الأحد ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم ياسمين محمد عزيز مغيب

قامَرتهُ على نفْسِها فاخْتار سِواها

بعد أن خلدتُ للنوم في وقت القيلولة في أحد أيام الصيف الحارة، استيقظتُ مفزوعة على صرخات وطرقات عنيفة، ورنات متواصلة للجرس، وكأن أمر جلل قد وقع، هرولتُ من سريري مرتعدة لجوارح، لأرى ماذا حدث، هل قامت الساعة وأنا في غفوة من أمري!!!

فتحتُ الباب وإذا بها تسقط على الأرض مغشياً عليها من فرط البكاء، إنها زميلتي بالعمل التي التحقت به منذ بضعة أيام، يا للمصيبة ماذا حدث لها؟

حاولتُ إيفاقها، فكانت تردد الغباء نعمة، لعبتُ بالنار فأحرقتُ قلبي، ثم تعود مرة أخرى في حالة من اللاوعي، عانيتُ معها حتى استطعت تهدأتها، واسترخت على السرير، وبدأت في سرد ما حدث لها قائلة:

تزوجته على عجلة من أمري، بعد أن أصابتني حمى حبه، برغم أنه يكبرني بـخمسة عشرة عاماً، فهو رجل مُهاب الخطى، قوي الشخصية، طويل القامة، عسلي العينين، ذو قيم ومبادئ، حازم في قراراته، رقيق في همساته، يصرع أجمل النساء بهدوئه، ونظراته الحالمة.

كان يتغنى بحبّي أناء الليل وأطراف النهار، كنت أرى فيه كل الرجال، فأنا زوجته وابنته وحبيبته وصديقته.... استمرت سعادتنا سنة متواصلة ننهل فيها من كؤوسها بلا توقف....

إلى أن جاء اليوم الذي أوعز لي شيطاني أن أختبر مدى قوة حبه لي، فقمتُ بعمل إيميل جديد باسم امرأة، وبدأتُ أول اختبار، أرسلتُ له طلب صداقة، فوافق وقام بإضافتي، وقتها طمأنت نفسي بعد أن اشتعلت النيران بجنبات قلبي، هذه طبيعة النفس البشرية الفضول، وأخذت ألتمس له الأعذار، فلربما يود معرفة من أكون.

وبعد أن تعرفت عليه وأخبرته أنني مطلقة وأن اسمي سارة، بدأت في المرواغة، وأظهرت كيد النساء، فكنت أدخل له دائما في أوقات فراغه التي كنت أحفظها جيداً، بعد أن أخبره بأني ذاهبة لأمي للاطمئنان عليها، عزفت على أوتار قلبه بخبث ودهاء لأنني أعرف نقاط ضعفه وأتقنها، تخيلته سيوقف فيضان مشاعر سارة، وفوران أنوثتها، ففوجئت به ينجرف أكثر وأكثر... لامرأة عابثة لاهية لم تخاطب فيه سوى مجونه.....

أصابني الخوف هل يمكن لسارة أن تأخذه مني، وأنا الذي أتعبد بمحرابه، وأشاطره أنفاسه وأفراحه، وقمر ليله، قررت الامتناع عن لعبة الاختبارات بعد أن رسب بأول اختبار وثاني اختبار، وخشيت نفسي من أن يخذلني بالاختبار الثالث....

جلستُ بالقرب منه أعبث بخصلات شعره، أنثرها وألملمها لعله يستفيق من غيبوبتها، حاولت أن أرده إلىّ رداً جميلاً، كان يُسرع بالهروب بعيونه خشية أن أرى سارة تسكن أحداقها...
بدأ يتغير ويعتاد الخروج بشكل يومي مع أصدقائه، لأفاجئ به يرسل لسارة رسائل استرحام بأنه لا يقوى على العيش دونها، وأنها قلبت حياته رأساً على عقب، أصابني الدوار، تزلزلت الأرض تحت أقدامي، أأحب سارة؟ أفضلها عليّ؟

وماذا منحته سارة سوى حروف باردة تخرج من لوحة مفاتيح عقيمة تخلو من مشاعر الحب الدافئة، فقط خاطبت غريزته.

وأنا من أخاطب كل حواسه ألم يشعر بي، ألم أحرك سكناته كما كان يخبرني، ألم أعد أعني له شيئاً؟!! أسحبت سارة بساط الحب من تحت قدمي.... فما أرخصني إذٍ، أقامرت على نفسي، فخسرني وكسب نفسي.....

لم يكن هناك مفر من الهروب فلو تركته ربما بحث عن امرأة أخرى تنسيه سارة، وإن كنت أنا من صنعت تلك الأكذوبة وأدخلتها بحياته، أصبحت تقتلني الغيرة من وهم أنثى حتى خلتها واقع...

بدأ يداعب حروف كلماتها، ويتغزل في أنوثة رقتها، وأصبحت أنا ملقاة على رفوف الذكريات، وثب بداخلي الحنين، وطفقت أجمع أسلحتي، لن أترك من ينبض قلبي لأجله، أخذت أجمع حلقات الأيام لأعيدها إلى ذاكرته، وأنظفها من غبار البعد النفسي الذي حفرته سارة على جدران قلبينا...

لكنه ظل يبحث عن أثار امرأة ليس لها وجود بالواقع، حاولت أن أمسك شعرة تفصل بين العقل والجنون، لأنني لست من النوع الذي يخون ثقته باختياره، ويخذل حبه، إلى أن طلبها للزواج فأصابني الجنون وقطع تلك الشعرة، أيريد أن يجعلها تشاركني قلبه، وما كان قلبه يتسع لكلينا.

حاولت إعادة ترتيب مشاعره، وأجبرت سارة على أن تخبره أن ضميرها يرفض أن يهدم بناء أسرته أوتدمير مستقبلها، فثارت ثورته وقال عن أي بناء تتحدثين، فمستقبلي هو أنتِ، ولغيرك لن أكون.....

فازداد غرور سارة وطلبت منه أن يطلق زوجته، لأنها لا تقبل أن تشاطرها أنثى بصدره، فوافق دون أدنى تردد....

حينها فقط عصفت بي رياح اليقين بعد أن باعني بثمن زهيد، لأجل امرأة أقل ما يقال عنها أنها عاهرة الفكر، تختبأ خلف شاشة الأنوثة التي لا تملك منها سوى الجسد، فاحترفت حديث الجسد دون أدنى مشاعر حب....

خشيتُ أن يهدم المعبد لأجل سارة، فقمتُ أنا بهدمه، وأدركت معنى قوله تعالى:
"إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ"( سورة يوسف: الآية 28)

ندمتُ على ذكائي الذي دمر عشقي لرجل المبادئ ذو القرار الصارم الذي لا رجعة فيه، جعلني عارية أمام مرأة الحب التي خسرت نفسي عندما حاولت العبث بزوايها، فقامرت على نفسي، فانهدم جدار فولاذي كان كل أحلامي... ورجعت بخفيّ حنين.....

شعرتْ بغصة، وانهار طوفان دموعها، ربتتُ على كتفها واحتضنتها علّني أواسي جراح بركان هي من فجرته، وأخبرتها بقوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ" (سورة التغابن، الآية: 28)


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى