الجمعة ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم رندة زريق صباغ

بين النظرية والتطبيق

يحيا منذ سنوات في عالم يعتاش فيه الناس من خلال عمل روتيني بين الساعة الثامنة حتى الخامسة يتخلله استراحة غذاء...في أجواء يسودها النفاق، الاستغابة والخصومات. يعي هو تماماً أن لا يجدر به الاستمرار في هذه الحياة المهنية التعيسة، حياة كما الماء الملوث لا طعم له سوى أنه يروي الظمأ.

إنها السنة السابعة التي يفكر فيها جدياً بترك مكان عمله الثابت هذا ذي الراتب المضمون والذي لا يرضيه أبداً...يتعلم دورات خاصة حول تطور الذات وحول تحديد الأهداف واتخاذ القرارات...يدرس امكانيات ترك الوظيفة والتحول إلى العمل الحر الذي يضمن له ولأسرته دخلاً أفضل وأكبر يحققون من خلاله معظم ما يصبون إليه. يهتم بقراءة قصص أشخاص نجحوا بشق طريقهم نحو الهدف المنشود. أصبح يعرف غيباً فحوى معظم الكتب التي تتحدث عن تجديد الطاقات والسعي نحو تحقيق الأهداف والنجاح في الحياة وكيف تكون حياتك ملكك وليست ملك غيرك...بل إنه قادر على إعطاء دروس في هذا المجال لمن يرغب، لكنه لا يطبق ما يعرفه على أرض الواقع.

يلحظ أخطاء ساذجة لبعض الشركات الموجودة في السوق ولديه الكثير من الأفكار التي إن نُّفِّذَت ستساهم في تحويلها لشركات أكثر نجاحاً وتميزاً...يدرك هو ويؤمن بخصوصية ذكائه وتميزه ويعرف أنه يعرف أسرار النجاح كما لا يعرفها غيره.

فحتى المعلومات التي سمعها في الأيام الدراسية وورشات العمل لم تمدّه بجديد يذكر...فهو ملم بكل هذا نظرياً وينقصه فقط الخطوة الأولى في رحلة التطبيق.

قارب على الأربعين... ويشعر أنه قريب من التغيير الجذري في حياته، ويقول في نفسه: كتاب اخر...دورة أخرى قليل من المعلومات حول الموضوع لأصبح متمكناً أكثر..عندها تكتمل فكرتي عن مشروع حياتي الجديد.

تلاحقه هذه الحجج والذرائع منذ سنوات حيث اصطدم بجملة هامة تختصر عالم التنمية الذاتية كله "أيها الإنسان...أنت قادر على كل شيء"!! أشعلت هذه الجملة ومثيلاتها ناراً قويةً في روحه لدرجة جعلته يدمن تعلُّم معلومات ودروس يحشو رأسه وفكره بها حتى –يوماً- ما يقيم مشروع عمل خاص به.

يحلم كل ليلة بمشاريع وأفكار تشبه أفكار نابليون في احتلال العالم وتغييره، وفي الصباح يجر نفسه مجدداً إلى وظيفته المقيتة -التي بات يكره وجوده فيها- لينفذ طلبات وأوامر مديره... هذا ما يحصل معه كل يوم....روتين قاتل ممل ومقيت.

اليوم لم يكن يوملً عادياً بالنسبة لوليد فقد كان إشارة لبداية جديدة هي لا محالة نهاية المرحلة السابقة، بينما كان يهم بدخول سيارته بعد يوم عمل مريع، التقى بشخص بدا وجهه مألوفا له لم يتذكر من أين.

أثناء السلام والكلام تذكر أنه أحد زملائه في دورة التنمية الذاتية الأولى التي شارك بها قبل ثماني سنوات...ونجح بتذكر اسمه أخيراً.

كان سامي أكثر المشاركين هدوءً في الدورة وقلما تحدث أو حتى أبدى رأياً في المواضيع، كان في حينه عاملاً في أحد مواقع البناء بعد أن تخرج من الجامعة، وصل لدورة التنمية الذاتية لأنه رغب بإحداث تغيير في حياته. بالمختصر وصل سامي للدورة التدريبية بحثاً عن حياة جديدة لأن حياته القديمة ليست هي التي يريدها...وكانت هذه تقريباً الجملة الوحيدة التي قالها خلال كل الدورة التي امتدت على اثني عشرة لقاءً.

أما وليد فكان الطالب الأكثر نشاطاً ومشاركة بالصف، وطالما اهتم بقراءة المواد، مقارنتها ومشاركتها مع الاخرين كما مع المحاضرين.

كيف حال؟ بماذا تعمل هذه الأيام؟ سأل سامي مطلاً برأسه من شباك سيارته الجديدة الفحمة.

لا زلت أعمل في الوظيفة، أفكر بفتح مشروع خاصٍ بي... أجاب وليد بفخر.

بدا الاستغراب واضحاً على سامي إذ قال متسائلاً:- أذكر أنك قلت ذلك في الدورة قبل سنوات...أم تراني مخطئ؟!

لا، لست مخطئاً...قرأت حتى الان أكثر من مائة كتاب، شاركت في أكثر من عشرين ورشة عمل في البلاد والخارج حول التنمية الذاتة والنجاح، بات لدي الاّن كل المعلومات المطلوبة وفي القريب العاجل سأبدأ بانشاء مشروع يدر علي أرباحاً طائلة.

وما هو المشروع الذي تفكر به يا وليد؟

لم أقرر بعد! فالامكانيات كثيرة، وأكثر ما يشدني هو المشاريع عبر الانترنت، يقال إنه بأمكان هذه المشاريع أن تدر عليك ربحاً طائلاً دون أن تضطر لتعمل أو تتعب...يقال إن كل ما تحتاجه هو بعض الخبراء الجيدين ليقوموا بالعمل كله، وأما صاحب المشروع فبإمكانه الذهاب فقط مرة بالشهر لجني الأرباح... هذا ليس عملاً وإنما هي الجنة!!

تفكر بمشروعٍ ينطبق عليه منطق "إربح الملايين دون أن تعمل وتتعب"...أضاف سامي!

نعم فأنا ومنذ سنوات أجمع معلومات مختلفة ومميزة عن ضرورة وكيفية ابتعاد الشباب عن الأعمال الجسدية التي لا تحقق أحلامهم وبالمقابل أن يسعوا نحو الحصول على شلالات من النقود... كل ذلك سيتحقق قريباً!! قال وليد بعنفوان وثقة.

مذهل! علّق سامي على ما سمع، فأنا لم أفكر بهذا الاتجاه أبداً من قبل، وها أنا أعمل ثماني وعشر ساعات يومياً.

مدير شركة هندسة وبناء قد فزت للتو بمناقصة كبيرة لبناء مركزين تجاريين كبيرين.

جميل جداً، قال وليد...كيف وصلت لذلك خلال سنوات قليلة؟

بعد تلك الدورة الهامة بدأت أفكر بالحياة بجدّية، فقد دفعت راتبي كله لهذه الدورة التي غيرت نظرتي للأمور فغيرت حياتي على إثرها!! كنت في السادسة والعشرين من العمر بدون بيت ولا سيارة، لم أتزوج ولم أكون عائلة بعد... مجرد عامل بسيط في ورشة بناء رغم أنني حاصل على لقب جامعي في الهندسة والتصميم، وكما تعلم فإن الحياة كالفيلم الأسود والأبيض...لا مكان للون الرمادي فيها... أما حياتي في حينه فكانت سوداء أكثر من اللازم.... وهكذا قررت أن أغير حياتي بالفعل.

شعر وليد كما لو أن عظمة علقت في حلقه سرعان ما ستخنقه، فكيف نجح هذا الطفل بالتفوق عليه وبأن يسبقه خطوات وخطوات؟! هذا المشارك الأصغر سناً في الدورة وأقلهم اجتهاداً وكلاماً حتى!

كنت في وضع مادي سيئ جداً لدرجة لم أتمكن من دفع أجرة البيت فطردت منه... انتقلت للمبيت في مخزن مدير عمل الورشة التي اشتغلت فيها، عملت نهاراً ونمت ليلاً في المكان نفسه، كنت أعمل ورديتين كي أضمن دخلاً أكبر يساعدني في حل أزمتي المادية...وبقيت على هذه الحال ستة أشهر، بعد أن سددت القسم الأكبر من ديوني، قررت البحث عن عمل جديد يتلائم مع قدراتي التي جعلني التدريب والتنمية الذاتية ألتفت إليها، أقدرها وأسعى لإستثمارها بالفعل. بدأت أدرك أنني قادر على أن أصبح أفضل مما أنا عليه.

كانت الغيرة تعصر قلب وليد مع كل كلمة يقولها سامي الذي تابع سرد قصته مزهواً!

جمعت قواي وتسلحت برباطة جأشي وتوجهت لمدير الشركة التي بدأت العمل بها - صاحب أكبر نسبة من الأسهم- واضعاً نصب عيني أن لدي شهادة بالهندسة،مستذكراً فكرتي التي مفادها أنه بالإمكان تقليل مصاريف أي مشروع بنسبة خمسة بالمائة مع ضمان توفير سبعة بالمائة من فترة التنفيذ...وهي فكرة إن اقتنعوا على تحويلها إلى واقع لوفرت الشركة الملايين!!!

تحاول أن تقنعني أنك وبكل سهولة توجهت لمدير الشركة الكبيرة التي بدأت العمل فيها للتو؟ سأل وليد باستغراب!

بالضبط...فقد علمونا في دورة التدريب والتنمية الذاتية أن كل البشر متشابهون من الناحية الفزيولوجية والجسدية، لا فرق على سبيل المثال بين تركيبة جسد ودماغ رئيس الدولة وبين العامل البسيط... الفرق الوحيد هو كيف يقيّم كل منهما نفسه وأين يضعها في هذه الحياة!!!
اتخذت قراري وطلبت مقابلة المدير، شرحت له فكرتي مدعِّماً اياها بالأرقام والبراهين التي تؤكد صحتها...بعد فترة من التحقق قرر المدير فتح شركة صغيرة -تابعة للشركة الكبرى- تم تحويل بعض المشاريع إليها لتنفذ حسب اقتراحي، في فترة تجريبية... وهكذا كان!!!

الشركة، ثم وعلى إثر بعض القرارات الهامة ذات المردود المادي الكبير -على الشركة وأصحابها- تم ضمي لمجلس الإدارة... هذه قصتي باختصار!!!

لم يكن وليد هو ذاته هي هذه الأثناء من شدة القهر،الغيرة والشعور بظلم الحياة تجاهه...
لقد تعلمت، درست وحصلت شهادات كثيرة... أعرف أكثر من هذا السامي بمئات المرات فلماذا لازلت واقفاً مكاني في حين سبقني هو بهذه السرعة؟ ! أصحيح ما يقال بأن حظ الأغبياء أوفر من حظ الأذكياء؟!! تساءل في نفسه راغباً بصفع سامي.وصفع نفسه في اّن... لكنه تمالك أعصابه وطرح عليه سؤالاً قد يجد

في الإجابة عليه بعض المواساة:-

ما هو سر نجاحك بالفعل ما؟

ليست لدي إجابة محددة...فأنا نفسي لا أعرف، كل ما يمكنني قوله إنني وبعد دورة التنمية الذاتية بدأت بتنفيذ خطوات كل المهام التي ألقيت علينا في الدورة والتي مفادها أن "التغيير يبدأ من الداخل"، حددت لنفسي هدفاً -لم يكن لي هدف واضح في الحياة قبل ذلك- وباشرت بالتنفيذ دون أن أقلق حيال نتائج ما سأقوم به، فأقصى ما سيحدث هو اللا نجاح وأكون بذلك قد جربت وتعلمت من أخطائي...أقوم مستجمعاً قواي وأحاول من جديد...المهم أن لا أظل في دائرة الكسل، الخمول والخوف

ببساطة... تحركت وعملت بجد ونشاط، خمس سنوات من المثابرة والتعب... من الطموح اللا متناهي بإتجاه هدفي المنشود حتى وصلت إليه مرفوع الرأس فتغيرت أحوالي المادية، مكانتي الإجتماعية...اشتريت بيتاً وسيارة، تزوجت وأقمت عائلة...وها أنا أشعر بالسعادة والقوة الداخلية.

أمضى وليد سنوات في التعليم والدراسة النظرية استعداداً للتغيير القادم!!
وأما سامي فقد فكر، قرر، خطط بسرعة وبدأ بتنفيذ ما تعلمه ليزداد معرفة من خلال العمل والتطبيق!!

"وأظن أن أي تعليق إضافي سيبدو فائضاً عن الحاجة"

مدربة/محاضرة تنمية ذاتية وتطوير قدرات
عيلبون


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى