الاثنين ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢

ابعد شوية.. تشوف أحسن

عبد السلام البسيوني

اسمح لي قارئي الحبيب أن أهرب قليلاً من السياسة، وأحاور حضرتك بشكل يختلف قليلاً عن المنهج المعتاد في مقالاتي، فأنا وحضرتك أحوج ما نكون هذه الأيام لشيء ننفس به الضغط والتوتر، والهم الذي نحس به؛ بسبب ظروف البلد، وما فيها من بلطجة ونخنخة وعلمنة ولبرلة وفلول وإعلاميين لا يملكون في وجوههم نقطة دم، ولا جرام حياء، ونخبة أقل ما يقال عنها إنها تخون مصر عيني عينك، وتريد استعادة فرعون وملئه، لعنة الله على فرعون وملئه؛ كما لعنهم الله تعالى.. واصبر على أخيك.. ربنا يخليك..

إذا أردت أن تنظر في المراية قارئي العزيز، فاسمح لي أن أدل سيادتك على بعض قوانين النظر فيها - بحكم كون نظري ما شاء الله/ بيرفِكْت/ ستة على ستة! ولكوني ضليعًا متأستِذًا في فيزياء الضوء، وفن التصوير، والفشر على عباد الله - لأن معرفة هذه القوانين، وتطبيقها، سيمنحك فرصة عظيمة، لترى الصورة دقيقة واضحة، لا تزييف فيها، ولا شذوذ.

وأولى بديهيات النظر الصحيح في المرآة أن زاوية نظرنا تتحكم فيما نراه أو نكتشفه، فالناظر إليها من المنتصف، وبشكل مستقيم، يرى ما عن يمينه، وما عن شماله، وما فوقه، وما تحته.. بخلاف الذي ينظر من طرفها الأيمن، أو الأيسر، فإنه لن يرى إلا شيئًا يسيرًا من الصورة، وسيبقى الباقي محجوبًا بزاوية الوقوف.. صح سيادتك واللا انا غلطان؟

ثانية البديهيات أن نوع المراية يتحكم أيضًا في الصورة.. فإذا لم يكن زجاجها مستويًا بشكل دقيق، واحتوى على مساحات غائرة أو ناتئة تكسر زاوية الضوء - مهما كانت خفيفة - فإن سيادتك سترى الصورة آخر لخبطة، إذ سيتحرك أنفك نحو أذنك، وأذنك ستكون في ذقنك، وستلتصق شفتاك بالعين اليسرى، وسيكون شعرك المسبسب أشبه بذيل معزة، قد تجمّع في ناحية من خدك الأيسر.. بحيث تصير في النهاية صورةً حيةً للعكِّ السريالي، بتاع الأخ الإسباني بابلو بيكاسو، الذي يسبب لي الغثيان، والرغبة في عمل حاجات وحشة، حين أرى شخبطاته - بحكم كوني زفتاويًّا بدائيًّا - رغم عدم اندهاشي من وجود كائنات تشتري لوحة من لوحاته المنفرة المُغثِية ، بمائة مليون دولار - لاحظ من فضلك كلمة مليون - مع العلم أن مثلي لن يدفع فيها إلا ثمن البرواز - إن كانت مبروزة - ليضع فيها لوحة لفنان ابن حلال، يحبب إلينا الألوان والرسم، ولا يعبئ لنا القبح في براويز!

كذلك يختلف الأمر لو كانت العدسة مقعرة أو محدبة؛ إذ إنها ستعطيك من الرؤية ما لا تعطيك المستوية النقية، وأنا متأكد أن تلاميذ الابتدائية درسوا في منهج العلوم أضعاف ما أعرف عن العدسات، لكن لازم أعمل فيها ابن الهيثم، لزوم القنعرة والتعالم!

واسمح لي أن أزعم أيضًا أن قوة إبصار سيادتك لها دخل فيما تراه: فإذا كانت عيناك ما شاء الله عيني صقر - زي زرقاء اليمامة - فسترى الصورة (هاي ريزولْيوشن) بدقائقها وتفاصيلها، واضحة مشرقة الألوان، جميلة جذابة.. أما إذا كنت لا قدر الله مثلي: أضبش/ شيش بيش/ تخبط خبط عشواء/ نظرك على قده، فسترى الصورة مضبِّبة، غائمة، تائهة المعالم، هلامية التفاصيل.. وهذا قد يوقع سيادتك في الحرج، حين ترى شخصًا قادمًا، فتمد يدك لتصافحه؛ ظنًا أنه عبْلطيف صديق عمرك، فإذا بها تلطم وجهك، صارخة بصوت نسائي مسرسعٍ مذعور: انكسف على دمك يا بعيد! انت ما عندكش اخوات؟!

والعين التي ننظر بها ذات دخل كبير في تحديد ما نرى، فعين المتعجل غير عين المتأني المتأمل، وعين المعجب غير عين العذول، وعين خليّ القلب غير عين العاشق الذي إذا أصابته (النوبة) - عياذًا بالله - فسيصاب بعمى الحب، وسيصير كالجحش في أحكامه، حتى إنه ليظن أن حبيبته التي تشبه برميل الزبالة أرشق من غزال الفلا، ويعتقد أنها - رغم معدل ذكائها اللي تحت السبعين، ولا بنت الشاطئ، أو سميرة موسى، أو سناء البيسي، وأنها - على قبحها المفرط - أجمل من فايزة كمال، وأخف دمًا من مي عبد النبي ف شبابها، لأنه قد أصيب بالحَوَل في قلبه، أو لأنها سحرت قدرته على الشوف، فصار يُطَجِّن، ويهلوِس، ويرى الأمور على غير حقيقتها: (يِيجي ابويا يعوز فنجان قهوة.. اعمل لُّه شاي، وَاسْقِيه لامي!/ وخيالك يِيجي على سَهوة.. ما افْرِقش ما بين خالتي وعمي).

والعدسة التي تضعها على عينك، لتعينك على الرؤية تتدخل أيضًا فيما تراه؛ فالمكبرة التي يستخدمها فنان، أو خبير مجوهرات، أو باحث في مختبر، أو رجل سليم البصر، غير النظارة (كعب الكُبّاية) التي كان يلبسها محمد عبد الوهاب، وسيد بدير، وإسماعيل أبو وزة الله يرحمهم، فهذه ترى أشياء، وتلك (يدوب) تعين على تلمس الطريق، ورؤية أصابع اليد، حينما يفردها صاحبها أمام وجهه!

وقربُك أو بعدك من المرآة يتحكم أيضًا فيما تدركه؛ فما تراه وأنت قريب منها أو ملتصق بها، يختلف - في حجمه وتفاصيله وجودته - عما تراه وأنت بعيد عنها بعدًا يسيرًا أو كثيرًا! فإذا كنت ملتصقًا بالمرآة، أو عدسة الكاميرا، فستظهر بشكل مضحك، إذ تصير مشافرك كمشافر الجمل، وعيناك كعيني الضفدعة، ويصبح وجهك طويلاً مسحوبًا كوجه المعزة، يعني - بالعربي - زي شخصيات فرقة المرعبين المحدودة!

واسمح لي أن أقف أمام هذه المسألة متأملاً؛ لأستطلع ما يمكن أن يفيده البعد - وهو ليس خيرًا كله، ولا شرًّا كله، بل هو مختلف بحسب حالك، وحسب أهمية ما تنظر إليه في حياتك - وسأوضح لك وجهة نظري، ولسيادتك أن توافقني أو تخالف، فهذا لا أهمية له في عالمنا السعيد..

فاصبر عليّ حضرتك للمقالة القادمة، والله يسامح المساحات المحدودة..

عبد السلام البسيوني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى