السبت ٢٨ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

سيناريو الحروب الاعلامية—الألكترونية!

مازلنا نسمع يوميا أكاذيب ومبالغات المحطات الفضائية المتحيزة، التي تحول دورها من دور المراقبة والعرض النزيه والتحليل العميق للأحداث والتطورات الى دور المحرض والكاذب والمفبرك للأحداث، وأصبح معظمنا يصيبه الصداع وربما الاشمئزاز من طريقة تصوير الحراكات والمظاهرات والاشتباكات العسكرية، حتى كاد لا يريد ان يصدق أية رواية الافيما ندر، وتورطت للأسف بعض المحطات والصحف التي كانت تتمتع بالنزاهة في بازار المبالغات والكذب الاعلامي السافر هذا، وكادت أو فقدت حقا مصداقيتها وسمعتها الاعلامية او الصحفية العتيدة ! وبعد أن دخلنا للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدانا نسمع عن الأدوار التخريبية الكبيرة للفيروسات الألكترونية التي يمكن أن تلحق بل وألحقت بالفعل دمارا كبيرا وتعطيلا لافتا للبرنامج النووي الايراني على سبيل المثال.

يحدث في عام الفين وعشرين أن تهجم دولة شرق اوسطية كبرى على دولة شرق اوسطية ثرية، ويتصاحب ذلك مع هجوم معلوماتي مفاجىء ضد دولتين غربيتين كبيرتين، حيث يتم احداث تخريب تلفوني في شبكة اتصالات مجلس الأمن القومي لدولة كبرى ثالثة، مما يؤدي لوضع رئيس هذه الدولة في حيرة من أمره! ثم يتزامن ذلك مع اسقاط طائرة عسكرية ضخمة في عاصمة دولة اوروبية بفعل تاثير قنبلة "الكترونية"، حيث تشوش برامجيات التحكم في الطائرة وتؤدي لسقوطها. هكذا تتصاعد المواقف فتقرر الدولة الغربية الكبرى مواجهة هذه الأحداث بحرب معلوماتية شاملة متطورة، وتضع استراجية عسكرية مكونة من اربعة بنود:

* تصفير الحسابات البنكية للدولة الشرق أوسطية المعتدية بواسطة تداخلات وتاثيرات حاسوبية معقدة.

* تزييف اصوات قادة هذه الدولة واصدار أوامر معاكسة بالاستسلام.

* تشويه سمعة قادة الدولة المعتدية وفبركة صور متلفزة تظهرهم بأوضاع مخزية، وشن حرب اشاعات سافرة!

* تشويش شبكة الاتصالات واحداث تداخل رهيب.

وقامت القيادة بتسمية جنرال لقيادة هذه الحرب، واختارته مهندسا الكترونيا خبيرا، وأعطته أوامر صارمة بان يكسب المعركة بأي ثمن، وان يعوض النقص الواضح بعدد الجنود اللازمين للاحتلال، وقرر بدوره ان يتفوق بالقوة المعلوماتية والأسلحة الذكية، هكذا يجلس مع مساعديه امام غرفة عمليات مزدحمة بالأزرار وشاشات الحاسوب الموصولة بالأقمار الصناعية، ويختار الاحتمالات الافتراضية ويدرس السيناريوهات القابلة للتطبيق!

... وبعد ساعات من البحث والدراسة والاستشارة، يقرر الجنرال العتيد استخدام جهاز نبضات كهرومغناطيسي (في المرحلة الاولى للحرب)، حيث تتم زراعة عدد منها بغرض احداث شلل تام في الحركة المالية وعمليات تحويل الأموال، كما تستخدم للنفاذ لشبكات الاتصالات بواسطة الفيروسات الحاسوبية، ثم يقرر على الفور احداث تخريب رهيب في أنظمة التحكم بالرقابة الجوية بواسطة عدد من القنابل الألكترونية ! ثم تصدر الأوامر لثلاث طائرات الكترونية تشبه طائرات الشحن الضخمة بالتوحه للشرق الوسط، وبالرغم من المنظر الخارجي البرىء للطائرات فهي تبدو من الداخل وكأنها وحوش "الكترونية "، فهي مكتظة كالراديو الياباني بالفاكسات والكاسيتات والمرسلات والحواسيب والشاشات المضيئة ومفاتيح التشغيل والاسلاك المتشابكة، ويقال ان نموذجا أوليا لهذه الطائرة قد استخدم في حرب الخليج الثانية، فحاولت ارسال صور تلفزيونية مفبركة لزعيم عربي مسلم وهو يحتسي الويسكي ويأكل لحم الخنزير ويجلس مع الغانيات، وذلك بغرض تشويه سمعته أمام شعبه، ويقال أنها استخدمت بالفعل ضد حاكم هاييتي فاظهرته متلفزا وهو يدعو لاستسلام جنوده ! ويقال ان طائرة الكترونية قد ارسلت بقصد معلومات مسبقة عن مواقع القصف القادمة مما ادى لفزع الجنود وهروبهم من مواقعهم! هكذا تظهر الصحافة الغربية حروب المستقبل وكأنها أفلام خيال علمي، وتصل شطحات الخيال لدرجة اظهار الدول وكأنها قد ربحت الحرب قبل وقوعها : وفي واقع الأمر ألا نكاد نرى جزءا من هذا السيناريو يطبق واقعيا في الحرب " الاعلامية-السيكلوجية " الشاملة التي تشن الآن تحديدا ضد سوريا ! ولكن هذه السيناريوهات لا تاخذ بجدية كبيرة احتمال ان ينقلب السحر على الساحر، ففي عالم مسعور تسوده الاستقطابات وجنون الطغيان وعشق الكراسي والسلطان، عدا عن الطائفية والكراهية ونزعة التجارة السائدة بالأوطان والأديان، هل سيكون من الصعب استئجار فريق "مافيوزي" ليمارس طقوس الحرب المعلوماتية ضد دهاقنتها ومبتكريها ومرويجها والمتحمسين لاستخدامها لتنفيذ مخططاتهم المشبوهة، فيحيل عالمهم الألكتروني الراقي الى كابوس حقيقي من الفوضى اللاخلاقة!

لقد ادهش مخرج فيلم "فورست غامب " المشاهدين (قبل حوالي عقدين من الزمان) عندما اظهر لقطة للرئيس الأمريكي الراحل كندي وهو يهنىء بطل الفيلم الساذج لفوزه في مباراة رياضية، وكان ذلك المشهد نموذجا متقنا للتزييف الحاسوبي، فالرئيس كندي توفي عندما كان بطل الفيلم طفلا يحبو!

في اعتقادي المتواضع أن الحرب المعلوماتية ستمر بمرحلتين، انتهت الاولى مع مضي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد اعتمدت وما زالت تعتمد على الاشاعات والأكاذيب والتهويلات والتمنيات الافتراضية والتي نسمع عنها ونعاتي من وقع تاثيرها كل يوم، وهي تستند لتاثيرات الحرب النفسية والتوقعات والافتراضات الغير موضوعية، وتصب جميعها في اتجاه المكائد والشرور وتهدف لزراعة اليأس والاحباط ! وعلى سبيل المثال لم يستبعد مستشار سياسي امريكي قيام امريكا بفبركة صور ملفقة لتحركات افتراضية للأسلحة الكيماوية السورية، واستخدام تلك الصور المفبركة والمصورة افتراضيا بالأقمار الصناعية كحجة لضرب سوريا عسكريا ...وبعد دخولنا للعقد الثاني من القرن الحالي، ستكون مختبرات الامبرطورية العالمية، قد انتجت وجربت الأجيال الجديدة المتطورة من المعدات والأجهزة الألكترونية التي تهدف لشن حرب ألكترونية شاملة، بواسطة تخريب الاتصالات وشبكات التحكم وفبركة الكلمات والصور، وتزييف الحقائق والبيانات والمشاهد ويصورة متقنة للغاية، وربما اجافي الصواب ان تجاهلت وجود واستخدام هذه الأدوات منذ بدايات القرن الحالي، وربما بشكل تجريبي اولي استخدم بنجاح ملحوظ في كافة حروب امريكا الأخيرة ضد العرب والمسلمين تحديدا!

صورة قاتمة للحاضر والمستقبل تسودها مفاهيم احادية مصاغة من قبل طغاة العصر الحديث، هؤلاء أصحاب الجاذبية والكاريزما والأناقة، الهادئون، المبتسمون دوما، اللذين يتقنون صياغة الجمل والتعبيرات، سلاطين القوة الألكترونية الجديدة ! من يستطيع الوقوف أمام طغيانهم وفسادهم وكذبهم "المتلفز" السافر المتواصل ؟ تماما كالتفاحة الحمراء الجميلة التي ينخرها الدود من الداخل ! فيروسات آدمية ماهرة... ووجوه اعلامية قبيحة من الداخل..عصابات الألكترون الجديدة...قادرة على فعل كل شيء مقابل ملايين الأموال الملعونة التي لم تسخر لفعل الخير ولبناء وتطوير الاوطان والشعوب، وانما لتدمير وتخريب الأوطان وقتل العباد والأبرياء...الفعل ورد الفعل...ولا غالب الا الله في كل الأزمان والعصور!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى