الخميس ٢ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم فاتن رمضان

دقة زار

التقت النسوة المتشحات بالسواد حول حلقة الزار .... يرقصن تارة ويقفزن تارة أخرى .... تتناثر أثدائهن وشعورهن فى حركة عصبية ... يختلط صوت بكائهن بصراخهن ... تتصاعد أصوات الطبل والغناء فتمتزج بتلك الأصوات فتغلف المكان بغلالة من رهبة ووحشة ....

زرعت الصبر فى زمن البدارى
لقيت السو داره جنب دارى
نزلت السوق أدور على اللى جارى
لقيت السو داره جوه دارى ...

أما هى فقد كانت تهتز صامتة ... صوت الطبل يتغلغل بداخلها ويسحق مشاعرها ويفتت ضلوعها ... يسلبها أرادتها فتتحد به وترقص له .

تتعب النساء فيجلسن أما هى فتكمل رقصها الصامت ... تتذكر وقوفها أمام الدار وهى ترقب حامد بعضلاته المفتولة وشاربه الأصفر وعيونه الخضراء ....

تتعمد أن تسير أمامه ... أن تفلت الطرحة كى يرى شعرها الفاحم الطويل وجيدها الفارع ... تتعمد أن تقترب منه وتشم رائحة أنفاسه ... تتسارع دقات قلبها ... يرتجف جسدها ... تضغط على أحبالها الصوتية فيخرح صوت أشبه بحشرجة تخجل منها فتتراجع وتكتفى بالإنصات .....

كانت تتعمد ذلك بطريقة أو بأخرى حتى يئست , فهو لا يتحدث معها أو ينظر إليها , ورغم ذلك ظلت تراقبه .
مرت الأيام وفوجئت بأمه تجلس مع أمها ثم تطلب يدها لحامد .... وتعجبت وحركت شفتيها وضربت كفا بكف على حال الرجال .

وزفت إلى حامد ... وشعرت بفرحة عارمة ودقت طبول قلبها وباتت قريرة العين وحدثتها نفسها بأن كل بنات القرية يحسدنها الآن , وكيف لا ؟ وقد فازت بأوسم شباب القرية .

وأتت أمها فى الصباح وجلست معها واطمئنت ... ومرت شهور وحامد وأمه ينتظرون أن تزهر أرضها ... لكنها لم تزهر ... ولم يمر وقت طويل حتى بدأت الأم فى أداء دورها على أكمل وجه ... : فالقرية أكلت وشها!!!

وزهرة تصمت ولا تتحدث .. تضع يدها على خدها وتسرح بفكرها .. وتنتظر حامد فى الليل فيأتى ولا يزورها .. فتتعجب وتضرب كفا بكف , لكن أمها لا تسكت فالقرية كلها تعايرها .
تذهب هنا وهناك ... تجرب وتستبعد ...

تتعب زهرة فتجلس على الأرض وتقترب منها كودية الزار وتدعوها لمعاودة الرقص , فالجن لابد أن يخرج من جسدها كى تزهر أرضها ولا سبيل لذلك إلا باستكمال الجلسة .

وتعود زهرة فترمى طرحتها وتتحد بصوت الطبل وتستمر ... وتعود لحامد تدعوه .. فيجيبها ... تأمل .. ولكن بلا جدوى ..

تعود أمها فتصحبها للطبيبة وتعاينها فلا تصف لها شيئا فهى صاغ سليم وتنقلب الدنيا ويثور حامد فيحطم كل شئ وتخاف منه لأول مرة ...

يهجرها حامد ومعه العالم , وتمر السنون وزهرة وحيدة كفرع عطب ..

ورغم ذلك تستمر بالرقص والقفز ..

ألم خفيف يتسلل لما وراء ثديها الايسر .. ترفع يدها اليمنى فتدفعه بها لكنه يجتاح جسدها .. تستسلم ... خدر فى أطرافها ...يلف يدها وقدمها فتتدافع دموعها رغما عنها ... تبهت الرؤية .. تتحول النساء حولها إلى أشباح ... تعلو أنفاسها ... تثبت نظرها .. ينفصل الطبل عنها .. فتسقط صريعة على الارض ...

تزغرد النساء ويخفت صوت الطبل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى