الخميس ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم عبد الرحيم حمدان حمدان

قراءة في مقال «قارئة الفنجان»

استرعى انتباهي مقال نشر في صحيفة الرسالة التي تصدر بمدينة غزة يوم الخميس الموافق 10/5 /2012 للكاتب " مصطفى الصواف" بعنوان " قارئة الفنجان" ومن الأمور التي راقتني فيه ما يأتي:

أولا ـ العنوان :

يعد العنوان المفتاح الذهبي لفهم المقال كله، إذ لا يستطيع القارئ أن نفهم المقصود من العنوان إلا بقراءة النص بمجمله، وهو مرتبط بكل فكرة وردت فيه، وهذا يشير إلي تماسك المقال ووحدته، كما أنه يحمل دلالات تراثية لقراءة المستقبل والتعرف إليه، فـ "قراءة الفنجان" تحمل قيمة تراثية لها دلالاتها الفنية الخصبة في وجدان المتلقي وذهنه.

ثانيا ـ الفكرة:

تعد فكرة هذا المقال محاولة جادة لفهم الواقع، وإدراك مشكلات الإنسان العربي المعاصر، ففيه عرض لصنفين من المثقفين في فهمهم للواقع المعيش، صنف يدعي فهم الواقع، ولكنه يظل فهماً سطحياً مبيناً على الجهل والجدل والخداع والكذب والزور.

وصنف آخر يفهم الواقع فهماً علمياً مبنياً على المعرفة وإدراك الأمور إدراكاً عميقاً كلياً لا جزئياً، ولم يحدد الكاتب بطريقة جلية إلى أيهما يجنح؛ وإنما ترك ذلك للمتلقي، بيد أنه زوده بمعطيات مبنية على الأسلوب المنطقي والاستدلال العقلي والمذهب الكلامي المؤسس على الأدلة والبراهين. وعرضُ الموضوع بهذه الطريقة إنما هو دعوة جادة إلى الكتاب؛ ليتناولوا قضاياهم وهموم مجتمعهم وقيمه بمثل هذه الطريقة القائمة الإقناع والامتاع.

ثالثاً ـ طريقة العرض:

لمّا كان موضوع المقال ومضمونه يناقش فكرة معرفية تتحدد فيها مصادر المعرفة وروافدها عند المثقفين في بلادنا، وهي قضيه فكرية جافة، لم يشأ صاحب المقال أن يعرضها بهذه الصورة العقلية، وإنما لجأ إلي قالب السرد القصصي الذي يثير في نفس المتلقي الرغبة في مواصلة القراءة، والإثارة والتشويق لمعرفة النهاية؛ ليدفع عنه الملل والرتابة والسأم، إن انتهاج مثل هذه الطريقة التي تعمد إلى صبّ الموضوعات الجادة في قالب قصصي سردي يعتمد على مكونات السرد من حوار درامي بنوعيه: الداخلي والخارجي، والصراع، وأسلوب القطع، والنهاية الدرامية المشوقة، واللغة الدرامية القائمة على التتابع والتركيز، يقول الكاتب في مقدمة المقال بطريقة مشوقة:" وقفتُ أتأمل المشهد من بعيد بعد أن هجرت محرابي وتركت قلمي، وألغيت عقلي لساعة، وأخذت أبحث عن الفهم لدى مَن يدّعي زوراً وبهتاناً بالتنجيم وقراءة الكف والنظر بالفنجان، هؤلاء يدعون علم المستقبل ويقرءون التفكير ويًبصرون ويُبصرون ظانين علم الغيب،... ذهبت إلى العجوز في ركنها المعزول من المدينة، تسكن هناك بعيداً عن الأضواء في ظلمة، دخانها منبعث بقوة، وحولها هرج ومرج وغبار، والكل ينتظر أن يتاح له الوقت؛ ليجلس بين يديها ويشرب فنجان القهوة؛ ليعرف مستقبله ويتعرف على حبيبه وعدوه، يحاول البحث عن ساعة فهمِ لواقع مبهم يكرر مشاهده برتابة .. الموت فيها أقرب من الحياة".
إن في مثل هذا الأسلوب السردي دعوة طيبة من الكاتب إلى أنداده من الكُتّاب لاستخدام الأساليب الدرامية المناسبة في عرض أفكارهم المعاصرة، والاهتمام بالمتلقين واجتذابهم، أما تقديم المقالات الفكرية الثقافية بطريقة جافة، فإنها ترهق المتلقي وتكد ذهنه، وتجعله ينأي عن الاستمرار في مواصلة قراءتها.

رابعاً ـ أساليب السخر:

ويطلق على هذا اللون من الأساليب السخرية السوداء أو السخرية المرة، بيد أنها جاءت هاهنا شفافة رقيقه، إنها كوخز الدبابيس تؤلم ولا تألم، وهكذا يجد القارئ فيها متنفساً للتعبير عن نبذه لمثل هذه الشريحة أو الفئة من الناس التي تتصف بالعجز عن فهم الواقع فهما حقيقياً وتدعى في الوقت ذاته بأنها تفهم .

خامساً – اللغة السردية:

استخدم الكاتب لغة سردية متدفقة فيها ألوان من الحياة والحيوية والإيحاء، وفيها بساطة المفردة وشفافية التركيب، مال فيها إلى الاختزال والاقتصاد اللغوي، وتصفية الأسلوب من الروابط بين الجمل، واستخدام موفق للأفعال المضارعة التي توحي بالحركة والتجدد، وتخدم الحث وتصوره وتنقله للمتلقي بطريقة تثيره وتمتعه، يقول على لسان قارئة الفنجان: "... لستً مَن أقرأ له الفنجان؛ لأن حاجتك ليست عندي، وفنجانك بلا طلاسم، إنه واضح؛ ولكنك باحث عن أمر أجهله وتعلمه، ومجيئك هنا هاربا لا باحثا. عد من حيث أتيت فهذا ليس مكانا للفهم، هو مكان للدجل لمن يعيشون عيشة مترفة ومن أنهكتم الدنيا لجهلهم بها، ويبحثون عن مزيد، هذا مكان الجهل فيه هو من دفع رواده للمجيء، أنصحك أن لا تطلب الفهم من أحد، فالفهم مكانه البحث والتبصر وتركيب جزئيات المشهد المتناثرة لتشكيل الصورة الواضحة، اصبر عليها وستأتيك جاثية على ركبتيها كما يجثو الحبيب لحبيبه، طالبا وده متهاديا بين يديه".
أخيرا أتمني للكاتب الاستمرار في اتباع مثل هذا اللون من الأسلوب؛ ليكون قريباً من القراء قادراً على اجتذاب اهتمامهم لما يكتب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى