الأحد ١٢ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

فلنجعل ربيعنا تربويا!!

أميل إلى الاعتقاد جازما بان أزمة العرب الحقيقية هي في نظامها التربوي الذي يثبت فشله كل يوم. ولعلني لا أضيف جديدا إذا أكدت أن الحاجة باتت ماسة جدا إلى ترشيد هذا النظام وإعادته إلى جادة الصواب بعد أن وقع في حبائل التخاصية وسقط في بور الفساد والترهل من كل صنف.

تتلاطم الأمواج من حولنا وتنذرنا بعواقب وخيمة إن لم نصحوا، وتثور الزوابع بل البراكين من تحت أقدامنا ونحن غافلون لا نملك الفعل، وليس لدينا رد فعل غير الاسترسال في غينا غير مبالين وكأننا عشقنا فكرة الانتحار الحضاري بعكس غيرنا من الأمم التي تتطلع إلى التقدم وتصنع المنجزات!

فالتعليم في بلادنا لم يعد رخيصا أبدا، ومؤسسات التعليم العالي الرسمية صارت كمثيلاتها التجارية الخاصة تشرع الرسوم وتقبض الأموال تحت مسميات قد لا تكون عادلة أو دستورية مثل برامج الموازي وغيرها. والتعليم العام المدرسي غدا ضعيفا هزيلا يفر منه كل من لديه بعض القدرة من اجل تامين مستقبل عياله ببعض الفرص. وصارت المدارس والجامعات الخاصة تجارية بامتياز لا تكترث لغير حسابات الربح والخسارة ورأس المال ورغبات المساهمين والمستثمرين الطامحين إلى تحقيق أعلى الأرباح بأقل الكلفة وهذا ديدنهم لا يلومهم عليه احد.

وهناك طبقات من المجتمع لا تجد طريقا إلى التعليم المتميز، وقد تجد نفسها خارج نطاق المشاركة في بناء المجتمع بسبب حرمانها من الفرص المتكافئة. وما زلنا نسمي أنفسنا بلا خجل أمما نامية، ويبدو أننا نريد أن نبقى إلى الأبد في طور الحضانة دون رغبة أكيدة في النمو أو النضج. ومقاييس القرن الجديد لا ترحمنا، فالسيادة للسوق، والسطوة للتنافس غير البريء.

لا نمتلك تقنية ولا ننتج معرفة وإنما في أحسن أحوالنا ننقل معارف باليه بوسائل ببغائية. ننسخ من الكتب التي يؤلفها غيرنا وندعي الإبداع، وصرنا من اسبق أمم العالم في فن التصوير والنسخ السريع. بحوثنا العلمية تافهة في معظم الحالات، لا يراد بها غير الترقي إلى رتب أكاديمية أصبحت موضع شك في جودتها وجدواها.

محاضرات مملة، وكراسات وملخصات، ووسائل للغش والتزوير متطورة! وامتحانات هزيلة لا تقيس شيئا غير قدرات الحفظ الشكلي، ولا تهدف لغير الوصول إلى مقعد جامعي بأي وسيلة ومن أي باب. وعقول أبنائنا وبناتنا تنغلق على نفسها لا تدري خلاصا. واحتفالات وطقوس غريبة عند نهاية كل عام مدرسي، وقرب أسوار المدارس تشهد تمزيقا للكتب ورميا في الحاويات، وأحيانا الحرق والدوس بغضب تحت الأقدام!

من المؤكد أن ما نمر به حاليا هو مفترق طرق وربما انعطاف خطير. فالمشهد مقلق بحق. فماذا سنجني من ربيع عربي سياسي ملوث بالدماء؟ ماذا نجني من حالة النزق، وعدم الاحتمال؟ وماذا ستصنع لنا المشاجرات، والاعتصامات، والاغلاقات، وأين تسير بنا الاتهامات والشكوك؟

العقل العربي في أجازة مفتوحة وطويلة على ما يبدو. وربما وضع في الثلاجة ليتجمد زمنا طويلا لعدم الحاجة إليه في الوقت الحاضر. والخوف يتزايد على ما تبقى من هوية الأمة، ولغة الضاد تشعبت وتآكلت وتشتتت لكي تواجه مصيرا يشبه ما حدث للغة اللاتينية القديمة. وليس لدينا من ثقافة معاصرة تبعث على الاعتزاز، لأننا اكتفينا بتمجيد الماضي، والتلذذ بمشاهدة بطولاتنا الغابرة على شاشات التلفاز.

يجب أن نعيد النظر في أهدافنا كبشر على هذه الأرض التي رواها الآباء والأجداد بدمائهم وعرقهم لتبقى عزيزة. ويجب أن نكف عن الكذب والنفاق والتزلف وخداع الذات. ويجب علينا أن نسعى لاكتشاف عقلنا العربي الضائع والتائه والمستسلم لأدنى مؤثرات الآخر.

نطمح إلى استراتيجيات حقيقية لا حبرا على ورق، ولا خلوات أو مؤتمرات زائفة. ونشتهي زمنا عربيا جديدا يكون الوطن بمفهومه الواسع هو العنوان وهو الهدف وهو الوسيلة. ونأمل بوزارات للتربية بمعنى التربية لا تخذل التربية ولا تسخف العقل أو تقزمه. ونحبذ وزارات للتعليم العام والعالي لا تمارس الكيد للتعليم وتلوي أعناق الجامعات والمدارس. ونحلم بمؤسسات تعليمية حقيقية تمجد العقل، وتغرس الحرية، وتبارك الطموح، وترعى الإبداع، وتتوقف عن ممارسة صنوف الشعوذة الأكاديمية!

إذا جاء ربيع العرب، فلنجعله تربويا بامتياز، ولنبدأ من جديد بعد كل هذه الكبوات المميتة، فلعل فينا بقية من رمق! فلقد سئمنا من الموت بين الأمم، ولدينا أنفاس ترغب في ممارسة الحياة الكريمة في بلادنا وليس في بلاد الاغتراب، ولدينا أولاد وأحفاد سيلعنوننا عما قريب، فماذا نترك لهم غير التخلف، والبطالة والمصير المجهول؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى