السبت ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم عادل عامر

ثقافة الجهل

إن للجهل والتجهيل أعمدة. أولها: التشبث بالقديم، والعيش في الماضي، وتقليد موتى القرون الوسطى وعصر الظلمات، والاقتداء بهم، باعتبارهم مثالا يُحتذى، وهذا ما جعل العرب والمسلمين، سجناء التاريخ، يفتشون عن مستقبلهم فيه. وثانيها: الخوف والتخويف من الجديد، ومن مخالفة المفاهيم السائدة، والخروج على قوانين وعلوم السلف، وقمع رغبة الإنسان في التحقق من صحة المعلومات المتوارثة، مما يمنع ظهور أية أفكار جديدة، وبحوث جديدة، وحقائق جديدة.

إن المناخ السائد في المجتمعات العربية والإسلامية مناخ قائظ مظلم موبوء لا يساعد على نمو شجرة المعرفة والإبداع، لأنه يفتقد إلى أبسط وأهم شروط الحياة، ألا وهما ضوء الشمس، والماء. أعني الحرية، والدعم والتشجيع. وثالث أعمدة الجهل والتجهيل يتمثل في تزوير الحقائق التاريخية والعلمية والتعتيم عليها أو إخفائها خدمة لأفكار قديمة مسبقة. لكنني أود الخوض قليلا في ثقافة اسمها ثقافة الجهل، يشعلها بعض اخوتنا في الدم تجاهنا، وثقافة اخرى هي ثقافة التسامح، نحن المصريون من ابتكرها، عشنا بها، سافرنا بها، وما زالت هي الثقافة المهيمنة على سلوكنا في اي وقت، من الثابت ان الاسلام لم يكن يصادف نجاحا الا عندما كان يهدف الى الغزو". حين يغيب الممتاز، يصبح للجيد قيمة، وحين يغيب الجيد، يصبح للضعيف قيمة..

ولعلنا نعايش عصر انقلاب الموازين، وضياع المكانات والغايات..فكل شيء يصبح جائزاً، ولا يُعرف فرق بين غث وسمين، وصالح وطالح.. إذا انصرف الراعي عن قطيعه ـ لا يلام الذئب على مكره! كذلك أقول: إذا حل التفهاء محل العظماء، لا يُلام التفهاء على صنعهم! فتلك بضاعتهم.. وذلك مكان "حر"، حيز من فراغ لم يشغله أحد قبلهم...إنهم أحرار، يفعلون ما يريدون، ويقولون ما يشاءون! ولكن، من الجاني؟ أقرر هاهنا بلوعة وأسى أن الجاني هي أمة المليارين..ومن المجحف حقا في حق هذه الأمة أن ينسحب أصحاب الكفاءات ويختبئوا وراء الحجب ليخلفهم أصحاب التفاهات وتدوّن أسماءهم في الكتب!! وسندرك خطورة الأمر حين يُنمى الى علمنا

أن الثقافة أو المعرفة هي الرغيف الذي يتغذى عليه العقل على أن الثقافة culture مفهوم حمال أوجه، وشيوعه يجعل من الصعب تعريفه.. فإننا نحاول أن نأخذ مفهوما موجزا جامعا فنقول أن الثقافة هي مجموعة المعارف والمهارات المرتبطة بجميع شؤون الدنيا..والتي تشكل في مجملها منهج حياة.. ولكم فقدنا من رجال -عرفنا بهم الثقافة الحقة -عاشوا بيننا نسوراً، ومدوا أجسامهم جسوراً..ليعبر عليها العابرون بأمان..هؤلاء الموتى الذين لا يزالون بيننا أحياءا.. فلله درهم! لقد انسلت خيوطهم واحدا بعد واحد، وفقدنا الكثير من المعادن.. حتى كادت ساحة الجهاد أن تبقى فارغة..لا رجال عندنا ولكن أشباه رجال..انتشر القبح حولنا واندثر الجمال.. فما كان للمهمات إلا أن تسند لغير أهلها، وتركت مواريثنا الحضارية نهبا لأعداء الأمة يصولون فيها ويجولون.. وظهر في زمننا هذا، من يدعون الثقافة والعلم.. بعد أن تعلموا كلمة هنا، وجملة من هناك، وانبرى هؤلاء المتثقفون بثقافة الغرب فأخذوا يمجدونها.. ثم يهضمونها، ثم ينشرونها ويروجون إليها..! فهذه هي البلادة التي انتهت عندها أمتنا!

إن نهضتنا لن تكون إلا بالعلم الصحيح النافع، وكذلك انتكاستنا لن تكون إلا بالعلم الفاسد الكاسد.. ألا فليعلم أدعياء الثقافة أن رجال الإسلام سلمت سواعدهم، لن يسمحوا لهم بتسويق بضاعتهم الخَرِبة لأجل تحقيق حشو دماغي وجوده لا ينفع وغيابه لا يضر!

إن انتشار مثل هذه الآفات في هذا الوقت بالذات يخدم العدو الذي يشن اليوم حرب إبادة على هويتنا العربية الإسلامية. و وجود أدعياء الثقافة وأنصاف المتعلمين بيننا، لا يشرفنا في شيء.. فهم كغثاء السيل كثير عددهم قليل نفعهم!! إن عرائضا من مثل هذا النوع هي كالسموم القاتلة التي تشيع فينا روح الإنهزامية وثقافة الإستسلام لتوجه لنا بعد ذلك ضربات من الداخل وهي أعلم الناس بنا، إنهم يأكلون في صحوننا ويعيشون في بيوتنا، يعرفون نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا فهم أخطر علينا وعلى بني جلدتنا من اليهود أنفسهم.. إنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف، وليتهم اكتفوا بالكتف! لقد نهشوا من كل الجسم فلولا يقفون عند العظم!!
لقد تربى الكثير من أبناءنا على فضلات الثقافة الغربية، فكانت اللبن الذي فتق أمعاءهم.. فليت شعري لماذا آسي عندما أجدهم يذودون عنها ويروجون لها وهم أبناءها من الرضاعة
خلق الله لكل إنسان عينين، ولكن أكثر الناس لا ينظرون إلا بعين واحدة، وخلق لكل إنسان لساناً وأذنين، ولكن أكثر الناس يتكلمون بلسانين، ويسمعون بأذن واحدة، وخلق لكل إنسان يدين: يداً يستعملها ليعين نفسه، ويداً أخرى يستعملها ليعين غيره، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا يداً واحدة، وخلق لكل إنسان رجلين: رجلاً يسعى بها للدنيا، ورجلاً يسعى بها للآخرة، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا رجلاً واحدة، وخلق الله لكل إنسان قلباً واحداً، يحمل هموم حياته القصيرة، ولكن يجلب لنفسه من الهموم ما تنوء بحملها القلوب الكثيرة، وجعل لكل إنسان عمراً واحداً، فأضاع من أوقاته كأن له مائة عمر، وقضى الله على كل إنسان بالموت مرة واحدة، ولكنه رضي لنفسه بجهله وشقائه أن يموت كل يوم.

من ادَّعى العلم وهو يمالئ الفاسدين فهو تاجر، ومن ادعى الإصلاح وهو يتقرَّب إلى الظالمين فهو فاجر، ومن ادَّعى التقوى وهو يجري وراء الدنيا فهو دجَّال، ومن ادَّعى الوطنية وهو يفرِّق الصفوف فهو خائن، ومن ادَّعى الحكمة وهو منحرف فهو سفيه، ومن ادَّعى البطولة وهو عبد لأهوائه فهو رعديد. ومن ادَّعى الزعامة وهو حقود فهو مقود، ومن ادَّعى التحرُّر وهو ملحد فهو مخرِّب، ومن ادَّعى الهدى وهو مخالف للكتاب والسنة فهو ضال، ومن ادَّعى الإرشاد وهو مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو جاهل أو محتال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى