الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦

الألباني إسماعيل قادري روائي يشغل مثقفي العالم

تعليقات على هامش مقابلة أجراها، ديفيد بيلوس، مع الروائي والشاعر الألباني إسماعيل قادري، في أعقاب ترجمته رواية قادري الأخيرة «الخليفة» إلى الإنجليزية، تلقي الضوء على بداياته الأدبية، وترجمته إلى اللغات الأوروبية وعلى وجه الخصوص إلى الفرنسية. والخلفية التي يستند إليها في ترجمته لروايات قادري.

يقول المترجم ديفيد بيلوس: عندما طلب مني قبل عشر سنوات أن أترجم أحد أعمال إسماعيل قادري من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية ترددت كثيراً. إذ لم أكن ملماً باللغة الألبانية في الأساس هذا بالإضافة إلى قناعتي الشخصية بعدم جدوى الترجمة من لغة ثالثة. من جهة أخرى كانت الرواية قد أعجبتني، وقد حفزتني على قراءة المزيد من أعماله المكتوبة بالفرنسية. إلى جانب أنها لفتت انتباهي إلى أهمية هذا الكاتب... وضرورة الإسراع بترجمته إلى الإنجليزية.

وقد صادف أن شاهدت في الفترة ذاتها برنامجاً تلفزيونياً عن ألبانيا. كان بطلها طبيب ريفي، معدم لم يكن لتتوفر لديه حتى سماعة لفحص المرضى. كان قد تعلم الإنجليزية عن طريق الراديو. وفي نهاية البرنامج تمت مكافأته بتحقيق حلم حياته بالسفر إلى بريطانيا لمشاهدة مباراة لكرة القدم بين فريقي ليفربول ومانشستر يونايتد. وقد اتصلت بمخرج البرنامج لمعرفة ما إذا كان هذا الرجل لا يزال موجوداً في المملكة المتحدة. ثم تحدثت إليه لأرى إمكانية مساعدته لي في ترجمة، قادري.

وقد جاءني بالفعل واستمر في العمل معي لمدة يوم أو يومين ثم اختفى فجأة. ولكنني علمت بعدها أنه التحق بإحدى كليات الطب. وهكذا انتهى الأمر. من يعرف الألبانية؟ في بريطانيا لا يوجد سوى قلة من الناس.

عدد قليل من طلاب كلية الألسن، وعدد آخر من طلاب كلية الدراسات الشرقية والأفريقية. ومع ذلك فإن أحداً من هؤلاء لا يمكنه الوصول إلى جوهر هذا العمل الأدبي أو حتى التفرغ للمهمة. توجهت إلى باريس للقاء قادري نفسه ومناقشته حول مشكلات وألغاز روايته.

في تلك الاثناء كان يستعد لنشر مجلداته الكاملة. فأطلعني على أسلوب عمله في الكتابة باللغتين. قال «أجل، إنني أغير التعابير الألبانية عندما أشعر بأن التعابير الفرنسية أفضل» لم يكن قلقاً على ترجمته من الفرنسية إلى لغات أخرى. والواقع، أنه كان يفضل أن تسير الأمور على ذلك كما قال لي. عندها أدركت السبب الذي يحمل الآخرين على ترجمته من الفرنسية.

إن ألبانيا التي ظلت طوال فترة حكم أنور خوجا معزولة، تمارس العزلة، مستبدة، ومتوترة لم تكن قد عرفت ما يسمى بحقوق النشر. وبالتالي فإن أيا من أعماله المكتوبة بالألبانية لم تكن تتمتع بالحماية دولياً. وبناءً عليه فقد كانت تتمتع بحرية الترجمة غير المشروطة بضوابط قانونية وعدم توفرها في أماكن أخرى غير ألبانيا.

وبسبب عدم وجود ما يعرف بحقوق النشر فقد كان الألبان أنفسهم يترجمون أعماله إلى اللغة الإنجليزية : هنالك ترجمة لرواية «جنرال الجيش الميت»، ورواية «القلعة» إلى جانب عدد من الأعمال الأخرى التي كان مكلفاً بكتابتها. وقد أصبحت لدي الآن نسختان من أعماله المترجمة. على الرغم من أن قادري كان قد ترجم منذ فترة طويلة من لغته الألبانية مباشرة إلى اللغة الألمانية، إلا أنني أجد أن لذلك مبرراته وأولها أن اللغة الألبانية تدرس في الجامعات الألمانية.

وهذا الوضع لا يختلف في هولندا حيث ترجم هذا الكاتب مباشرة وحيث تدفع الحكومة الهولندية في العادة ما يكفي من المال للمترجمين لتمكينهم من دراسة اللغة الألبانية لمدة عامين. في حين لا توجد هذه التسهيلات في أي من أمريكا أو بريطانيا.

بالإضافة إلى ذلك فإن روايات قادري المترجمة إلى الفرنسية ليست مجرد ترجمات أدبية ليس إلا.

إن مترجمه العظيم، الراحل يوسف فريوني، الذي كتب قصة حياته كان قد تعلم الفرنسية في فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية. وفي سنة 1945، قرر كغيره من المنفيين العودة إلى بلاده للمساهمة في بناء ألبانيا جديدة مولودة من جحيم كل من الاحتلال والحرب الأهلية. إلا أن مصيره كان السجن الفوري.

أثناء فترة سجنه الطويلة بدأ بممارسة الترجمة إلى اللغة الفرنسية حفاظاً على ما تبقى من ذاكرته المرتبطة بالثقافة وهرباً من أشياء أخرى كالجنون.

كانت ترجمته لرواية «جنرال الجيش الميت» قد هربت خارج ألبانيا، ثم أضيفت لها ترجمة أخرى إلى اللغة الإيطالية، الأمر الذي جعل قادري محط تقدير في بلاده.

لقد ترجم هذا الرجل كل ما كتبه قادري، كانت فرنسية قادري جيدة إلى حد كان قد أسهم في تقديره الشديد لجهود مترجمه. مما ترجم عن الألبانية أيضاً بعض ما تم الاعتراض عليه، إضافة إلى عدد من النصوص التي لم تظهر في كتب أو لم تنشر على الإطلاق. والواقع أنني لم أقابل هذا المترجم أبداً : فقد عاد إلى فرنسا في أيامه الأخيرة، لكي يستقبل في الأوساط الأدبية استقبال الأبطال.

هناك مجموعة أخرى من المترجمين الذين قاموا بترجمة عدد من روايات قادري من الفرنسية إلى الإنجليزية. من هؤلاء، ديريك كولتمان، بربارا براي، جون روثتشايلد، وايميل كابويا.

إضافة إلى مجموعة أخرى ترجمت له من الألبانية مباشرة وتشمل كل من، بيتر كونستانتين، وجون هودغسون.

ورغم أن أعمال هؤلاء لا يمكن التقليل من أهميتها، إلا أن هناك بعض المشكلات التي تتعلق بحقوق النشر.

في مطلع التسعينيات وضعت، دار هارفيل للنشر، يدها على روايات قادري، لكي تعيد طبع نسخ جديدة منها، وتنهمك في سلسلة من الترجمات سنة تلو الأخرى. هذه الدار هي الوحيدة تقريباً بين دور النشر البريطانية التي تهتم بالآداب الأجنبية، والتي وجدت فيما بعد شريكاً لها في، دار أركيد، نيويورك. وهو ما يفسر احتكارهما أعمال قادري. غير أن هذا الاحتكار قد ولى لتحل محلهما، دار كانونغيت، الأسكتلندية للنشر.

إن قلة وجود قادري على خارطة المشهد الأدبي في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية يعود جزئياً إلى أنه لا يتحدث الإنجليزية وبالتالي فهو لا يتواجد في أنشطة كالجولات السياحية، والمحاضرات، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية وغيرها، ما يشكل أهمية بالنسبة لرواج أي مؤلف. حتى المقابلة التي يفترض أن تجريها هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) معه بعد إعلان فوزه بجائزة مان بوكر الدولية ألغيت للاعتبارات نفسها).

منذ وفاة يوسف فريوني سنة 2002، اشتدت المنافسة من أجل البحث عن خليفة له. واستقر الأمر في النهاية على أربعة من الأسماء المرشحة من قبل القراء ومع استمرار التكهنات بفوز أحدها أخذت الشائعات تحوم حول اسم غير فرنسي، اسم ألباني هو، تيدي بابافرامي، عازف كمان مقيم في جنيف.

غير أن لغة هذا المترجم الفرنسية تختلف كثيراً عن لغة سلفه فريوني، أي أنها لغة معقدة غريبة بعض الشيء وهو ما يلاحظه القارئ في ترجمته لرواية قادري الجديدة «الخليفة». في اعتقادي أن قادري يبدو مدركاً بشكل جيد لما تعنيه ازدواجية الكتابة... الكتابة لقارئه الألباني من جهة، والكتابة لقارئه العالمي من جهة أخرى. كما أنه لا يعتقد كذلك بأن ما يكتبه من روايات يصعب ترجمته... بل على العكس من ذلك، يعتقد بأن ما يقوله يأتي مناسباً لكل لغة في العالم.

هنا تبدو وجهة نظره في الخصوصية اللغوية متناقضة تماماً مع وجهة نظر، ميلان كونديرا، على سبيل المثال، الذي يصر على أنه في ترجمته إلى اللغات الأخرى يجب أن يبقى كما هو حتى في استعماله لعلامات الترقيم حسبما تنص لغته التشيكية.

والحقيقة أن ما أسعى إلى الوصول إليه في ترجمتي لقادري من اللغة الفرنسية هو احترام أسلوبه المتميز بالبساطة، في الوقت الذي لا يمكنني أن أتناسى فيه إضافة تلك النكهة الكلاسيكية الشكسبيرية التي تتسم بها لغته. إذ انه في النهاية ليس كاتباً معاصراً يسير حسب ما تمليه التيارات المستجدة بقدر ما هو كاتب روائي أو كاتب ملحمي.

ما كان يبعث على الاستغراب بالفعل هو أن يشاهد أحدهم في ساعة متأخرة من الليل، أو ربما بعد ذلك بقليل، ظل شخص ينزلق متسللاً إلى منزل الفقيد. وعلى الرغم من أنه كان لأحد كبار رجال السلطة... إلا أن التلفظ باسمه ظل محظوراً بأي حال من الأحوال... وهكذا، فإن مسؤولاً رفيع المستوى كان قد دخل المنزل... ثم عاود الخروج منه بعد فترة قصيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى