الأحد ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦

مستقبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين

القسم الأول (1-4)

ربما كانت وثيقة إعلان التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين قد أعلنت في 29يوليو (تموز) سنة1982م بتوقيع المرشد الخامس مصطفى مشهور (توفي 2002) لكن البداية الحقيقية كانت قبل ذلك باكثر من نصف قرن على يد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا (توفي 1949) وإن كان الميلاد غير رسمي أو موثق ، فمنذ أن وعى التلميذ الصغير حسن البنا بنفسه وأحس بأن له دوراً في الحياة وهو يؤمن يقيناً بأن العالم كله مساحة ملعبه، ولم يغب عنه وهو يؤسس في مارس (اذار) من العام 1928جماعة الإخوان المسلمين أنها ذات رسالة وطموحات عالمية حتى وهو يسجلها تحت اسم (جمعية الإخوان المسلمين الخيرية) في إحدى المحافظات الإقليمية الصغيرة النائية عن ضجيج وصخب القاهرة .

فالشيخ حسن البنا كان يرى في جمعيته نواة لإعادة الخلافة الإسلامية التي كانت سقطت رسميا قبل تأسيسه لجماعته بأربع سنوات فقط ( 1924)، وكانت فكرة تأسيس كيان بديل عنها حاضرة في ذهنه وكان على قناعة أن أفضل صورة لهذا الكيان أن يبدأ من الشعوب وليس الحكومات التي لم يكن يعول عليها كثيرا في إصلاح حالة الأمة الإسلامية، ولم يكن يمانع حسن البنا من أن يبدأ دعوته في أي بلد وليس مصر تحديداً ويورد في مذكراته ( مذكرات الدعوة والداعية) قصة بحثه عن أرض أو بيئة أصلح من مصر لبدء الدعوة وكان يرشح لها اليمن، وسافر خصيصا لأداء فريضة الحج من أجل استكشاف أي البلاد تصلح للهجرة ،غير أنه رجع بقناعة أن مصر هي الأصلح.

وبمجرد أن بدأت جماعته تستوي على عودها وتستقر قواعدها أسس الشيخ حسن البنا قسما خاصا أسماه ( قسم الاتصال بالعالم الإسلامي) كان عمله الأول والوحيد إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار جماعته ومن هذا القسم بدأت كل علاقات الإخوان واتصالاتهم في كل أنحاء العالم.

فعبر هذا القسم اتصلت الجماعة بالطلاب العرب والمسلمين الذين كانوا يدرسون بمصر خاصة في الأزهر الشريف وانضم من خلاله عدد من الطلاب صاروا بعد تخرجهم ورجوعهم لبلدانهم قيادات إسلامية بارزة وضعت نواة تنظيمات الإخوان في بلدانها .وقد أسند البنا مسؤولية هذا القسم لعدد من خيرة شباب الإخوان وعلى رأسهم الشاب مصطفى مؤمن الذي كان أشهر وأبرز قيادات الحركة الطلابية في مصر وقتها والذي قاد مظاهرة كوبري عباس الشهيرة .كما كان صاحب المغامرة المشهورة في السفر للأمم المتحدة واقتحام جلسات مجلس الأمن لعرض قضية استقلال مصر ! أما فرس الرهان الآخر فكان نده سعيد رمضان زوج ابنة الشيخ حسن البنا والذي اضطلع بالدور الأكبر في نشر وبناء التنظيمات الإخوانية خارج مصر.

ففي سنوات قليلة استطاع القسم ربط جماعة الإخوان بالعالم وتأسيس عدد كبير من تنظيمات الاخوان في العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى المغرب ومن الصومال إلى سورية وذلك قبل نصف قرن من الزمان! فمن خلال هذا القسم أسس الإخوان فروعا لهم في سورية ثم الأردن ثم السودان ،على الترتيب ،واضطلع بالمهمة عدد من أبناء هذه البلدان الذين درسوا في مصر وارتبطوا بالجماعة وأشهرهم مصطفى السباعي الذي صار بعد ذلك المراقب العام للجماعة وأحد كبار منظّريها، كما افتتحت تنظيمات أخرى في أندونيسيا والصومال واليمن وأفغانستان التي أنشأ فيها التنظيمَ اثنان من أشهر هؤلاء الطلاب الوافدين على مصر وقتها وأكثرهم حركة وتأثيرا وهما غلام نيازي ومحمد هارون مجددي ، وكان الثاني نجل سفير أفغانستان وقتها في مصر، في حين تولى مسؤولية التنظيم غلام نيازي.

وفي مكتب الجماعة في الدرب الأحمر بحي السيدة زينب تحول قسم الاتصال بالعالم الإسلامي إلى وزارة خارجية لجماعة الإخوان المسلمين، طالت اتصالاتها معظم بلاد العالم الإسلامي إن لم تكن كلها، فزاره محمد على جناح وهو يؤسس لاستقلال باكستان واستمرت اتصالاته حتى توجت بتدخل حسن البنا لدى صديقه عبدالرحمن عزام لإقناعه باعتراف الجامعة العربية التي كان عزام أول أمين عام لها بالاعتراف باستقلالها عن الهند، ومنه جرى التنسيق لثورة أحرار اليمن في الأربعينيات ضد نظام الإمام يحيى حميد الدين عن طريق العضو الجزائري بالجماعة الفضيل الورتلاني، والحركة العربية لتحرير فلسطين التي كان يرأسها الشيخ الجليل الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين..كما ارتبطت الجماعة من خلالها بمعظم القيادات الإسلامية والتحررية في العالم الإسلامي مثل عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي في المغرب، والأمير شكيب أرسلان في سورية ونواب صفوي مؤسس حركة (فدائيان إسلام) في إيران وآل الندوي في الهند..إلخ.

انتشار خارج مصر

كان هذا كله قبل اغتيال مرشد الجماعة ومؤسسها الشيخ البنا وقبل قيام ثورة يوليو سنة 1952التي تسببت حملتها الاستئصالية ضد الجماعة في انتشارها عالميا وزيادة تنظيماتها خارج مصر من حيث لا تدري بالطبع.فقد هاجر عدد من قياداتها هرباً من ملاحقة النظام الناصري واستقر عدد منهم في لبنان والكويت والمملكة ودول الخليج الأخرى ، وأسسوا جمعيات وشركات كانت القاعدة التي تأسس عليها التنظيم الدولي الذي لم يكن قرارا فوقيا اتخذته القيادة الإخوانية ، قدر ما كان تجميعا لتنظيمات ومؤسسات موجودة فعلا، فقد دعمت هذه القيادات الهاربة -وبعضها كان له ثقل تاريخي، مثل سعيد رمضان وكامل الشريف (وزير الأوقاف الأردني الأسبق) وسعد الوليلي وغيرهم- دعمت تنظيمات الإخوان في الأقطار التي استقرت بها وأنشأت شبكة علاقات واتصالات كان التطور الطبيعي لها هو التنظيم الدولي بصورته التي استقر عليها. وكان سعيد رمضان صاحب جهد كبير في هذا الصدد ،فقد تمتع بعلاقات قوية مع عدد من أنظمة المنطقة. وساهم في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي. كما ازداد دوره بعد هجرته إلى اوروبا واستقراره في سويسرا فهناك حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة (المسلمون) الشهيرة ،كما أسس المركز الإ
سلامي في جنيف الذي مارس تأثيرا على مسلمي أوروبا ونجح في نشر الفكر الإخواني فيها بل وامتد إلى أمريكا أيضا حتى طال عددا من الشخصيات المعروفة مثل الأمريكي مالكولم إكس الذي تأثر كثيرا بعلاقته بسعيد رمضان.

ومن مركز جنيف الذي كان أول وأهم قاعدة للإخوان في أوروبا انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية الأخرى وأهمها على الإطلاق المركز الإعلامي في لندن والمركز الإسلامي في ميونخ بألمانيا الذي شهد المراحل الأخيرة لإعلان التنظيم الدولي الرسمي للجماعة في 1982 وإذا كان هناك شخص يمكن أن ينسب إلى ه دور اللاعب الرئيسي في تأسيس هذا التنظيم فهو الشيخ مصطفى مشهور أحد أكثر قيادات الجماعة تأثيراً في بنائها ،بعد مؤسسها الشيخ حسن البنا ،فعقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة في العام 1973بدأ مصطفى مشهور على الفور تجميع خيوط كل التنظيمات الإخوانية المنتشرة في الأقطار المختلفة خاصة العربية منها والتي كانت في تصاعد وتنامٍ سريع بفعل انتشار المد الإسلامي في المنطقة كلها، وكانت مواسم الحج أفضل طريقة للقاء قيادات هذه التنظيمات التي أغراها الزخم الإسلامي المتصاعد وأجواء الانفتاح الغربي على الإسلام والتسهيلات التي كانت تلقاها قيادات الإسلام السياسي المطاردة في أوروبا والرغبة في حشد موارد الجماعة وتعبئتها؛ كل ذلك أغراها بتعجيل إعلان أول تنظيم دولي رسمي في تاريخ الجماعة، لم تقتصر عضويته على تنظيمات الإخوان المعتمدة فحسب بل وضم إليه تنظيمات إسلامية اخري مستقلة عن الإخوان لكنها قريبة منها مثل الجماعة الإسلامية في باكستان التي أسسها المودودي، والحزب الإسلامي في ماليزيا والرفاه في تركيا.

لائحة التنظيم

من المعروف أن هناك لائحة وضعها قادة الجماعة وساروا عليها فقد اعتمدها المرشد العام للجماعة بتاريخ 3جمادى الاخرة 1398ه الموافق 1978/5/10، في اجتماعه المنعقد بتاريخ 9شوال 1402ه الموافق 1982/7/29وما يليها من الاقتراحات المقدمة لتعديل هذه اللائحة انتهى إلى إقرار النظام العام للجماعة في شكل ابواب جاء في الباب الاول منها اسم الجماعة ومقرها على النحو التالي:

في شهر ذي القعدة 1347ه 1928تألفت جماعة الاخوان المسلمين ومقرها الرئيسي مدينة القاهرة، ويجوز نقل القيادة في الظروف الاستثنائية بقرار من مجلس الشورى اذا تعذر ذلك من مكتب الارشاد.

اما الباب الثاني فقد تناول الأهداف والوسائل كما يلي: الاخوان المسلمون هيئة اسلامية جامعة تعمل لاقامة دين الله في الأرض وتحقيق الاغراض التي جاء من اجلها الإسلام الحنيف، وما يتصل بهذه الاغراض. وتبلغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة والى المسلمين خاصة، وشرحها شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الاباطيل والشبهات.وجمع القلوب والنفوس على مبادئ الإسلام، وتجديد اثرها الكريم فيها، وتقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية. والعمل على رفع مستوى المعيشة للافراد وتنمية ثروات الامة وحمايتها. وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع اعمال البروالخير. وتحرير الوطن الاسلامي بكل اجزائه من كل سلطان غير اسلامي، ومساعدة الاقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين جميعا حتى يصيروا أمة واحدة. وقيام الدولة الإسلامية التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا، وتحرسها في الداخل وتعمل على نشرها وتبليغها في الخارج. ومناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل الشريعة الإسلامية التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق، والمشاركة في بناء الحضارة الانسانية على اساس جديد من تآزر الايمان والمادة كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة.

و يعتمد الاخوان المسلمون في تحقيق هذه الاغراض على الدعوة بطريق النشر والاذاعة المختلفة من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج. والتربية بطبع اعضاء الجماعة على هذه المبادئ وتمكين معنى التدين قولا وعملا في انفسهم افراداً او بيوتا وتربيتهم تربية صالحة عقديا وفق الكتاب والسنة وعقليا بالعلم وروحيا بالعبادة، وخلقيا بالفضيلة، وبدنيا بالرياضة وتثبيت معنى الاخوة الصادقة والتكافل التام والتعاون الحقيقي بينهم حتى يتكون رأي عام اسلامي موحد، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة اليه.

والتوجيه: بوضع المناهج الصالحة في كل شؤون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والادارة والجندية والاقتصاد والصحة والحكم التقدم بها إلى الجهات المختصة، والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية والدولية لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التنفيذ العملي والعمل بجد على تنقية وسائل الإعلام مما فيها من شرور وسيئات والاسترشاد بالتوجيه الاسلامي في ذلك كله.
والعمل: بانشاء مؤسسات تربوية واجتماعية اقتصادية وعلمية، وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ، والنوادي، وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات واعمال البر والاصلاح بين الأفراد والاسر، ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة والمخدرات والمسكرات والمقامرة وارشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل الوقت بما يفيد وينفع ويستعان على ذلك بانشاء اقسام مستقلة طبقا للوائح خاصة.
وإعداد الامة إعدادا جهاديا لتقف جبهة واحدة في وجه الغزاة المتسلطين عن اعداء الله تمهيدا لاقامة الدولة الإسلامية الراشدة.

بينما جاء الباب الثالث من الأعضاء وشروط العضوية في هذا السياق:
يقضي المرشح لعضوية الجماعة مدة ستة اشهر على الاقل تحت الاختبار ،فاذا ثبت قيامه بواجبات العضوية مع معرفته بمقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بان يناصرها ويحترم نظامها. ويعمل على تحقيق اغراضها ثم وافقت الجهة المسئولة عنه تم قبوله عضوا في الجماعة فيصبح اخا منتظما لمدة ثلاث سنوات.

واذا ثبت خلال السنوات الثلاث الآنفة الذكر قيام الاخ بواجبات عضويته فللجهة المسؤولة ان تعتبره أخاً عاملا و على كل عضو ان يدفع اشتراكا ماليا شهريا او سنويا وفق النظام المالي لكل قطر، ولا يمنع ذلك من المساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع والوصية والوقف وغيرها كما ان للدعوة حقها في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك.
و اذا قصر العضو في بعض واجباته، او فرط في حقوق الدعوة اتخذت الإجراءات الجزائية اللازمة في حقه وفق النظام الجزائي الخاص بقطره بما في ذلك الاعفاء من العضوية.

و على الأعضاء ان يتكافلوا فيما بينهم، وليتعهد بعضهم بعضا بالسؤال والبر، وليبادر كل إلى مساعدة اخيه ما وجد إلى ذلك سبيلا، كما يأمرهم بذلك الاسلام، وذلك صريح الايمان ولب الاخوة.

و الهيئات الإدارية الرئيسية للاخوان المسلمين هي: المرشد العام، مكتب الارشاد العام، مجلس الشورى العام.

ويشترط فيمن يرشح مرشدا ألا يقل عمره عن اربعين سنة هلالية. وان يكون قد مضى على انتظامه في الجماعة اخا عاملا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة هلالية.وان تتوافر فيه الصفات العلمية (وخاصة فقه الشريعة) والعملية والخلقية التي تؤهله لقيادة الجماعة.
يتم اختيار المرشد العام وفق المراحل الآتية:

يقوم مكتب الارشاد العام بعد استشارة المكاتب التنفيذية في الاقطار لترشيح اكثر اثنين قبولا لدى هذه المكاتب اذا لم يتم الاجماع على واحد ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة .
وبناء على ذلك وبقرار من مكتب الارشاد العام يوجه نائب المرشد العام الدعوة إلى مجلس الشورى العام لاجتماع مدته اسبوع كحد اقصى مخصص لانتخاب المرشد العام الجديد - ويحدد في الدعوة الزمان والمكان والموضوع والنصاب - وتوجه الدعوة قبل شهر على الاقل من الموعد المحدد.

وينعقد اجتماع مجلس الشورى العام برئاسة نائب المرشد العام، فان كان هو المرشح فاكبر الأعضاء سنا، وبحضور اربعة اخماس اعضاء المجلس على الاقل، فاذا لم يحضر العدد القانوني خلال اسبوع اجل الاجتماع إلى موعد آخر لا يقل عن شهر ولا يزيد على شهرين من تاريخ الاجتماع الاول، ويجب ان تتوافر في هذا الاجتماع اكثرية ثلاثة ارباع اعضاء المجلس فاذا لم يحضر هذا العدد اجل الاجتماع مرة اخرى، وعلى المجلس تحديد موعد الاجتماع الجديد في مدة كالسابق بيانها مع الإعلان عنه وعن المهمة التي سيعقد من اجلها وانه سيكون صحيحا بالاغلبية المطلقة.

واذا كان المرشح واحدا فيجب ان ينال ثلاثة ارباع اصوات الحاضرين على الاقل ويمكن اعادة التصويت مرة اخرى، فاذا لم ينل الاكثرية المطلوبة يدعى المجلس إلى جلسة اخرى خلال اسبوع، ويرشح مكتب الارشاد العام اخا آخر، ويمكن اعادة التصويت لهذا المرشح مرة واحدة ايضا، فاذا لم ينل الاكثرية المذكورة يعاد التصويت بين المرشحين اذا كان هناك مرشحان يعتبر منتخباً من ينال العدد الاكثر من الاصوات على ان لا يقل عن نصف اعضاء مجلس الشورى.

و عندما يتم اختيار المرشد العام يؤدي العهد المثالي امام مجلس الشورى العام
و يضطلع المرشد العام بمهمته فور انتخابه وادائه للعهد، وعليه ان يستقيل من عمله الخاص ويتفرغ كل التفرغ للمهمة التي اختبر لها، ويبقى في مسؤوليته ما دام اهلاص لذلك.

ولا يصح للمرشد العام بشخصه ولا بصفته ان يشترك في ادارة شركات او اعمال اقتصادية حتى ما يتصل فيها بالجماعة واغراضها صيانة لشخصه وتوفيرا لوقته ومجهوده على ان يكون له الحق في مزاولة الأعمال العلمية والادبية بموافقة مكتب الارشاد العام.و تتحمل الجماعة نفقات المرشد العام وفق اللائحة المالية الخاصة بالمتفرغين. وتنتهي ولاية المرشد العام في الحالات التالية:

اذا اخل المرشد العام بواجباته، او فقد الاهلية اللازمة فلمجلس الشورى دراسة الوضع واتخاذ القرار المناسب فاذا وجد ان مصلحة الدعوة تقتضي اعفاءه يدعو إلى جلسة اخرى مخصصة لذلك، ويجب ان يصدر قرار الاعفاء باكثرية ثلثي اعضاء المجلس.
واذا قدم المرشد العام استقالته يدعو مكتب الارشاد مجلس الشورى لدراسة اسباب الاستقالة واتخاذ القرار المناسب، وفي حالة إصرار المرشد على استقالته يتم قبولها بالاكثرية المطلقة لاعضاء المجلس.واذا توفي المرشد العام يتولى نائبه صلاحياته كافة ويتم انتخاب مرشد جديد

يقوم مكتب الإرشاد العام بالمهمات الآتية:

تحديد مواقف الجماعة الفكرية والسياسية من كافة الأحداث العالمية أو تلك التي ترتبط بسياسة الجماعة أو تؤثر في أي قطر من الأقطار وذلك في ضوء الخطة العامة التي يضعها مجلس الشورى ، وله أن يقوم بنفسه أو يكلف من يرى تأليف الرسائل وإصدار النشرات والتعليمات التي تكفل شرح الدعوة وبيان أغراضها ومقاصدها ، ومراجعة ما تصدره تنظيمات الأقطار قبل نشره لصلته بصميم الفكرة والإشراف على سير الدعوة وتوجيه سياستها وتنفيذ أحكام اللائحة العامة ومراقبة القائمين على التنفيذ ورسم الخطوات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الشورى العام في جميع الأقطار وتكوين اللجان والأقسام المتخصصة في المجالات اللازمة واعتماد لوائحها ومحاسبتها ووضع الخطة العامة وعرضها على مجلس الشورى العام لاعتمادها وإعداد التقرير السنوي العام عن أعمال القيادة وأحوال الجماعة والوضع المالي لعرضه على مجلس الشورى العام واختيار مراجع للحسابات من غير أعضائه .
و يقوم مجلس الشورى العام بالمهمات الآتية:

انتخاب المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد العام وإقرار الأهداف والسياسات العامة للجماعة - وتحديد موقفها من مختلف الاتجاهات والتجمعات والقضايا المتنوعة وإقرار الخطة العامة والوسائل التنفيذية اللازمة ومناقشة التقرير العام السنوي والتقرير المالي وإقرارهما واعتماد الميزانية للعام الجديد وانتخاب أعضاء المحكمة العليا التي تنظر في القضايا التي تحول إليها من قبل المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام أو مجلس الشورى العام ومحاسبة أعضاء مكتب الإرشاد العام مجموعة وأفراداً وقبول استقالتهم بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس واعفاء المرشد العام أو قبول استقالته من هذه اللائحة وتعديل اللائحة بناء على اقتراح يقدمه فضيلة المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام أو اقتراح يوافق عليه ثمانية من أعضاء مجلس الشورى العام ويجب إبلاغ الأعضاء بنص التعديل قبل شهر من النظر فيه ويتم التعديل بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس إلا في المواد التي نص عليها بنصاب خاص . فلا تعدل إلا بموافقة ثلثي الأعضاء .

أما قضية التنظيم الدولي من خلال تنظيم العلاقة بين القيادة العامة وقيادات الأقطار ، فانها تتحدد ضمن الدوائر التالية:

الدائرة الأولى: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في فضيلة المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام وتشمل ما يلي:

الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر وتشمل هذه المبادئ العضوية وشروطها ومراتبها - ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي - الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ والالتزام بفهم الجماعة للاسلام المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام والالتزام بسياسات الجماعة ومواقفها تجاه القضايا العامة كما يحددها مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي مهم.

الدائرة الثانية: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع فضيلة المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار وتشمل جميع المسائل المحلية المهمة والتي قد تؤثر على الجماعة في قطر آخر
الدائرة الثالثة: وهي التي تتصرف فيها قيادات الأقطار بحرية كاملة ثم تُعلِم مكتب الإرشاد العام في أول فرصة ممكنة أو في التقرير السنوي الذي يرفع للمراقب العام وتشمل هذه الدائرة كل ما يتعلق بخطة الجماعة في القطر ونشاط اقسامها ونمو تنظيمها والمواقف السياسية في القضايا المحلية والتي لا تؤثر على الجماعة في قطر آخر شريطة الالتزام بالمواقف العامة للجماعة والوسائل المشروعة التي يعتمدها القطر لتحقيق أهداف الجماعة ومبادئها على ضوء أوضاعه وظروفه

مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ( 2- 4)

في أول سبتمبر (أيلول) 1981وقبل أيام من قرارات 5سبتمبر (أيلول) الشهيرة التي اعتقل بموجبها الرئيس المصرى الراحل أنور السادات مئات المعارضين من مختلف القوى والتيارات السياسية في مصر كان مصطفي مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال التي طالت أكثر من ألف وخمسمائة قيادة سياسية معارضة وظل القطب الإخواني الكبير الذي عرف بقدراته التنظيمية غير العادية متنقلا بين الكويت وألمانيا طوال خمس سنوات استطاع خلالها تأسيس أول تنظيم دولي حقيقي لجماعة الإخوان المسلمين.

وحين عاد إلى مصر بعد أيام من وفاة المرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني (توفي 22مايو 1986) كان أتم بناء التنظيم العالمي للإخوان كاملا وأحكم عليه قبضته الحديدية.

وعندما تم إعلان محمد المأمون الهضيبي مرشدا سادسا للجماعة يوم 28نوفبر (تشرين الثاني) من العام الماضي (2002) خلفا للمرشد الخامس مصطفي مشهور الذي أعلنت وفاته رسميا (يوم 13نوفمبر) بعد أن ظل في غيبوبة تامة بعد إصابته بجلطة في المخ كان على رأس الملفات التي تنتظر بته فيها ملف التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي يبدو أن كل الدلائل والأحداث وعجلة التاريخ تشير إلى أنه سيموت برحيل مؤسسه وأن أول ما سيفعله المرشد الجديد هو إسدال الستار عليه إما بالموت البطيء أو برصاصة الرحمة لأسباب بعضها شخصية وأغلبها موضوعية تفرضها التغيرات الإقليمية والعالمية والأوضاع التي تعيشها الجماعة.

فمنذ نشأته لم يحتفظ الهضيبي بعلاقات جيدة مع أقطاب التنظيم الدولي وقياداته من خارج مصر التي طالما اختلفت معه في طريقة إدارته للجماعة منذ تعيينه نائبا للمرشد ومتحدثا رسميا باسم الجماعة وفي أسلوب تعامله مع مخالفيه.

تعمد الهضيبي - في رأيهم - تهميش أي دور للقيادات الإخوانية من خارج مصر وقلص أمامها كل مساحات الحركة التي كانت متسعة، بحكم إقامة عدد منهم في أوروبا وتمتعهم بحرية الحركة والإعلام مقارنة بالأوضاع التي تعيشها الجماعة في مصر، خاصة في عقد التسعينيات الذي شهد تضييقا مستمرا عليها ووصل الصدام ذروته مع إصرار الهضيبي، حين كان نائبا للمرشد على توحيد جهة الحديث باسم الجماعة وجعلها من اختصاصه فقط وإلغاء منصب المتحدث الرسمي للإخوان في الغرب الذي كان يحتله القطب الإخواني البارز كمال الهلباوي المصري المقيم في لندن الذي اضطر في النهاية إلى الاستقالة احتجاجا على إصرار الهضيبي على تهميش قيادات الخارج.. وهو ما أثار غضب هذه القيادات خارج مصر وبخاصة في المهجر التي تأكد لديها عزم الهضيبي على إقصائها وتهميش دورها، خصوصاً وأن هذا الصدام تلا ما عرف ببيعة المقابر (تمت أوائل عام 1996) التي أخذ فيها مأمون الهضيبي البيعة علنا للسيد مصطفي مشهور بعد الفراغ من تشييع جنازة المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر وقبل الانصراف من المقابر وهو الإجراء الذي رأت قيادات من خارج مصر أنه تم بدون العودة إليها وبغرض الالتفاف عليها وسلب أي حقوق لها في اختيار قي
ادة الجماعة وتوجيه سياستها.

ولم تقبل قيادات الخارج كل المبررات التي ساقها الهضيبي والقيادات المصرية لتبرير إسراعهم في اختيار المرشد الجديد، دون العودة إليهم التي كان على رأسها الرغبة في حسم اختيار المرشد الجديد سريعا حفاظا على وحدة الجماعة من الانقسام الذي كان يتهددها بقوة وقتها، حيث كانت تعاني بسبب أزمة انشقاق أعضاء التنظيم من حزب الوسط ومن جراء المحاكمات العسكرية التي طالت بالسجن أكثر من تسعين قياديا من كبار قادتها في كل أنحاء مصر ولم تعلن قيادات الخارج خلافها على الملأ نظرا للظروف الحساسة التي كانت تعيشها الجماعة إبان ذروة الصدام مع النظام المصري لكنها أصرت على كونه خروجا على اللائحة التي تنظم عمل التنظيم والمعتمدة في آخر تعديل من قيادة الجماعة (بتاريخ 29يوليو 1982) والتي تنص على أن اختيار المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة عشر يتم عبر مجلس شوري التنظيم الدولي الذي يضم ممثلين من جميع تنظيمات الإخوان القطرية.

وهي اللائحة التي تجاوزها الهضيبي وقيادات التنظيم المصري حين قصروا عضوية مكتب الإرشاد الموكل إليه انتخاب المرشد من بين أعضائه على أعضاء مجلس شوري التنظيم المصري فقط والبالغ عددهم 85عضوا وجاء هذا الخلاف ليضاف إلى رصيد خصومات الهضيبي مع قيادات التنظيم الدولي من خارج مصر والذي كان من أهم بنوده الموقف العدائي الذي تقفه تنظيمات وقيادات الإخوان في الخليج، خاصة في الكويت بسبب موقفه أثناء الاجتياح العراقي للكويت سنة 1990الذي عدوه انحيازاً من الهضيبي للعراق. وهو ما تسبب في انشقاقات داخل الحركة الإخوانية في الخليج، ما زالت الجماعة تعاني آثارها إلى اليوم على رغم محاولات رأب الصدع التي قامت بها قيادات مصرية لها امتداد وصدقية كبيرة لدي إخوان الكويت والخليج عموما.

وصاية على الجماعة

إلى ذلك يري الباحث الإسلامي حسام تمام أنه لن يغفر الهضيبي لقيادات الخارج في التنظيم الدولي تطلعهم المستمر لدور في قيادة الجماعة التي ظلت دائما مصرية خالصة منذ تأسيسها في مارس 1928مع أن عمر الجماعة تجاوز ثلاثة أرباع القرن وصار لها تنظيمات معتمدة في أكثر من خمسين دولة في العالم فكثيرا ما أبدت قيادات غير مصرية تبرمها بهذا التقليد الذي يقصر منصب المرشد العام على إخوان مصر فقط وعدوه نوعاً من الوصاية المصرية على الجماعة التي تأسست بالأساس كجماعة لها توجهات وأهداف عالمية وليست قطرية أو محلية، وعدت أن هذه الوصاية كان من الممكن القبول بها أو السكوت عنها.

قبل عقدين من الزمان كان تنظيم إخوان مصر هو الأقوى والأكثر حضورا وتأثيرا قبل نشأة عدد من التنظيمات الإخوانية الأخرى في كثير من أنحاء العالم، لكن الأحوال تغيرت لغير مصلحة التنظيم المصري الذي تراجع دوره وتأثيره في عقدي الثمانينيات والتسعينيات لأسباب داخلية تتعلق بالمواجهة مع النظام المصري و أخرى خارجية تتعلق بتنامي دور التنظيمات الإخوانية الأخرى، إما لأسباب تتعلق بالدعم والتمويل كما هو الحال بالنسبة لإخوان الخليج والكويت بصفة خاصة أو بإحراز نجاحات سياسية تفوق ما أحرزه التنظيم المصري مثل إخوان اليمن والأردن والسودان التي استقل مراقبها العام حسن الترابي بعد إبعاده من الجماعة بتنظيم خاص عن الإخوان - الجبهة القومية الإسلامية - أو لبروز قيادات فكرية وشرعية وحركية لها حضور وتأثير ونفوذ عالمي يفوق نظيرتها المصرية مثل التونسي راشد الغنوشي واللبنانيين فتحي يكن وفيصل مولوي والسوداني حسن الترابي والمصري المهاجر كمال الهلباوي..

في مقابل التآكل الذي طال القيادات المصرية إما بالوفاة أو بالانفصال أو التهميش وقد تصاعدت مطالب قيادات الخارج بدور أكبر لها في إدارة الجماعة العالمية وبلغت ذروة الاحتقان بينها وبين القيادة المصرية التي كان الهضيبي الفاعل الرئيسي فيها مع بيعة المقابر، فاضطرت معه القيادة المصرية إلى الرضوخ لإخوان الخارج بتعيين أول نائب للمرشد من غير المصريين وهو القطب السوري المقيم بالأردن حسن هويدي امتصاصا لغضب قيادة الخارج من استبعادهم من اختيار المرشد الجديد وخلو مكتب الإرشاد منهم. كما اضطرت القيادة المصرية وعلي رأسها الهضيبي أيضا للرضوخ مرة ثانية بعد وفاة مصطفي مشهور فاضطرت إلى تأجيل إعلان الهضيبي مرشدا أكثر من أسبوعين من إعلان وفاة سلفه لحين أخذ موافقة إخوان الخارج تلافيا لاعتراضات قد تصدر عنهم كالتي شهدتها بيعة المقابر لمشهور، خصوصاً وأن الحديث بين قيادات الخارج كان قد تزايد بقوة في العام 2001حول ضرورة تدخل قيادات التنظيم الدولي من خارج مصر في اختيار المرشد، لاسيما أن مدة المرشد كانت أوشكت على الانتهاء قبل أن يجدد له مدة ولاية ثانية في فبراير 2002وتردد وقتها أن قيادات الخارج طرحت اسم الشيخ المستشار فيصل مولوي مراقب تنظيم
الإخوان في لبنان كمرشح لها على منصب المرشد بحسبانه الأكثر جدارة بالمنصب نظرا لاستكماله كل المواصفات اللازمة، حيث يتمتع إلى جانب مكانته التنظيمية باحترام الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية العالمية الأخرى، نظرا لوضعه كقاض سابق وعالم شرعي كبير (هو نائب رئيس مجلس الإفتاء الأوروبي) ولكن أحداث 11سبتمبر وتداعياتها والخوف من وضع التنظيم الدولي على قوائم الإرهاب أجل طرح المناقشات إلى العلن لتذهب بها التطورات العالمية في طي النسيان.

كل ذلك ساهم في رفع سور جدار العداء عاليا بين قيادات إخوان الخارج وبين الهضيبي الذي يبدو - على غير عادة من تولوا المنصب قبله - مسيطرا على مقاليد الأمور في الجماعة وهو ما عزز توقعات لقيادات سابقة في التنظيم الدولي باحتمال بدء الهضيبي عملية تقليم أظافر التنظيم الدولي تمهيدا لتصفيته تماما.

مأزق التمويل

في الوقت نفسه يؤكد الباحث حسام تمام قائلا: سوف تتضافر الأوضاع الإقليمية والعالمية، إضافة إلى الوضع الداخلي لجماعة الإخوان مع الموقف الداخلي الذي تحكمه عقدة العلاقة بين الهضيبي وقيادات التنظيم الدولي لتعطي مؤشرا أكثر تأكيدا حول تراجع التنظيم واحتمالات تصفيته.. فالحديث غير المعلن بين قيادات الجماعة في مصر يؤكد دائما على أن التنظيم الدولي صار عبئا على الجماعة من الناحية السياسية والأمنية، بأكثر مما تحتمله.

كما أن أضراره في السنوات الأخيرة فاقت في كل الأحوال ما كان ينتظر منه من نفع وما حققه في سنواته الأولى، حين كان مصدراً قوياً للتمويل الذي تكفلت به تنظيمات الإخوان في الخليج التي كانت المورد الرئيسي لدعم الجماعة ماليا في مصر حتى بداية حقبة التسعينيات كما كان ذراعا إعلامية في أوروبا والغرب للضغط على النظام المصري، من أجل وقف أي عمليات تصفية محتملة للحركة في مصر واضطلع بدور كبير في حشد تغطية وضغط إعلامي وسياسي دولي ضد المحاكمات التي تعرضت لها الجماعة في منتصف التسعينيات ( 1995- 1996) وهو ما تغير تماما الآن بعد ضرب وتصفية مؤسسات التمويل الإخوانية في الخليج وتقلص مساحة الحركة السياسية والإعلامية لإخوان الخارج، بعد أن تراجعت الدول الغربية عن سياسة إيواء الحركات الإسلامية في بلادها والاستفادة منها كأوراق ضغط على الأنظمة العربية، ثم جاءت أحداث سبتمبر لتقضي تماما على حالة تمدد هذه الحركات ومنها الإخوان في أوروبا وأمريكا.

ويبدو عدد من قيادات الجماعة في مصر على قناعة بأن التنظيم الدولي الآن يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن حالة الحصار التي تعيشها الجماعة فهو يعطيها صورة أكبر كثيرا من حجمها الفعلي لدى الأنظمة وأجهزة الأمن والاستخبارات العالمية التي تحاسب الجماعة بأكثر مما هي عليه فعليا كما أنه يحمل الجماعة أعباء إدارية وكلفة سياسية بأكثر مما يعود عليها، خاصة إذا علمنا أن التنظيم الدولي لا يمتلك سلطات فعلية على التنظيمات القطرية للإخوان رغم مشاركتها بممثلين عنها ولا يستطيع التدخل في سياستها الداخلية مهما كان تأثيرها على صورة ووضع الجماعة عالميا، حتى إن قرار تنظيم الإخوان في الجزائر بخوض زعيمه الشيخ محفوظ نحناح انتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة لم يؤخذ فيه رأي التنظيم الدولي مع أنها كانت المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي تترشح فيها شخصية إخوانية لمثل هذا المنصب وما تحمله الخطوة من خطورة وتأثير عالمي يتجاوز نطاق التنظيم الجزائري على الأقل في حالة نجاح نحناح الذي كان سيصبح أول رئيس دولة من الإخوان المسلمين.

وينظر للتنظيم الدولي أيضا كعبء أمني على التنظيمات الفرعية بحسبانه سببا لعدد من الضربات الأمنية التي تعرضت لها بعض تنظيمات الإخوان القطرية، حيث كانت اجتماعاته التي تعقد في ألمانيا أو بعض الدول الأوروبية صيدا ثمينا لأجهزة الاستخبارات العالمية التي استطاعت جمع أكبر معلومات ممكنة عن الجماعة لم يكن لتتاح لها لولا اجتماعات التنظيم التي كانت تدار على طريقة المطار السري الذي يعرفه كل الناس ولكن يظل سريا !! حيث تدار وكأنها سرية في حين أن كل ما يدور فيها يجد طريقه بسرعة إلى كل أجهزة الاستخبارات وهو ما أدى - على سبيل المثال - إلى ضرب تنظيم الإخوان في عمان والذي حصلت أجهزة المخابرات العمانية على أدق تفاصيله، من خلال المعلومات التي استطاعت الحصول عليها من لقاءات التنظيم الدولي وكلها معلومات لم تكن تعرف بها من قبل وعلي ضوئها وجهت أكبر ضربة للتنظيم الإخواني غير المعلن في عمان.

خطة تصفية التنظيم

القناعة السائدة التي تدعمها التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم عموما تؤكد أن القيادة المصرية وعلي رأسها الهضيبي بدأت فعلا في وضع خطة تصفية التنظيم الدولي تمهيدا للتخلص منه وهي الخطوة التي لن تجد معارضة لها شأن من الداخل أو الخارج حتى من أشد معارضي الهضيبي. فالقيادات المصرية إذ ستجد في ذلك حلا يريحها من التضارب الواضح بين اللائحة المنظمة للجماعة والواقع الفعلي الذي تعيشه على الأقل في مسألة اختيار المرشد الذي يختار معه ثمانية أعضاء من البلد نفسه، إضافة إلى خمسة آخرين يمثلون الأقاليم المختلفة، في حين أن الواقع يقول إن قيادة الجماعة كلها مقصورة على مصر ولا وجود لأي عنصر من خارجها. كما أن اللائحة تقبل ضمنا بمبدأ نقل قيادة الجماعة خارج مصر في حال اختيار مرشد غير مصري وهو ما لن تسمح به القيادة المصرية بأي حال، بغض النظر عن مدى رضاها بشخص الهضيبي الذي يلقى معارضة بين الإخوان المصريين وجاءت أحداث 11سبتمبر عام 2001لتعطي المبررات الكافية لهذه التغيرات وتقطع الطريق على أي معارضة محتملة من قيادات التنظيم الدولي على تصفيته حيث تعيش هذه القيادات حالة كمون اضطراري لا يتوقع أن تنتهي قريبا في ظل حالة الحصار والملاحقة الأم
نية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة والتي كان آخر ضحاياها الملياردير الإخواني يوسف ندا الذي ضاعت كل ثروته ومعها استثمارات إخوانية ضخمة وظل لمدة يلاحق قضائيا في أوروبا وأمريكا في إطار الحملة الأمريكية على ما أسمته بالإرهاب قبل أن يخفت الحديث عنه ويسدل عليه الستار مع تحول الحملة الأمريكية إلى العراق.
ط
وهناك قناعة لدى كثير من القيادات الإخوانية الفاعلة بأن التنظيم الدولي للإخوان ولد في التوقيت الخطأ فتأسس في وقت تنهار فيه التنظيمات العالمية العابرة للقارات، خاصة إذا ما كانت معارضة وسرية ومطلوبة من قبل أنظمتها وأن الأفضل هو البحث عن صيغة أخرى للتنظيم الدولي تكون أكثر قبولا واتساقا مع الواقع العالمي الجديد بأن يتحول التنظيم مثلا إلى منتدى فكري أو سياسي بعيداً تماما عن الطابع التنظيمي والسري والصورة المقترحة لا تبعد كثيرا عن فكرهما المناسب بتيارات صارت تسير عكس حركة التاريخ.
لذا يتوقع الجميع أن أول ما سيفعله مأمون الهضيبي المرشد المنتظر للإخوان أن يصوب رصاصة الرحمة على التنظيم الدولي الذي ينتظر الوفاة الرسمية، بعد أن صار يعاني الموت الإكلينيكي بعد 11سبتمبر.

مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ( 3- 4)

الانفصال بين الجيل القديم والجيل الجديد، الاهتمام بالعمل السياسي على حساب العمل الدعوي، عدم القدرة على الواقع السياسي، المتغيرات المستقبلية للتنظيم على المستوى القطري في مصر والمستوى الدولي، موقف الدكتور يوسف القرضاوي من المرحلة الحالية التي تمر بها الجماعة، احتكار مصر لمنصب المرشد العام، الاجتماعات السرية مع الأوربيين، الغليان المكتوم في صفوف القادة الدوليين، تصريحات الهضيبي التي رفعت سور العداء والتفرقة. هذه بعض عناوين ما تتناوله هذه الحلقة حول مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

ومن يقرأ مشوار الجماعة يجد أنه على مدار السنوات انتقل الإخوان إلى العديد من أقطار العالم إلى أن تبلورت صورة الإخوان الحالية في تنظيم مصري سياسي يقود تنظيما دوليا من خلال شبكة شديدة التعقيد غير مسبوقة في بيروقراطيتها، إلا أنها أيضا فريدة في ترهلها ومنغمسة في شيخوختها، وإذا كان المعتقد والمظنون في ضمير المسلمين وفي عقليتهم الجمعية - خاصة بعد أحداث سبتمبر - أن الحركة الإسلامية ينبغي أن تكون في طليعة النخب المثقفة الواعية، معبرة عن وجدان الأمة، قاطرة لرؤى التغيير فيها ووفقا لهذا فإن الحركة الإسلامية - بأجمعها - وفي القلب منها جماعة الإخوان تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضي لنوع من النقد الذاتي يمارسه أبناؤها فرادي أو مجتمعين، خفية أو علانية للاستفادة مما سبق والبحث عن الخلل وتحديده على ضوء المتغيرات الدولية الآنية.
ثروت الخرباوي آخر المنفصلين عن الجماعة يقرأ حالة الإخوان ويؤكد أنها تمر بمرحلة "أزمات" بدأت في الظهور منذ وفاة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني - رحمه الله - وقد اختلف المحللون حول مبعث هذه الأزمات فمنهم من ألقى بتبعة "الأزمة" على الحكومة ونظرتها الأمنية للإخوان أو بالأحري الحل الأمني الذي انتهجته الحكومات تجاه حركة الإخوان ومنهم من ألقى بالتبعة على الإخوان بسبب استغراقهم في العمل السياسي الحزبي إلا أن كلا من الفريقين لم يقترب من الصورة الحقيقية "للأزمات والأوجاع والترهلات" تشخيصا لها أو تحذيرا منها أو بحثا عن الوسائل الفعالة لمحاربتها.
وأبرز أزمات الإخوان التي تتحكم في مستقبل حركتهم حسب ما رصد الخرباوي هي: مشكلة التنظيم من حيث شكله ومن حيث مقره. والانفصال بين الجيل القديم والجيل الجديد. والاهتمام بالعمل السياسي على حساب العمل الدعوي. وعدم قدرة الجماعة على قراءة الواقع السياسي فضلا عن عدم قدرتها على التعامل معه.

في ذمة التاريخ

أما عن مشكلة التنظيم، من حيث شكله ومقره، فهي تقودنا إلى تفريعات عديدة تتعلق بالتنظيم الدولي وهل آن الأوان لكي يدخل في ذمة التاريخ وهل هناك من جدوي لبقائه على ما هو فيه.

وفي النسق ذاته أبدي الدكتور يوسف القرضاوي مخاوفه من جمود حركة الإخوان ودعا الإخوان إلى البحث عن وسائل جديدة تدفق الدم في شرايين العمل الإسلامي، حيث حذر في كتابه الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد "من المخاطر التى تتعرض لها. وقال لم يكن حسن البنا جامدا بل كان دائم التجديد والتطوير للوسائل والأساليب في أبنية الحركة ومؤسساتها وأنظمتها ولن يضيق الشهيد حسن البنا في قبره إذا خالفه بعض أبنائه وأتباعه في قضية من القضايا ولا يوجد مانع شرعي ولا عرفي ولا عقلي من إعادة البحث في الوسائل والأنظمة التربوية داخل الجماعة مثل نظام الأسرة والكتيبة وكذلك البحث في الوسائل السياسية في ضوء المستجدات والمتغيرات المحلية، ذلك أن الجمود آفة من آفات الفكر الحركي المؤطر وهو عائق من العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية وما يحدث الآن هو الجمود على شكل معين في التنظيم وعلى وسائل معينة في التربية وعلى صور معينة في الدعوي ومن حاول أن يغير في هذا الشكل أو تلك الوسيلة قوبل بالرفض الشديد أو الاتهام والتنديد".

أما المشكلة الكبري الأخري فهي احتكار مصر للتنظيم كدولة المقر فمنها يكون المرشد ومنها يكون أعضاء مكتب الإرشاد وفيها يكون المقر العام للإخوان المسلمين.

وقد ثار تساؤل في العديد من الأقطار العربية والإسلامية التي يوجد فيها تنظيم رسمي وعلني للإخوان، لماذا لا ينتقل المقر العام للإخوان المسلمين من مصر مادام أنه غير مسموح لها بالحضور الرسمي؟ ولماذا يظل المرشد دائما وأبدا من دولة المقر مصر؟ ولماذا كذلك يكون أعضاء مكتب الإرشاد من داخل مصر؟ ولماذا تكون قنوات الاختيار دائما وأبدا قنوات مصرية؟

فإذا كانت اللائحة الأولي للإخوان المسلمين توجب هذا الاختيار - أو بالأحرى لا تناقش غيره - فقد كان ذلك لازما وقتها لأن تنظيم الإخوان عندما نشأ في بادئ الأمر كان تنظيما مصريا محليا وقد نشأ وفق قانون الجمعيات القائم وقتها ووفقا لدستور 1923فكان من الضروري والحتمي - واللائحة تسير على نهج القانون - أن تشترط اللائحة المشهرة والرسمية أن يكون المرشد مصريا وأن يكون أعضاء مكتب الإرشاد من أهل مصر وأن حكومة دولة المقر هي مصر. أما وقد تم حل التنظيم - أو الجمعية الإخوانية - في مصر رسمياً وأصبح الإخوان تنظيما دوليا فإنه تكون قد زالت ضرورات تمصير المواقع والمقرات وأصبح حتميا تدويلها وفقا للمصالح المرسلة.

كما أنه لا ينبغي أبداً الثبات على دولة واحدة للمقر، في حين أن أفراد الإخوان في هذه الدولة يحاكمون ويحاصرون فيكون من مصلحة الإخوان نقل مقرهم إلى دولة تسمح بوجودهم رسميا.

وقد صدرت دراسات عديدة من الإخوان في بلدان العالم وخاصة في الكويت تطالب بنقل المقر من مصر، و صدرت دراسات إصلاحية في لبنان والأردن طالبت بضرورة تدويل المناصب الإخوانية ومنع احتكار الإخوان المصريين لها إلا أن هذه الأصوات لم تلق سامعا لها أو مستجيبا لهم، باستثناء إنشاء مواقع جديدة يوضع بها بعض إخوان العالم بغير صلاحيات لمجرد ذر الرماد في عيون الإصلاحيين ليس إلا.

أهل الكهف

أما عن الانفصال بين الجيل القديم و الجديد فيري الخرباوي، وهو صاحب تجربة حقيقية داخل الجماعة بات ملحوظا، خاصة في السنوات الأخيرة. وإذا كان الجيل القديم له سبقه وجهاده إلا أنه انفصل تماما عن واقع الناس وأصبح هذا الجيل في معظمه - إلا من رحم ربي - مثل أهل الكهف. لم ير أحد فضلهم وجهادهم إلا أنهم خرجوا من كهفهم - كما خرج الإخوان من السجون - لا يدرون عن الأمر الواقع الجديد شيئا ولا يفقهون فيه حديثا، فقد غابت جماعة الإخوان فكرا وجسدا عن العمل العام لسنوات عديدة ثم عندما عادت الجماعة للحياة مرة أخرى إذا بمن أعادوها هم مجموعة من الشيوخ كبار السن مقطوعي الصلة بالواقع يحملون في نفوسهم ثارات أثرت على اندماجهم الحقيقي بالواقع وأدت إلى فجوة نفسية عميقة بينهم وبين العديد من الفصائل السياسية.
وفى الوقت ذاته، شهدت أروقة الجماعات المصرية بشكل ملحوظ - في إبان السبعينيات - حضوراً ونموا فى الأنشطة الإسلامية. الأمر الذي أدي إلى صياغة هذه الأنشطة في شكل كيانات تنظيمية حركية تحت اسم "الجماعة الإسلامية" التي أصبح لها هيكل تنظيمي مؤطر ولها على مستوى الجمهورية أمير يقود حركتها - كان آنذاك حلمي الجزار وهو أحد قيادات الإخوان حاليا - وكان التقى شيوخ الجماعة وعلى رأسهم الأستاذ التلمساني والحاج مصطفي مشهور والأستاذ جابر رزق والأستاذ عبد المتعال الجابري، حيث قاموا بإدخال معظم أبناء الجيل الجديد داخل الإطار التنظيمي للجماعة. وكان ذلك بمثابة الحل السحري لمشكلة شيخوخة الجماعة وانقطاع صلتها بالأجيال الجديدة.

وعن طريق النخب المنتقاه من أبناء الجيل الجديد عادت دعوة الإخوان من جديد للحياة وكان الأمل يحدد في أن تقود الجماعة المجتمع نحو نهضة حقيقية، إلا أنه سرعان ما خاب أمل الجميع في إمكانية حدوث هذه النهضة، إذ إن الأجيال الجديدة لاحظت على مدار سنوات افتقاد الجماعة للإدارة الديمقراطية وسيادية الشكل العسكري والغلو التنظيمي على حساب العمل للإسلام وانعدام قنوات الحوار وإفراغ الساحة لمن يقدمون الولاء العاطفي.

وهو ما جعل الجماعة في حالة طرد مستمر للكفايات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة، فضلا عن الملاحقة المستمرة للمجددين والمفكرين داخل الجماعة. في هذا الإطار يرى المراقبون أن ما يحدث "حالة نزف للمفكرين فقد ضاق التنظيم بالمجددين وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي وكمال الهلباوي بينما يزيد جنود السمع والطاعة لدرجة أن التنظيم أصبح هو الذي يحملهم وليسوا هم الذين يحملونه!!".

حتى إن الدكتور القرضاوي عبر عن مخاوفه هذه بقوله إن أكثر ما يخشاه على الإخوان المسلمين هي أن "تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وأن تغلق المنافذ في وجه التجديد والاجتهاد وأن تقف عند لون واحد من التفكير وعندئذ تتسرب الكفايات العقلية من بين صفوف الحركة ولا يبقي إلا المحافظون المقلدون".

وهذا ما حدث بالفعل، إذ لم يتحمل معظم الجيل الشاب الواحد على الإخوان الممارسات الديكتاتورية القمعية وبدأ بعضهم يصاب بإحباط فيقبع في مكانه مصابا بالجمود والشلل الفكري ويخرج بعضهم هربا ونجاة بعقولهم وقلوبهم. كما خرج حازم أبو إسماعيل ابن الشيخ صلاح أبو إسماعيل و خرج الدكتور إبراهيم بيومي غانم والدكتور حامد عبد الماجد والدكتورة هبة رؤوف وهشام جعفر فضلا عن خروج مجموعة هم نبذة العمل الإخواني مثل أبو العلا ماضي ود. محمد عبد اللطيف ود. صلاح عبد الكريم ومهندس محمد السمان وغيرهم ومازال مسلسل الخروج مستمرا. ولم يبق إلا مجموعة قليلة من الشباب - أو قل كانوا شبابا فيما مضي إذ هم الآن في الخمسين من أعمارهم - يحاولون مناطحة الصخر على وهم أنهم سيصلحون الواقع السيئ وينتصرون لدعوة التجديد.

المعترك السياسي

أما الاهتمام بالعمل السياسي التنافسي على حساب العمل الدعوي، فقد أصبح الهم الأكبر الذي يؤرق الفاهمين. وإذا كان حسن البنا مارس العمل السياسي وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين في الأربعينيات من القرن العشرين، إلا أنه أدرك مغبة تعريض الإخوان للعمل السياسي، وحاول قدر جهده أن يعيد الجماعة إلى حظيرة "الدعوة" الخالصة ولكن الجماعة لم تترك من وقتها فكرة مزاولة العمل السياسي فاصطدموا عن طريق مرشدهم الثاني حسن الهضيبي برجال الثورة واعترفت الكثير من كتابات الإخوان بخطأ الهضيبي الأب في إدارة الأزمة مع رجال الثورة ثم إذ بحركة الإخوان في عهدها الجديد وخاصة من بداية عهد حامد أبو النصر تتحول إلى حزب سياسي يحمل راية المواجهة الانتخابية ويعادي كل الفصائل والأحزاب السياسية القائمة.

وفكرة المواجهة الانتخابية وإن كانت تصلح للأحزاب السياسية، إلا أن الإخوان كحركة "دعوة" "إصلاحية" رفضت أن تتحول إلى "حزب" في الوقت الذي صممت على "ممارسات الحزب" للسياسة فوقعت في تناقض واضح وهو التصميم على الثبات على شكل الجماعة ورفض شكل الحزب، إلا أنها سعت إلى الممارسة الحزبية، بما سيتتبعه هذا الأمر من خوض الانتخابات في جميع المجالات ومزاحمة الحكومات القائمة مما يؤدي إلى تأليب هذه الحكومات على الإخوان. والإشكالية الكبري التي تتفرغ من هذا الخلط هو أننا بحسباننا أصحاب دعوة وأصحاب حركة إصلاحية نسعي دائما إلى دعوة الناس للمنهج الوسطي للإسلام وإلى كسب ود الجماهير وإلى مخاطبة النخب السياسية والفكرية بما يقربهم من فكرة شمولية الإسلام ثم إذ بنا في الوقت نفسه نسعي إلى المنافسة الانتخابية معهم - بما تخلقه من عداوات - وهوما يترتب عليه استنفار هذه القوي ضد الدعوة الحركة الإصلاحية.

أما عن عدم قدرة الجماعة على قراءة الواقع السياسي فضلا عن عدم قدرتها على التعامل معه فيبدو ذلك واضحا في قراءة الخرباوي للمشهد إبان العدوان على العراق وأحداث انتفاضة فلسطين حيث ثار تساؤل كيف تقدم الجماعة أثناء الانتخابات البرلمانية آلاف المعتقلين ولا تقدم معتقلا واحدا في أحداث الانتفاضة الفلسطينية وإبان العدوان على العراق؟
؟

وما هو تبرير تصريحات الهضيبي بأن تعبير الجهاد يساء استخدامه؟ وكيف نفهم الاجتماع السري الذي عقده بعض قادة الإخوان مع ممثلين أوروبيين رسميين ومنهم بريطانيون بالقاهرة قبل عدة أسابيع، وهو ما سمي اجتماع الإخوان بالنادي السويسري؟ وكيف نفهم الطلب الملح الإخوان بالالتقاء ببعض المسئولين الأمريكان؟

هذا بعض من كل واقع حركة الإخوان، بفضل شيخوخة من يحكمها تحولت إلى عقل عصفور وجسد ديناصور يبحث عن أولويات خاصة به هو ويقدمها على أولويات الأمة العربية. كما يقدمها على أوليات الأمة الإسلامية بأكملها. لذلك لا مانع لدي عقل العصفور أن يعمل من أجل التنظيم فيجاهد شباب الإخوان للحبس مدد تطول أو تقصر في سبيل هذه الغاية ثم لا يعمل من أجل الانتفاضة إلا بعمل متفق عليه سلفا مع الحكومة وفي إطار شبه رسمي بزعم عدم تعريض الإخوان للحبس! كما أنه لا مانع لديه من أن يقدم العشرات من النقابيين المتميزين إلى المحاكم العسكرية في سبيل استمرار الحضور القومي في النقابات المهنية ولا يقدم معتقلا واحدا احتجاجا على الاعتداء على دولة عربية وينأي بنفسه عن المشاركة فى كافة الفصائل بل ويطلب "عقل العصفور" ممن قصده طالبا مشاركة الإخوان في مظاهرة أن يحضروا له موافقة مكتوبة من الأمن!! والحديث يطول ولا ينتهي عن عدم فهم الواقع السياسي وعم القدرة على التعامل معه. الأمر الذي أدى إلى أزمات حاكمة بددت أمن وأمان أفراد التنظيم وجلبت سخطهم إلا أنه مازال مكتوبا يدور داخل المرجل.

إنهاك الأمن

كانت هذه هي الأزمات الحاكمة في الإخوان المسلمين، إلا أنني أستطيع التأكيد على أن الجماعة على المدى القريب لن تحاول تصحيح أخطاءها وستعمد إلى إجراء بعض التغييرات الشكلية لكن ستظل مقدمة لمصلحة التنظيم على مصلحة الأمة وستخوض الانتخابات البرلمانية والنقابية في كافة الدول العربية - وليس مصر فقط - بكثافة غير مسبوقة اتباعا لخطة "إنهاك الأمن" وستمارس السياسة الحزبية بكل ما تولده من إشكاليات وأزمات. وفي النهاية يصل الإخوانى ثروت الخرباوي في قراءته للأحداث إلى أنه ستظل أشكال التنظيم الدولي باقية كما هي لن يطرأ عليها تغيير ويدرس كل تنظيم في بلده تجربة تركيا - كما كان يدرس تجربة إيران - من أجل الوصول للحكم وسيسعي الإخوان لتعميق صلاتهم السرية مع الولايات المتحدة وعقد صفقات معهم إذ تولد الشعور بأن في الأفق إرهاصات واقع جديد قد يكون للإخوان مكانا مؤثرا فيه.

أما حركة الإخوان فسوف تتآكل من الداخل إلى أن تنقرض أو تكاد وأما أنها ستختفي من على سطح الأحداث ضعيفة مترهلة غير قادرة على فعل يغلب عليها الخمول وتنضوي في كهوف النسيان.

ويترتب على ذلك أن تنفصل حركات الإخوان في بلدان العالم عن الحركة الأم بمصر وينهار التنظيم الدولي وقد بات هذا الأمر وشيكا خصوصاً وقد انفصلت بعض الدول تنظيميا عن مصر كما أن الكثير من الدول الأخري بات الخيط الذي يربطها بمصر هو "الخيط الرفيع".

على صعيد متصل فإن المهندس أبو العلا ماضي، أحد الذين خرجوا من الإخوان وأثاروا جدلا واسعا في الأوساط الإسلامية أكد أن الإشكال الأكبر والذي برز منذ سنوات أن هناك عدة حكومات عربية ودولية تتعقب هذا التنظيم وهو غير مسجل بصورة قانونية في أي مكان وتضيق عليه ويترتب على وجوده أخطار وأضرار للحركة ولأفرادها وما يتم من نقاط إيجابية أقل بكثير من سلبياته وعليه فقيادة الجماعة عليها الاختيار بين الاستمرار في هذا الوضع من بقاء التنظيم الدولي أو إعلان تجميده أو حله والاكتفاء بالتنسيق والتبادل الفكري والثقافي.

ويذكر أبو العلا في دراسته أن هناك إصلاحا في الحركة ففي المدة الأخيرة من عمر الجماعة أي منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن كانت هناك محاولات للإصلاح إما من أفراد أو مجموعات.

أما بالنسبة للمحاولات الإصلاحية من الأفراد، فقد جاءت من علماء أو مفكرين أو حركيين، بعضهم كانت له صلة بالجماعة ثم انقطعت وبعضهم كانت له صلة واستمرت، وإن كانت أغلب هذه المحاولات الإصلاحية كانت بالكتابة والتعبير عنها إما في كتب أو دراسات أو مقالات.

من هؤلاء فضيلة الشيخ المرحوم محمد الغزالي وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والمرحوم الأستاذ عمر التلمساني والمرحوم الأستاذ صلاح شادي والمرحوم الأستاذ جبار رزق وكذلك كتابات الدكتور عبد الله النفيسي (الكويت) والأستاذ فريد عبد الخالق (مصر) والمرحوم الشيخ سعيد حوي (سوريا)، وخاصة كتاباته الأخيرة، والأستاذ كمال الهلباوي والشيخ راشد الغنوشي (تونس)، والمرحوم الأستاذ عبد الحليم أبو شقة والأستاذ فتحي يكن والشيخ فيصل مولوي (لبنان) كذلك كتابات مجموعة من المفكرين المستقلين أمثال المستشار طارق البشري والدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور محمد سليم العوا والدكتور جمال عطية والدكتور سيد دسوقي.

أما فيما يتعلق بمحاولات إصلاحية من مجموعات فقد أكدت دراسة أبو العلا على أنه من أهم المجموعات التي حاولت القيام بدور إصلاحي للحركة سواء على مستوى الرؤى الفكرية أو الإصلاح الحركي:

1- جناح د. حسن الترابي في السودان الذي قدم رؤى إصلاحية واصطدم بفكرة البدهية للقادة في مصر والارتباط الوثيق معها.. ثم التنظيم الدولي الذي أدي إلى خروج الجسم الرئيسي للحركة في السودان عن حركة الإخوان في مصر وبقي جناحاً ضعيفاً جداً تمسك باسم الإخوان وبالارتباط بالجماعة في مصر.

2- مجموعة حركة النهضة في تونس وهي الحركة التي كان لها رؤى أكثر استنارة ونضجا واختلفت كثيرا عن رؤى الجماعة الأم في مصر وإن ظلت جزءا من الحركة ولم تنفصل عنها.

3- الجناح الإصلاحي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن والذي تزعمه المراقب الحالي للجماعة بالأردن الأستاذ عبدالمجيد زنيبات والتي انتهت محاولاته الإصلاحية بتغيير القيادة القديمة والتاريخية للجماعة بالأردن وعلى رأسهم الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة (أبو ماجد). وكثير من العناصر المتشددة في الجماعة وتجديد جزء كبير من الرؤى الفكرية والسياسية للجماعة هناك.

4- حركة حماس في فلسطين، بالرغم من ارتباطها بالجماعة إلا أن الحركة استطاعت أن تطور خطابها السياسي وخاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع الأنظمة العربية، ولم ترتبط بنظرة الحركة الأم أو حركة الإخوان بالأقطار التي بينها وبين أنظمة الحكم بها مشكلات وصدام مثل سورية ومصر وغيرها.
5- الجناح الإصلاحي داخل الجماعة في مصر، وهو الجناح الذي يتكون من قيادات وسيطة جزء كبير منها كانوا قادة للحركة الطلابية الإسلامية بالجامعات قبل انضمامهم للإخوان وكذلك جزء آخر لم يكن له صلة بهذه المدة، وبدأ دور هذا الجناح بالإصلاح بعد غياب المرشد الأسبق المرحوم الأستاذ عمر التلمساني في العام 1986واستمر في دوره في محاولات تجديد الرؤى الفكرية والسياسية وكذلك محاولات تصحيح أسلوب الإدارة، حتى خرجت مجموعة منه بسبب تكوين حزب الوسط عام 1996بعد اليأس من الاستجابة للتغيير وبقي جزء آخر مستمر في دوره الإصلاحي داخل الجماعي.

احتمالات للمستقبل

السؤال هل هناك صراعات أجنحة؟

بالطبع حركة الإخوان كحركة بشرية إنسانية تخضع لما تخضع له الحركات البشرية من وجود رؤى مختلفة ومن تشكيل أجنحة وفق هذه الرؤى. وبالتالي هناك صراع مكتوم، وإن كان من أدبيات الحركات الإسلامية عموما هو اخفاء الصراع ونفيه وعدم الرغبة في اشتراك أطراف خارجية في متابعة هذا الصراع لكن هذا النفي لا يلغي وجوده داخل الجماعة.
أما فيما يتعلق بالمستقبل التنظيمي للإخوان فقد تناولت دراسة المهندس أبو العلا التغييرات على كافة المستويات. وبالنسبة للمستوى القطري في مصر فأمام الضغوط المحلية على الجماعة وتوافقها مع الضغوط الاقليمية والدولية ضد أغلب المجموعات الإسلامية الراديكالية هناك احتمالان للمستقبل:

1- إحداث تطوير وتغيير كبير في الجماعة على مستوى الفكر والهيكل والتعامل مع السلطة والأطراف السياسية الأخرى وإجراء مصالحة تاريخية، وحل إشكالية الوجود القانوني فتنجو بها الجماعة وتتطور وتستمر وتعطي فرصة تاريخية لقيادات جديدة أصغر سنا من القيادات الحالية التي يدور أعمارها حول الثمانين عاما وهي أكثر كفاءة (أي القيادات الأصغر سنا) وإدراكا للوضع المحلي والإقليمي والدولي.

2- استمرار الحال على ما هو عليه واستمرار حالة الجمود في الأوضاع الفكرية والتنظيمية والقانونية، وبالتالي استمرار حالة الصدام مع السلطة وحالة الخروج لأعداد مؤثرة عن الجماعة خاصة من الأجيال الناضجة والواعية، وبالتالي استمرار الجماعة في حالة ضعف مستمر و حصار ووضعها تحت السيطرة مما يؤدي إلى مستقبل مجهول وغير محمود العواقب.

أما على المستوى الدولي: يمكن القول إنه ليس أمام قيادات الجماعة على مستوى كل قطر والمستوى الدولي سوي واحد من احتمالين:إما حالة كمون، كما هو الوضع الآن، وانتظار انفراج الأوضاع الإقليمية والدولية غير المواتية لاستمرار فكرة تنظيم دولي إسلامي راديكالي، على أمل العودة إلى تنشيط دور التنظيم الدولي للإخوان في حالة حدوث هذا التحسن والانفراج. أو التخلي بشكل نهائي وشجاع عن فكرة التنظيم وإحياء شكل التنسيق وتبادل الأفكار مثل فكرة المؤتمر القومي العربي مثلا الذي ينظمه مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. وفي الوقت نفسه تتوصل الدراسة إلى أن هناك متطلبات للإصلاح على المستويين القطري والدولي:

على المستوى القطري بشكل عام: واجب تجديد الخطاب والرؤى الفكرية والسياسية والتخلي عن فكرة الهيمنة والتفرد والسعي إليها والتعامل كأحد مكونات المجتمع، وإدراك المخاطر المحيطة بالأمة وكل قواها بما فيها الأنظمة الحاكمة والانحياز لمصلحة الأمة وتقديمها على مصلحة التنظيم والجماعة.

وعلى المستوى المصري بشكل خاص يجب حسم الإشكاليات بطبيعة الجماعة، أي الاختيار بين إما حزب سياسي أو جمعية دعوية إصلاحية تربوية وفق القانون ويجب قبلها حسم مسألة التصالح مع الدستور والقانون وقبول النزول عليهما مثل مقولات المرحوم عمر التلمساني، ويجب التخلص من فكرة الثأر من النظام الذي بدأ بالنظام الناصري وورثت هذه الروح لأجيال وانتقلت حالة العداء لأصل النظام رغم تغيير الحكم ثلاث مرات. كما يجب العمل على صياغة لوائح أكثر شورية وديمقراطية والالتزام بها وعدم الخروج عليها والأخذ بأساليب الإدارة الحديثة والمشاركة في صنع قرار.

وعلى المستوى الدولي: التخلي عن فكرة التنظيم الدولي لأنها فكرة انتهي زمانها ويترتب عليها من الأخطار والأضرار أكثر مما يترتب عليها من الفوائد والإيجابيات كما ذكرنا، أو يستبدل بها فكرة مثل المؤتمرات الفكرية التنسيقية التي تنظمها بعض التيارات الفكرية مثل التيار القومي، من وجوب الالتقاء على تبادل الأفكار والآراء دون التزام تنظيمي والعودة إي الإخوان كمدرسة ناجحة عن فكرة التنظيم الدولي غير الناجحة.

مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ( 4- 4)

تتناول هذه الحلقة أهم الأزمات التي أثرت سلبا على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأزمة جيل الوسط مع تصريحات مرشدها الخامس مصطفى مشهور والحصار الذي فرضته أحداث 11من سبتمبر 2001على الجماعة ، والجمود الذي أصاب قادة التنظيم في مصر ، وموقف المفكر الفرنسي جيل كيبل أستاذ العلوم السياسية من سلطة المرشد العام ، ونظرة الدكتور عبدالله النفيسي للإخوان في الأقطار العربية ، ومسؤولية إخوان سورية عن أحداث مدينة حماة والتكتيكات الفلسفية الخاطئة التي عصفت وستعصف بالتنظيم . المحامي عاطف عواد أحد أعضاء الجيل التجديدي وأحد المراقبين لحركة الجماعة يرى أن هناك أزمات أثرت على الجماعة وعلاقتها بالتنظيم الدولي ومن ثم ستؤثر بشكل واضح على مستقبله وتبلورت في الآتي : أولا : بيعة المقابر،كان مصطفى مشهور رحمه الله النائب الأول للمرحوم محمد حامد أبو النصر مرشد الجماعة وقتها ، وكانت علاقته قوية بالتنظيم الدولي، كان الرجل الثاني في التنظيم الخاص واشتهر عنه بأنه رجل تنظيمي من الطراز الأول على رغم بعده عن الأضواء وعدم فصاحته وحنكته السياسية

إلا أنه كان يمسك بخيوط التنظيم الدولي ببراعة وكانت مسألة توليه لمنصب المرشد العام للجماعة بعد وفاة حامد أبو النصر تحمل شبه اجماع ، ولاخلاف حول هذا الأمر ، .و كانت هناك إجراءات لا بد من أن تتبع في هذا الشأن وفقا للائحة الأخوان والحصول على موافقة التنظيم الدولي قبل الإعلان وذلك بعد ترشيح المرشد من قبل مكتب الارشاد في مصر ، ولأسباب لا يعلمها أحد في وقتها فاجأ المستشار مأمون الهضيبي النائب الثاني والمتحدث الرسمي باسم الجماعة الجميع باعلانه البيعة لمشهور أمام جمهور المشيعين لجنازة حامد أبو النصر وداخل المقابر وأخذ يردد عبارات البيعة ويردد خلفه بعض شباب الاخوان لهذه العبارات . ليس لهم حق الانتخاب اصلا ، وسط صمت وذهول أعضاء مكتب الإرشاد الحاضرين والذين فوجئوا كغيرهم بهذا التصرف من قبل الهضيبي وكذلك وسط استغراب من ممثلي الدول العربية والأوربية من الإخوان الذين استطاعوا حضور تشييع الجنازة وأطلق على هذه الواقعة بيعة "المقابر" .

كانت أزمة الوسط في هذه الآونة في بدايتها وأبدى شباب الوسط انتقادات لاذعة لقيادة الجماعة حول طريقة اختيار المرشد وأبدى مصطفى مشهور وقتها دهشته لهم من تصرف الهضيبي وأنه فوجئ به ولم يعرف ساعتها ماذا يفعل وهذا التصرف ،من قبل الهضيبي كان من وجهة نظر المراقبين الخطوة الأولى لتجاهل التنظيم الدولي وضرب عرض الحائط باللوائح التي تحكم سير الإخوان من قبل مأمون الهضيبي الذي بدأ يفرض سطوته على إدارة الجماعة من خلال قدرته على المناورة والسياسة وضعف الجانب السياسي لدى مشهور .

وقد فسر بعض المراقبين أن ما فعله الهضيبي في بيعة المقابر على أنه محاولة ليكون له فضل على مشهور بعد ذلك ويستطيع أن يشارك في إدارة الجماعة .وكان من مشهور أن احتفظ بالهضيبي النائب الأول له ومتحدثا رسميا للجماعة .وهو المنصب الإعلامي الوحيد في الجماعة والذي يرفض إلى الآن الهضيبي أن يزاحمه فيه أحد ، على الرغم من كونه أصبح مرشدا للجماعة ، وهنا يؤكد عاطف عواد على أن ذلك أثار حفيظة التنظيم الدولي وحدثت خلافات واسعة ، وتحفظ إخوان سورية وأوروبا وأمريكا على هذا الاختيار لفترة. وكان التحفظ كما ذكرت ليس على شخص المرشد ولكن على الطريقة التي تم اختياره بها والذي ابتدعها الهضيبي وحاول مكتب الإرشاد في مصر إصلاح العلاقة مع التنظيم الدولي ومحاولاً التخفيف من الانتقادات التي وجهت للجماعة خاصة بعد انفصال إخوان الكويت عن التنظيم الدولي والجماعة في مصر .ومن قبلهم استقلال د . حسن الترابي في السودان ومعه العدد الأكبر من الإخوان وتحقيقهم نجاحات في التغلغل في السلطة والسيطرة عليها ، ما ضاعف من قوة فكرة الانفصال لدى البعض ضد أعضاء التنظيم الدولي .وحاول مكتب الإرشاد إصلاح الأمر فيما بعد بمحاولة أخذ البيعة اللاحقة لمشهور بعد إعلان تنصيبه م
رشدا للجماعة .الوضع الذي اعتبره البعض مسرحية هزلية حيث إن موافقتهم من عدمها لا قيمة لها في هذا الوقت .كما حاول مكتب الإرشاد اختيار نائب ثان للمرشد من سورية لتخفيف حدة الانتقادات التي بدأت توجه إلى مصر وبدأ الحديث عن لماذا يكون المرشد من مصر ولماذا يكون مقر الجماعة ضروريا في مصر وهذه أسئلة ونقاشات لم تكن تثار من قبل مما دل على أن رابطة التنظيم الدولي بالجماعة في مصر بدأت تتفكك شيئا فشيئا ، وهذه كانت فقط المحطة الأولى إلا أنها لم تكن الأخيرة فقد تبعها وتلاحق معها محطات أخرى .

ثانيا : أزمة الوسط وتصريحات مشهور .

كانت أزمة الوسط قد بدأت تتفاقم ، وتزامن هذا مع تصريحات مصطفى مشهور لإحدى الصحف عن الجزية وعلاقة المسلمين بالأقباط .وهذه التصريحات أثارت ردود فعل غاضبة على المستوي الداخلي وصل لحد إقامة أحد المحامين الأقباط في مصر قضية سب وقذف ضد مصطفى مشهور ،ووصلت على المستوى الدولي للتنظيم أن طالبوا بتعيين مستشار سياسي لمشهور يراجع تصريحاته وأحاديثه قبل نشرها ،حيث إن مثل هذه التصريحات المتعلقة بالمسيحيين تضر بالإخوان المقيمين في أمريكا وأوروبا وسائر بلاد العالم ذات الأغلبية المسيحية وتسبب لهم حرجا شديدا، ناهيك عن اختلاف هذه التصريحات عن قناعات الإخوان أنفسهم .وزاد من حدة انتقاد بعض أعضاء التنظيم الدولي لتصريحات مشهور بعد أن نشر على لسانه ترحيبه بفكرة إنشاء حزب الوسط بهذه الخطوة .الأمر الذي أعطى عدم صدقية لتصريحات المرشد وقتها وأحدث شرخا في العلاقة بين التنظيم الدولي وقادة الجماعة في مصر وبخاصة بعد الضغط على أعضاء الحزب من الإخوان لإلغاء التوكيلات التي صدرت عنهم لوكيل المؤسسين وقتها أبو العلا ماضي ، والوقوف ضد إنشاء هذا الحزب .

وطالب د . كمال الهلباوي مسؤول الإخوان في أوروبا من قادة الجماعة عدم الوقوف ضد فكرة إنشاء الحزب وكان طلب الحزب رفض من الحكومة المصرية وقام أبو العلا ماضي بالطعن في قرار لجنة شؤون الأحزاب أمام محكمة مجلس الدولة ، وإذ بالإخوان يصرون على الحضور بالجلسة وتقديم إلغاءات التوكيلات إلى المحكمة والمطالبة برفض الحزب ما أثار استياء الكثيرين من أعضاء التنظيم الدولي ودعا د . الهلباوي إلى الاستقالة من الإخوان ورفضه استكمال المضي في هذا الطريق بهذه الصورة وهو ما أثار ردود أفعال كبيرة داخل التنظيم الدولي وساعدت على زيادة تمزيق الرابطة بين التنظيم الدولي والجماعة في مصر خاصة وأن د . كمال الهلباوي كان يمثل عنصرا فاعلا ومتميزاً من عناصر التنظيم الدولي .
ثالثا : أحداث سبتمبر أيلول 2001:

في الوقت نفسه جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر - أيلول والإجراءات التعسفية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الجماعات والتنظيمات الإسلامية جاءت سببا جديدا دعا إلى التفكير جيدا في الاستقلال عن الجماعة في مصر ومحاولة العيش في المجتمع الأمريكي باعتبارهم "أمريكان" بالدرجة الأولى وليسوا مواطنين درجة ثانية وروج لهذا الفكر د . حسان حتحوت مدير المركز الإسلامي بكاليفورنيا وأن قضية المواطنة والانحياز للوطن بعد العقيدة والارتباط لهذا الوطن وليس الارتباط بالعالم العربي إلا في حدود أنهم أمريكان مسلمون ،وأن هذا يمكنهم من أداء واجبهم الديني والوطني، ثم جاء قرار روسيا بوضع جماعة الإخوان المسلمين رقم 3على لائحة الجماعات الإرهابية عنصرا جديدا إلى العناصر والأسباب السابقة لبدء التفكير في التخلي عن فكرة التنظيم الدولي والارتباط الروحي به فقط وليس الارتباط التنظيمي العقلي والحركي .

ومن استقراء هذا الواقع وتتابع الأحداث يرى المحامي عاطف عواد بأنه لم يعد يصلح العمل وفق هذا الشكل الموجود في التنظيم الدولي، فإما أن يتغير الشكل والأسلوب وطريقة الإدارة ،وإما أن يصبح التنظيم الدولي في ذمة التاريخ فالأحداث تتلاحق والعالم يتطور ولا يجوز لمثل هذه الجماعة وهذا التنظيم العملاق أن يقف مكانه دون تطوير وأن يسير بفكر الأربعينيات فالقيادة للجماعة في مصر يتولى أمرها مرشد تعدى الثمانين من عمره ومكتب إرشاد متوسط أعمار أعضائه ما بين الستين والسبعين ومن عجب أن قيادة الإخوان في مصر تعتبر الأعضاء الذي وصلوا إلى أواخر الخمسينيات من عمرهم هم الشباب ، في الوقت الذي يتولى الشباب أمر تنظيمات الإخوان في الكثير من دول العالم .فالحقيقة أنه حدثت فجوة بين جيل الشيوخ أو ما اصطلح عليه بالحرس القديم وجيل الشباب أو ما اصطلح عليه بالمجددين .ولا شك أنه مهما كانت خبرة الشيوخ فإن القيادة إن لم تكن شابة تساير الواقع وتعي الإحداث وتتواصل مع كل ما هو جديد فلا أمل للإصلاح ، وسيكون هذا التنظيم بمثابة تاريخ يتغنى به البعض من الشباب كمن يتغنى بأمجاد المسلمين ويبكي عليه البعض الآخر كمن بكى على ضياع الأندلس .

انسداد

و يتصور البعض من الإخوان المسلمين أو قل يتصور أكثرهم أنه لا يمكن أبدا أن ينفصل إخوان التنظيم الدولي عن مصر ولا يمكن أبدا أن تتكون كيانات مستقلة لهذا التنظيم بعيدا عن مصر .ويقينا فإنه لم يخطر على بالهم أن جمود حركتهم على الآليات التي ابتدعها حسن البنا في العشرينيات من القرن العشرين ،سيؤدي إلى تخلفهم عن الواقع سريع التطور، إلا أن تجارب البشر تعلمنا أنه من الممكن أن تنفصل كيانات عن أصولها ثم تنمو وتتطور وتسبق الكيانات الأصلية .فها هو حزب الرفاة في تركيا يتوقف عند حد معين ويختلف رجب أردوغان مع صاحب الحزب نجم الدين أربكان ويخرج أردوغان ليكون حزبا جديدا كان يظن الناس أن حزبه هذا مجرد ورقة سقطت من شجرة مثمرة وأن مآلها إلى الذبول ،فإذا بهذا الحزب الجديد يواكب التطور السريع ويتواءم معه ويتعامل بآليات زمن جديد. فكان أن أصبح هذا الحزب الوليد ملء السمع والبصر يقود تركيا بمرجعية إسلامية بحثت عن صيغة تفاعل مع علمانية تركيا وإذا بالحزب القديم يصبح في ذمة التاريخ .

لذلك ليس من المستغرب أن تنفصل كيانات التنظيم الدولي عن التنظيم أو الجماعة في مصر خاصة وأن معظم كيانات الإخوان في أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية سبقت الجماعة الأم في مصر في حيويتها وقدرتها على التعامل بآليات جديدة وبعقليات مبدعة غير جامدة مثل جماعة الإخوان المسلمين بالأردن وحركة (حماس) في فلسطين ، فضلا عن أن استمرار بقاء الجماعة في مصر معطلة جامدة جعل حركة القلب شديدة البطء وانسدت شرايين العمل الإسلامي الإخواني فأصبح القلب لا يضخ دما نقيا إلى باقي جسد الإخوان في العالم أو على ارجح الرؤى أصبح الدم لا يستطيع المرور في ثنايا الشرايين المسدودة والتي تصلبت .

بشهادة القادة

وربما سكن اليقين داخل قادة الإخوان أنفسهم بأن هناك ترهلا واضحا في صفوف التنظيم الدولي فحسب قراءة الكاتب ممدوح الشيخ فإن إنفراط العقد سيحدث لا محالة. ويستشهد الكاتب بحوار صحافي وصف فيه الدكتور عصام العريان التنظيم الدولي قائلا : " صورة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مشوشة جدا في أذهان الكثيرين فهذا الاسم ضخم جدا ولا يعبر عن واقعه وطبيعته ، ففي كثير من الأقطار العربية والإسلامية هناك تجمعات وتنظيمات للإخوان المسلمين .. ولأنه يوجد تقارب كبير بين هذه التنظيمات في المنطلقات وطريقة التربية والمبادئ العامة جرى هناك قدر من التعاون والتنسيق بين هذه التنظيمات ، ولكن ذلك لم يقلل إطلاقا من استقلالية وحرية هذه التنظيمات في اتخاذ قرارها ورؤيتها وتبني المواقف التي تلائمها لأنها الأقدر على تقييم أوضاعها الداخلية .والصورة التي وصفها العريان بأنها "مشوشة " تدعونا للتوقف لرسم صورة تقرب معنى التنظيم الدولي وتتوقف عند بعض المفاصل المهمة في تطوره ، فقبل أحداث سبتمبر 1981التي اعتقل فيها الرئيس المصري الراحل أنور السادات عددا من قيادات القوى السياسية في مصر سافر مرشد جماعة الإخوان الراحل مشهور إلى الكويت ، ومنها إلى ألمانيا حيث قض
ى هناك سنوات شارك فيها في إنشاء وبناء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي كان تأسس قبل سنوات ولم يستكمل ملامحه ، وكانت تقوم فكرته على ربط تنظيمات ومجموعات الإخوان في البلدان المختلفة في إطار تنظيم واحد يتصف بالعالمية . وشارك مشهور في وضع النظام العام للتنظيم الدولي لضبط حركته . غير أن ذلك يعكس جانبا من الصورة ، فالحركة الإسلامية في بلدان عديدة لم تتقبل فكرة التنظيم الدولي بالصورة التي لعب مشهور دورا كبيرا في بلورتها ، وكان للسودانيين السبق وشاطرهم في ذلك الموقف إخوان العراق ثم توالت مواقف مماثلة ، حيث اعتبر السودانيون العلاقة بين الحركات الإسلامية مجرد علاقة تنسيق وتعاون دون إلزام أو التزام ، وأرادوا التنظيم الدولي محض هيئة استشارية وقناة لتبادل الخبرات بينما اعتبرها المصريون علاقة بيعة لهم ملزمة ، ورأوا التنظيم وحدة اندماجية بقيادتهم . وسكت الطرفان على ما في النفوس ، وقبلا نوعا من التعايش داخل التنظيم الدولي بضغط من المحنة التي كانت تعيشها الحركة المصرية .

وكان للسودانيين حضور كبير في التنظيم الدولي ، خصوصا وأن مكتب العلاقات الخارجية في الحركة السودانية نجح في الوصول إلى وفاق حول صيغة التنسيق مع التنظيم الدولي ، وعاد إخوان مصر وعرضوا على السودان الرجوع إلى علاقة توحيدية تضع التنظيمات في مختلف الأقطار بل الأمصار موضع سياسات الجماعة وموقفها ،كما يحددها مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الارشاد العام ، قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي هام .كما ينص النظام العام على أن اللائحة الداخلية المنظمة لشأن الحركات الإسلامية محليا "يجب اعتمادها من مكتب الارشاد العام قبل تنفيذها .وكل من هذه النقاط دفعت ممدوح الشيخ للتأكيد على وجود خلل فكري وسياسي وتنظيمي : فالالتزام بمضامين "النظام العام" محليا قيد على الحركات الإسلامية ، وتجاهل لواقعها الداخلي . إضافة إلى أن تسمية تلك الأمور الإجرائية المستحدثة "مبادئ أساسية" يدل على وجود لبس كبير في التمييز بين المبدأ والمنهج ، بين الفكرة ووسائل تطبيقها . فهل هذه هي الوسائل الوحيدة المتصورة شرعا وعقلا في تربية الأفراد وبناء الجماعات ونصرة الإسلام .

والالتزام ب "فهم الجماعة للإسلام المستمد من الكتاب والسنة في نظر المعارضين" هو "مذهبية جديدة وحجر على العقل المسلم ، وسد لأبواب الاجتهاد والتجديد . وهو ما ينطبق على الالتزام" بسياسات الجماعة ومواقفها العامة ، إذ يفيد هامش المناورة السياسية أمام الحركات الإسلامية في بلدانها .

سلطة المرشد العام

في السياق نفسه وحسب جيل كيبيل الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس فان سلطة المرشد العام على التنظيم الدولي للإخوان "معترف بها بطريقة ما " وخصوصا من جماعة الإخوان في الأردن وسورية وفلسطين التي تمثلها حركة (حماس) .

وتعد أخطر الأمثلة على سلبيات فكرة التنظيم الدولي بالشكل الذي يصر عليه إخوان مصر هو المأساة التي وقع فيها الإخوان المسلمون في سورية والتي بلغت قمتها بما يجري في مدينة حماة فالتنظيم الدولي بتدخله في الأمور الداخلية للحركة الإسلامية السورية ، وسوء استيعاب قادته لمعطيات الواقع المحلي في سورية ، لم يكن بعيدا من المسؤولية عن تلك المأساة إذ قام التنظيم حسب روايات إخوانية بتحريض الناس على المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية آنذاك . وعندما سالت الدماء ، وطحنت الرؤوس تحت الأنقاض ، نفض مكتب الإرشاد يده من الأمر بل إن مثل الدكتور عبد الله النفيسي يؤكد أن سوء الموقف داء بارز في ممارسات "مكتب الإرشاد العام" وخاصة في مجال العلاقات السياسية وتفسير الأحداث الكبيرة .

و كان الاحتلال العراقي للكويت مرحلة مهمة في مسيرة التنظيم ،ذلك أن أهمية الإخوان في الكويت تأسست على أيدي عناصر مصريين وكان الاجتياح العراقي بمثابة كارثة على إخوان الكويت إذ أثار الكثير من التوتر مع تنظيمهم الدولي الذي حاول القيام بوساطة مع الرئيس صدام حسين . وبلغت الأزمة التي سببها موقف التنظيم الدولي حد الاضطرار لتغيير اسمهم إلى " المرابطون" ووصلت الخلافات قمتها مع وصول القوات الأمريكية ، إذ ذهب أعضاء مهمون من التنظيم الدولي إلى بغداد .

وبصفة عامة لا يمكن الفصل بين مشكلة الحركة الإسلامية في السودان وغيرها مع التنظيم الدولي عن مشكلتها مع حركة الإخوان في مصر ، نظرا لهيمنة الإخوان المصريين على هذا التنظيم حسب رأيهم . وقد نص "النظام العام" على أن الحركات الإسلامية المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي ملزمة بالآتي :

الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر . وتشمل هذه المبادئ : العضوية وشروطها ومراتبها ، ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي ، الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ . والالتزام بفهم الجماعة للإسلام ، المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين ، والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام . الالتزام الأمريكي في عبارات بدت وكأنها دعم لصدام . عندها علق إخوان الكويت عضويتهم في التنظيم الدولي ولا يزال الفتور قائما رغم عودتهم للمشاركة في الاجتماعات .

ولم تقتصر التناقضات التي أدى إليها إنشاء التنظيم على ذلك فالحركة الإسلامية الكردستانية بوضعها الذي يتسم بالحساسية الشديدة نموذج آخر نحب التوقف عنده ، فهذا التنظيم "الدولي" الذي يعبر عن جماعة ذات توجه إسلامي يتصف بالعالمية أثمرت تجربته مع الإسلاميين الأكراد عن انطباعات سلبية ويعبر عن ذلك أحد القيادات الإسلامية الكردية بقوله إن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية مهتمة بالعرب لا تخرج عن دائرة الشعوب العربية إلا في حالات استثنائية نادرة وقد أسس التنظيم الدولي للإشراف على الإخوان في بلاد الهجرة والاغتراب . والإسلاميون الأكراد يعتبرون علاقة الإخوان بالنظام العراقي السابق مشكلة تعقد علاقتهم بالتنظيم ، ذلك أن دخول بعض أجنحة الإخوان المسلمين الإسلامية العراق مع سكوت أكثر تنظيمات الإخوان هو في حد ذاته شر مستطير وخطر كبير خلق واقعا مظلما ومستقبلا أظلم .

في الوقت نفسه ينتهي الباحث ممدوح الشيخ إلى أن هناك علامات استفهام كبيرة تحيط بمستقبل التنظيم وأن التغيرات في المناخ الدولي تنذر بمصاعب كبيرة ،لكن العجز عن استيعاب الكثير من جماعات الإخوان المسلمين الكبيرة في العالم هو التحدي الأكبر "والغموض الذي يغلف صورة التنظيم حتى في أذهان قيادات الجماعة يؤكد أن بناءه وإدارته محكومة بثقافة السرية التي قد يكون وجودها مفهوما في الداخل نتيجة القمع الأمني لكن بصماتها الواضحة على بنية التنظيم ، وهو عامل سيكون تأثيره في مستقبله أكبر من تأثير الضغوط الدولية المحتلة .

العناية المركزة

وعلى صعيد ذي صلة يرى الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمركز الأهرام والمهتم بتطورات حركة الإخوان ،أن التنظيم الدولي يرقد الآن في غرفة العناية المركزة في حالة حرجة جدا ربما يكتب وفاته في الفترة القادمة لا سيما أنه مقبل على مرحلة خطيرة تمر بها الدول على المستويين الإقليمي والعالمي ، فضلا عن أن التنظيم في العقد الأخير حاصرته مشاكل عديدة في كل قطر عربي على حده . فالتنظيم على المستوى الفكري والفلسفي فكرة عابرة للقوميات ولفكرة الخصوصية نتجاوز كل هذه الأشياء لصالح فكرة التوحيد حول الولاء الديني والإسلامي حسب مفهوم الجماعة ، ومن أهم الأزمات التي هزت قواعد التنظيم أنهم منذ نشأتهم وحتى هذه اللحظة عاشوا على فكرة التوفيق بين اتجاهات متعارضة داخل التنظيم وأخذ ذلك منهم وقتا طويلا أفاقوا بعدها على كوارث يعجزون الآن على تجاوزها ، ووضح ذلك في فترة الثلاثينيات والخمسينيات واستمرت هذه الصيغة " صبغة الإصلاح إما بالسلام أو السلاح " حتى فترة عبد الناصر في السبعينيات والثمانينيات ، وفي الفترة الأخيرة فتح الحرس القديم ملفا جديدا للخلافات مع جيل الوسط مما أدى إلى انشقاق واضح وملحوظ وسط أعضاء الجماعة ،
وبدا أن هناك صعوبة في الحفاظ على شكل وكيان التنظيم ، وانقلب جيل الوسط على الجماعة وبدت الصورة أن فكرة استيعاب التنظيم لأطراف أخرى فكرة مستحيلة ، وبالتالي تراجعت فكرة استيعاب التنظيم الدولي للمناخ الذي تعيشه فيه الجماعة الأم .

من ناحية أخرى فإن الخبير عمرو الشويكي يؤكد أن قادة الإخوان العالميين اكتشفوا أن واقع الجماعة يختلف واقعيا من قطر إلى آخر ووضح ذلك عند إسلاميين مثل الدكتور عبد الله النفيسي ،إذ اعتبر أن هناك خروجا بين إخوان الخليج ومصر ، وأشار أكثر من مرة إلى أن إخوان البلدان العربية الأخرى ينظرون إلى الخليج كمصدر لتمويل مادي فقط .
وعلى صعيد آخر فإن الإحداث المتلاطمة وخاصة بعد أحداث 11سبتمبر وهيمنة الحصار الأمريكي والعالمي على فكرة "الإسلام الأممي" ووصفه بأنه تنظيم عابر للقوميات أمر غاية في الخطورة إذ وضع هذه الجماعة في دائرة الاشتباه ،فلم تكن في وجهة نظرهم المتهم الأول ، كما أن تعرض بعض عناصر التنظيم الدولي لملاحقات وحصار مادي ومعنوي أدي إلى تحجيم نشاط هذا التنظيم بصورة كبيرة .

وفي النهاية يصل د . الشويكي إلى أنه هناك خيارين أمام هذا التنظيم الدولي : الصيغة القديمة التوفيقية واللجوء إلى الحلول الباحثة . والثانية : أن يتحولوا إلى عقل سياسي دون الخلط بين العمل الدعوي والسياسي .

"وكالة الأهرام للصحافة"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى