الأربعاء ٨ آب (أغسطس) ٢٠١٢

عشاء الشيطان!.. قصة حقيقية

فوزي صادق

العيد على الأبواب، وهب بعضهم وأستعد للسفر إلي ماوراء البحار، وشمر الأخر عن ساعديه، وسل سلاحه وأومأ برمحه، كي يظهر بطولات وفتوحات الزير الشجاع الذي يعيش بداخله. كل هذه مقدمة للقصة الحقيقية التي وصلتني بعد أن جمعت حروفها ورتبت كلماتها من صاحبها مباشرة، فصقلتها وهرجت بلسان صاحبها، مع وضع بعض الملح والبهارات المعطرة.

يقول صاحبنا بصوت شجي وحزين: أتصلت بصديقي، بعد أن خطط لنا الشيطان إجازتنا السنوية بعد العيد، وكيف سنستغلها ونستمتع بها، وكيف سنتملص من زوجاتنا ونقنعهما، فوافق هو على الخطة، وإننا أي بعد العيد بأسبوعين سنكون بدورة تدريبية للعمل "ولامن شاف ولا من دري " كما يقول إخوتنا في مصر، فأتـفقنا على كل شئ ورتبنا كل الأمور.. نسيت أن أخبركم إن زوجتي لاتعرف زوجة صديقي، وهذا أجمل شئ، كي لا ينفضح أمرنا، المهم أصطحبته معي بسيارتي الأمريكية الفارهة وبعد نصف يوم وصلنا هدفنا، وكان الطريق مليء بالإبتسامات وبالوعود والبطولات التي سنقوم بها.

نزلنا بشقة خاصة بفندق كبير، وزارنا شخص وسيط من القائمة التي معي، فوصف لنا الحور العين اللاتي ينتظرننا، وكيف سنسعد بأمسية لامثيل لها معهن، وإنها ستكون ليلة عشاء جميلة مع أجمل خلق الله.. كان شرطه أن نترك الفندق ونذهب بسيارتنا إلي الحارة الفلانية، والتي تقع بوسط البلدة، وإننا يجب أن نستأجر شقة بتلك المنطقة، وهناك سنجد ما نبحث عنه.

حسب الوصف دخلنا المنطقة المعنية، ومررنا بأزقتها الضيقة القديمة، كانت النظرات مريبة من بعض الشباب المصطفين على أرصفتها، وما إن توقفنا بإحدى الساحات المفتوحة بوسط البلدة، حتى حضر شاب مراهق وسألنا ماهي حاجتنا هنا، فأخبرناه إننا ضيوف عند رجل قريب لأمنا، وإننا غرباء، فنظر الشاب إلي لوحة السيارة وهز برأسه وكأنه لم يقتنع بجوابنا.

وصلنا البيت المطلوب، وأستقبلنا مسن يشع من وجهه نور إيماني يصل إلي عنان السماء، وكان كلامه يتقاطع بتسبيح الله، ففهم من كلامنا مانسعى إليه، وإننا نريد زواج وناسة من الطرق المعتادة، وبأي أسم موجود، مصياف مضياف أو حتى مصناف، بعدها دخلت علينا فتاتان عربيتان، وتم العقد، وكانتا تتلونان بالكلام والأفتتان أمام العيان دون خوف أو حياء.

كان كل شئ بمقابل، وسعره مضاعف عشرين ضعفاً، وكأنهم يقطعون جيوبنا بالمنشار، الشقة والنقة والبقة وووووو، وكل شئ يلوح برؤوسكم، فدخل كلاً منا على أنثاه، وما إن توسطت الغرفة حتى أسودت الدنيا بوجهي، وخاصة بعد أن رمت بأنوثتها أمامي كورقة بالطريق، فوجدتها دون إخلاق أو حياء، بل حيوانية متدنية بهيمية الصنع، ورائحتها قد أزكمت أنفي وقرحته، فأعترفت إن كل هذا تمثيلية، وإن الحرام واقع بيننا لامحالة، فهي متزوجة وأم لطفلين، ولايوجد زواج بيننا، وما رآيناه من العجوز سوى تمثيلة مصطنعة ومصيدة لي ولأمثالي من المغفلين.. وماهي دقائق حتى تناسيت وأغمضت عين واحدة، فنزلت الغيمة السوداء على رؤوسنا، ووقعت الخطيئة، وسال السم الزعاف فوق خيط الشرف الرفيع، فهجرت مخدعها، ودخلت عرياناً الخلاء الشيطاني، وإذا أمامي خرق مرمية وملابس بالية لشياطين مرت من هنا، ولم أجد ما أغتسل به من سبل الراحة.

حينها تذكرت زوجتي المسكينة التي تنتظرني، تذكرت شريكتي الجميلة والحنونة المؤمنة التي تخاف ربها، تذكرت إبتسامة أبني البريئة، تذكرت أمي وأبي، تذكرت طهارة بيتي وحلاوة وطني، تذكرت الوقفات الجميلة والذكريات السعيدة مع زوجتي بكل زاوية بالبيت، كل شئ حضرني بتلك اللحظة والدموع تنهمر على الوجنات.. فجأة! وطرق الباب يقاطع تفكيري وأستغفاري ذنوبي، إنها فتاة صديقي تصرخ وتطلب المساعدة، فخرجت شبه عريان، وإذا بصاحبي ممدداً على أرض الحمام، بوضع مقزز ومنفـر، إنه عريان وملطخ بأوساخ الرذيلة التي تخرج من فمه ومن أسفله حتى منخريه! وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، قلبي يدق بسرعة، روحي خائفة وجلة، ويداي ترتعش، أي والله! فأتصلت بالرجل العجوز وأنا أبكي، فحضر في الحال، وأخبرني إنه أعطاه مسكراً وحبوب مقوية، وربما أفرط في أستعمالها، فمددناه مكانه، وغسلناه بالماء من كل صوب وكأنه بهيمة!، ثم لففناه ووضعناه على سريره كميت بالكفن، واللعاب يسيل على خده ورقبته، ودموعه في عينيه، لكن بدون بكاء.. حينها خرجت تنهيدة مني دون شعور: آآه ياربي !! كم حيواني ذاك المنظر، وكم بشع وقذر ما عليه صديقي المسكين.

في صباح اليوم التالي قررنا الهروب من وضعنا المزري، ولم يصدق صاحبي ما حدث له إلا بعد أن رآى صورته التي التـقطتها الفتاة بالجوال وهي تبكي خوفاً.. فما أن أشعلت السيارة حتى أنطفأت! وشعرنا إن أحدهم قد عبث بها، فأكتشفنا إن الشبيبة الجالسين هم السبب، وهذا نوع تخويف ومعارضة لما يجري ببيت العجوز، ومضايقة لزبائنه، فأرسلنا السيارة على شاحنة إلي بلادنا، ورجعنا بحافلة متواضعة لنفاذ أموالنا بعد صرفها على الحرام، فكان النصف يوم كالشهر، وما أن رأيت زوجتي حتى رأيت الحياة من جديد، فكم هي جميلة كالحورية! فأغتسلت وصليت ركعتين توبة نصوحة لوجه الله، وقد تذوقت كم لذيذ هو العيش الحلال، وما زالت تلك الذكرى الخبيثة درس لاينسى، وكيف كانت سهرة عشاء قذرة مع الشيطان.

فوزي صادق

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى