مش قولتلكم؟) بمناسبة وبدون مناسبة.. انشغل فريق صباحي بإلقاء اللوم على فريق أبي الفتوح، والعكس.. وأدرك كلا الفريقين أخيراً التفتيت الذي كنا نحذّر منه لم يكن مجرد محاولة رخيصة لسحب البساط من تحت مرشح لصالح آخر.

الآن، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما شفيق يا عزيزي أو مرسي؟

ما الحل؟ ستنزل الميدان؟.. جميل!.. سنرجع من جديد لـ (أيام الشقاوة) ولروح الميدان التي تبث في أوصالك الدفء.. لكن هذا الدفء أنت وحدك تشعر به.. لأن سائر قطاعات الشعب المصري قد كفرت بك وبالثورة وبالميدان.. وعندما تسيل دماؤك هذه المرة وتموت لن يبكيك أحد.. لأنهم أصلاً لا يفهمون علام تعترض!! على نتيجة الانتخابات؟ لماذا شاركت فيها إذن!.. هذا إقرارُ منك بشرعيتها.. أم هل تثور لمجرد أن النتيجة لا ترضيك؟

ماريو الباسل في طريقه لا يخش شيئاً.. لا يقتل.. لكنه يتخطى كل العوائق والحواجز..
هدفه الأميرة، وهو عنها لا يحيد..
يقفز فوق المخلوقات التي تبغي إيقاعه وقتله.. مخلوقات عش الغراب، والبط، والقنافد، وألسنة اللهب.. يُسقط التنين تلو الآخر.. في طريقه إلى التنين الكبير الذي يحتفظ بالأميرة..
ماريو سيحرر الأميرة..

والدروب إلى التنين الكبير صعبة.. منها المظلم، والشائك..

ماريو مرهق.. لكنه مستمر.. يقفز فوق الأشجار.. يخوض البحار..

ماريو متسامح.. كثيراً ما يكتفي بتخطي خصومه دون قتلهم..

هدفه الأميرة، وهو عنها لا يحيد.

نحن قومٌ طيبون.. لماذا؟ لأنهم غرروا بنا وأعطونا انطباعاً أن الساحة مليئة بمرشحي الثورة وأن الأمر في النهاية لابد أن يصير لأحدهم..

لنكتشف الآن أننا أمام شفيق و مرسي.. وكل منا بداخله يعرف أن فوز شفيق مرجح، وأنه لرقابنا أقرب..

نزولنا للميدان كان يجب أن يكون مبكراً للأسف.. قبل بدء الانتخابات نفسها اعتراضاً منا على وجود شفيق في ساحة السباق.. لكننا قومٌ طيبون.. لم نعلّق أهميةً كبيرةً على وجوده وتعاملنا مع الأمر باستخفاف..

سُئل أحمد شفيق منذ عدة أشهر في حوار تليفزيوني: هل أنت واثق من الفوز؟.. فأجاب: بدرجة كبيرة.. أذكر جيداً سخريتنا جميعاً منه ومن موقفه الذي بدا لنا هزلياً.. لكننا الآن ندرك جيداً أنه لم يكن يعبث، ونستطيع أن نرى الآن عمر سليمان يضحك منتصراً في مكان ما، بينما مبارك يرقص طرباً!

وصار الهزلي في الموضوع كله: صورتنا أمام أنفسنا وأمام العالم وهو يشاهد ما يحدث.. في انتخابات الرئاسة بعد الثورة على النظام السابق، يفوز أحد رموزه!

إنه خطأنا عندما لم نكترث بتطهير ساحة سباق الرئاسة منذ البدء، فتركنا الشوائب تستفحل..
خطيئة ماريو الذي كان يقفز من فوق القنافد ويتخطاها دون أن يكترث بالقضاء عليها..

هذا لأننا قومٌ طيبون! لماذا؟.. لأن شهامة ولاد البلد تتجلى في كل تصرفاتنا..

نحن صنف فريد من الثوار، يقوم بالثورة ولا يعدم الطغاة لأن: (اللي ملوش خير في سيده، ملوش خير في حد )!

يقوم بالثورة ويترك رموز الإعلام الفاسد آمنين وراء ميكروفاناتهم لأن: (العشرة متهونش إلا على ولاد الحرام)!

إذن فلماذا نستغرب عندما تأتي الثورة لتفرح و(متلاقيلهاش مطرح)؟!

لا أدافع عن الإخوان من قريب أن من بعيد.. وكنتُ من أشد الذين انتقدوا بعض مواقفهم من الثورة.. لكني في الواقع أستغرب الأصوات التي تندد بمقاطعة الانتخابات أو معاداة الإخوان في مثل هذا الوقت بالذات.. حسناً.. ما الحل؟

الآن بالتحديد يبدأ الإعلام الحالي في ممارسة ألاعيبه القذرة لتشويههم في نفس الوقت الذي يعرضون فيه شفيق كـ أردوغان مصر!

الآن تظهر الفيديوهات التي يتحدث فيها السادات وعبد الناصر في هجاء الإخوان.. حسناً، جميل أن تستمع لمثل هذا الكلام.. لكن انظر من يقوله.. السادات.. عبد الناصر.. أيهما كان مثالياً في حُكمه في رأيك؟

تظهر فجأة غادة عبد الرزاق لتدعم شفيق لأنه (خبرة)، بينما نماذج ثورية أخرى تدعمه عِنداً في الإخوان لا أكثر.. يا سلام!.. لماذا نتآمر على أنفسنا؟

إنه الإعلام المصري يلاحقنا بلعنته منذ أن خرجنا جميعاً من بطون أمهاتنا وحتى هذه اللحظة!

قمنا بالثورة، ولم نطهّره، فظلّ يمطرنا بنجاساته.. وها نحن ندفع الثمن!

إنها البطة التي تركها ماريو حية فلم يتوقع أن تعود من خلفه لتطيح به!

قلتُ رأيي واضحاً في الإخوان من قبل.. وأخشى فترة حكمهم للبلاد – إن وصلوا –.. لكن لا وجه لمقارنة هذا بعودة النظام القديم..

الأمر بالنسبة لي محسوم.. لم أحب أحد الخيارين، لكني – أمري لله - سأعطي صوتي لمرسي، وأعد العدة لمعارضته..

إن نجح مرسي سيجد في انتظاره معارضة شرسة متمثلة في كتل الثورة جميعاً.. من (فاتحين و(صباحيين)، وكتل اليسار، وخلافه..

أما لو نجح شفيق فلن يجد أي معارضة.. لأنه من الصعب أن تكون معارضاً وأنت في المعتقل أو ميت!

نحن الجيل الذي ظل يواجه ألسنة اللهب طيلة اللعبة دون أن يحصل على (تكبيرة) واحدة.. وعندما قطع كل هذه المسافة إلى الأميرة، لم يقتل التنين الكبير!

أمامنا أسبوعين من الآن لنقرر فيهما مصير مصر..

ولو لم تفلح حالة الاصطفاف الوطني التي ندعو لها هذه.. فلن أجد بُداً من النزول للميدان لأنني لن أقبل – كحال كل شباب الثورة – أن نعيش في مصر يحكمها شفيق / مبارك..

حينها سننزل الميدان.. أياً كانت العاقبة!

لكن قبل ذلك أمامنا أسبوعين.. من الممكن أن نغير فيهما الكثير لو استمعنا لصوت العقل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى