السبت ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم علي جمعة الكعــــود

أين الأدب السرياني الحديث؟

لقد عاش الأدب السرياني عصره الذهبي في القرون السالفة على أيدي مجموعة من الأعلام الأفذاذ أمثال: مار أفرام السرياني ومار يعقوب النصيبيني والسروجي وغيرهم..حيث أسّسَ هؤلاء الأدباء مدارسَ أدبية كانت مثالاً للأدب الحق ولكن المريدين من بعدهم هجروا تلك المدارس فلا نكاد نسمع عن أديب سرياني أستطاع حمل الرسالة في العصور اللاحقة. وإذا ما استثنينا الأديبين الشاعرين حنا بهنان السوري والأب يوسف سعيد العراقي الذي رحل مؤخراً فإن الأدب السرياني ماضٍ إلى المجهول فلم تقع عيني على نتاجاتٍ ادبيةٍ سريانية قادرة على قول كلام آخر فالحضارة السريانية الضاربة الجذور أصبحت عقيمةً لم تستطع إنجاب أدباء في العصر الحالي يُراهن عليهم في منح امتداد للمراحل الأولى التي شهدت الطفرة الأدبية.ففي المنطقة التي أطلق عليها بلاد مابين النهرين المتنوعة جغرافياً وسكانياً وثقافياً نلمح ازدهاراً واضحاً للأدبين العربي والكردي وغياباً كاملاً للأدب السرياني باستثناء الشاعرين الذين أسلفت ذكرهما..فالأديب الشاعر حنا بهنان الذي يكتب بصمت قصيدة تستمد حداثتها من المفردة السريانية القابلة للعصرنة بأصالتها المعهودة نجد في قصائده تلك الروحانية التي لم يستطع منشار الحياة أن يشطرها حيث يدور الشاعر في فلكها حاملاً عبء المرحلة التي ابتعد فيها شعبه السرياني عن كل ما يمت للفنون الأدبية بصلة.. هذا وترجمت قصائد شاعرنا بهنان إلى اللغة الفرنسية بجهود الدكتور جورج باهوس لتصدر في باريس في ديوانٍ حمل عنوان (قصائد مختارة) ولتترجم بعد ذلك إلى اللغات الإنكليزية والألمانية والإيطالية وبعدها إلى اللغة العبرية أما الأب يوسف سعيد الذي رحل مؤخراً في السويد بعيداً عن أحبته وأصدقائه ..تاركاً إرثاً أدبياً في الأدب السرياني قوامه الشعر والترجمة حيث ترجم أعمال رواد الأدب السرياني وكان آخر أعماله ترجمة لعدة قصائد للشاعر الكبير مار افرام السرياني والتي نشرت في مجلة فكر الفصلية (العدد شتاء 2012الصادر منذ ثلاثة أسابيع) حيث لم يرَ شاعرنا الراحل الأب يوسف سعيد ترجمته تلك منشورة ورحل مخلفاً غصة كبيرة في قلوب المثقفين العراقيين ..فمكتبة الأدب السرياني خاوية على عروشها وكأنّ الأدب السرياني لم يتأثر بحضارة أهله العريقة حيث تخلى عنه هؤلاء الأهل وربما كان من عوامل جفائهم عدم إتقان الكثير منهم للغة السريانية الأم وتعدد اللهجات فورث هذا العامل فجوة كبيرة بين الأديب والمتلقي نجم عنها هجر الأديب السرياني للكتابة إضافة إلى ذلك التفكير الدائم بالهجرة إلى الدول الغربية سواء من قبل الأدباء أو الناس العاديين منهم وعدم الالتفات إلى الثقافة والأدب أما العامل الآخر فهو اتجاه معظم الكتاب والشعراء السريان إلى الكتابة باللغة العربية حيث تتيح لهم المجال الأرحب في الانتشار في ظل العدد الكبير للقراء العرب والعدد الهائل للمجلات والصحف العربية مقارنة بالمجلات السريانية التي تكاد تنعدم تقريباً..والعامل الأخير عدم وجود جهات ثقافية داعمة لنشر الأدب السرياني ولا يفوتنا ذكر المركز الثقافي الآشوري في الموصل ومحاولاته الخجولة في عملية النشر إضافة إلى رابطة نصيبين للأدباء السريان في القامشلي التي تنحصر نشاطاتها في إقامة الندوات والأمسيات الأدبية بين الفينة والأخرى.

فالأدب السرياني لم يستطع إثبات وجوده في العصر الحاضر وظل مقتصراً على كتابات الجيل القديم وهناك إدراك من قبل المثقفين السريان لمخاطر ذلك يتمثل هذا الإدراك في محاولات رابطة نصيبين لرعاية الناشئين الذين تتأمل منهم الرابطة ثمراتٍ أدبيةً تشكل نواة لمستقبل أدبي يسد الفراغ الكبير في الساحة الأدبية وذلك بإقامة الأمسيات الأدبية لهؤلاء الصغار ولاسيما الأمسية التي أقيمت مؤخراً في أخوية مار كبرييل والتي شهدت إقبالاً جماهيرياً ملحوظاً وأفرزت مواهب شعرية وقصصية أسعدت عشاق اللغة السريانية وبثت القليل من الأمل في نفوسهم وباتوا يحلمون بمرحلة قادمة تبشر بخلفاء جدد لمار افرام السرياني العظيم ومجايليه الكبار.


مشاركة منتدى

  • عزيزي الكاتب علي

    سلام لك

    أحيي روحك السامية وغيرتك الوقّادة على تاريخ الأدب السرياني الذي هو جزء لا يتجزأ ليس من تاريخ الآداب في العالم وحسب بل وأيضاً من تاريخ الحضارات لا بل تاريخ الشعوب.
    إنّي أثني على اندفاعك وتشجيعك الصائب للنهوض باللغة السريانية وآدابها لكني أريد أن أوجّه ملاحظة صغرى لشخصك الكريم ألا وهي أنّك لست بمطّلع على أبسط مبادئ الأدب السرياني

    لماذا اقول هذا؟

    أقوله فقط بعد قراءتي لمقالتكم المعنونة "تفاحة آدم" وقد تبيّن لي أن جنابكم لم تقرأوا ترجمة ميامر القديس يعقوب السروجي للأب بهنام سوني (العراقي) وترجمة كتاب طريق الكمال للقديس فيلوكسينوس رئيس أساقفة منبج (ترجمة أحد رهبان الكنيسة السريانية إصدار دير مار أفرام السرياني - دمشق - معرّة صيدنايا) حيث كلا المفسّران يوضحان ان الثمرة التي أكل منها آدم وحواء كانت تيناً لا تفاحاً.

    نعم عزيزي الأديب، يأتي هذا التفسير الكتابي خلاف معظم التفاسير المسيحية وغيرها من الأديان الموّحدة والأسباب لذلك هي خارج تعليقي هذا.

    لكن نصيحتي المتواضعة لك هي أن تقرأ أكثر عن الأدب السرياني والذي يمتاز بكونه كتابياً، لاهوتياً، أخلاقياً وروحياً عكس كثير من الأدب الذي لا يبني النفس بخوف الله (وخوف الله هو الوقوف باندهاش وإعجاب في حضرة القدوس وليس خشيته أو الذعر من ذكره وحضوره) بل يشغل النفس بمشاعر قد توافق أو لا توافق الحق المعلن القديسين.

    وأنّي أطمئنك أنّي بنعمة الرب القدّوس قد شدوت شيئا من علم هذه اللغة لكنّي لست بعازمٍ على تأليف إلّا ما فيه بنيان شعب الكنيسة.

    وإذا أحببتنّ أن تخبر قدرتي كمبتدأ فذلك دافع لي لأكتب عن إيمان أولئك القديسين الذين ذكرت في مقالتك.

    شكرا لقراءة تعليقي وانتظر رداً من شخصك الفاضل

    دمت سالماً
    أنطونيوس غريب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى