الأربعاء ٢٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الفتوى البولية

كثر القيل والقال عنّي حتى صوّروني على هيأة وحش خالٍ من الأحاسيس النبيلة؛ وأنا مثل الأنبياء أشعر بمعاناة الناس وأتألّم لحالهم وأبكي. ماذا أستطيع فعلـَه إذا ما ضاقت الحياة على عباد الله واستبد الظلم بهم؟ وما هي حيلتي عندما أرى حبيباً يُؤَرَّبُ بمِبْضَع الجرّاحين؟ وماذا يمكن لي فعلـُه لعزيز يتألّم بسبب عشق مستحيل؟
يقولون:«الشيخ القردوح لا يعرف سوى أن يفتي». هذا كلامٌ مردودٌ على أصحابه؛ فأنا أصلّي وأفتي وأبكي.
قبل أشهر بكيتُ عندما توفيَ جاري السيِّد إبراهيم بسبب سرطان في أمعائه الدقيقة. وكانت زوجته السيِّدة فاطمة الجميلة العفيفة استفتتني في شأن من يتناول بول الجمال لمعالجة داء السرطان، فقلتُ لها:[يقول الدكتور الشيخُ «بَغـْلول الجَزّار» بجواز تناول بول البعير لأجل التداوي؛ بل وقال بوجوب إحداث مصحّات حكومية لمعالجة المرضى بهذه الطريقة، واعتبر من يبني مصحّة من هذا النوع كمن بنى مسجدا أو حفر بئرا في الصحراء... صدقة جارية يعني. وأنا أقول غير هذا الكلام.
أيها الناس انتبهوا، فإذا كان في العسل شفاءٌ، ففي البول عموماً أكثر من شفاء، على الرغم من أنّه من فضلات الجسم. ولعلمكم فإن البول يحتوي على عدّة مواد عضوية ومعدنية ومنها؛ مادة سكر الغليكوز الطاقية، ومادة البَوْلة الناتجة عن هدم البروتينات، والماء والأملاح الفوسفاطية والنشادر، وبعض مشتقات الهرمونات. ولهذه الموكوّنات والأسباب أعتبر أنّ البول تعميماً، وبول المرأة تخصيصاً، صالحٌ لأن يكون كما تكون المواد الصيدلية التي يدّعي الكفّار بأنهم أفنوا أعمارَهم في اكتشافها وبلورتها وتطويرها.
أيّها الناس، الأدواءُ من حولكم والأدوية في مَتانتكم البولية؛ أ لم نقل إنّ في البول الماءَ الذي منه كلّ كائن حيّ، والأملاحَ عِمادَ العظام، والسكرياتِ أساسَ الطاقة، والنشادرَ مادة َ الاستفاقة، والبروتينات سرَّ القوّة العضلية، والهرمونات الموادّ المنظّـِمة لمختلف وظائف الجسم؟... أيها الناس، اشربوا بولكم تصِحّوا، وإن لم تقدروا على شرب بول الإنسان فما عليكم إلا ببول الحيوان تستعينون به على جميع الأمراض. لأنّ الاكتشافات العلمية ـ حسب ما قيل لي ـ بيّنت أنّ بول الجمال يليق لمعالجة سرطان الأمعاء، وبول النّوق يشفي من مرض البلادة بشرط أن يتكبّد البليد مشقّة انتظار لحظة تبوّل الناقة فيكرع من بولها الطّري. وأمّا بول الكلاب فمخصوص لمعالجة البرص، وبول الدجاج ينفع لمكافحة داء السكري، وبول الذباب فعّالٌ ضدّ مرض الاكتئاب بشكل قطعي، وبول السكير يجوز استعماله لتنظيف الجروح لأنّه يقضي على البكتيريات بصفة نهائية، و«بول العصفور» يحرّر شاربـَه من التبعية الثقافية واحتقار الذات ويكسبه الثقة بنفسِه، وبول شيوخ القنوات الفضائية يشفي من كلّ مرض باستثناء مرض «الفهم»، وبول مغنّيات «الفيديو كليب» لا يترك أثرا لأعراض داء الزهايمر؛ الرجل يطرب ويرقص على صورة «نانسي.ع» أو«هيفاء.و» فلا يعود ينسى أبدا، وبول «نسيمة» يشفي شاربَه من إدمان القنوات التلفزية المغربية، وبول الأرنب الذكر يقوّي من العزيمة. وأمّا بول الحمار فله قدرة سحرية على معالجة المُصاب بمرض التخاذل عن المطالبة بالحقّ، وذلك راجعٌ لكون الحمار أكبر النقابيين... الحمارُ ـ يا ناس ـ لا ينقـُضُ إضرابَه عن العمل ولو حاوره رئيسُ الحكومة، إلا أن تتحقّق مطالبُه.
أيّها الناس؛ أخبروني عن أخطر مرض؛ هل هو «الأيدز»؟ حتى هذا الداءُ المخيف له دواء... بولُ الثعبان.
وقلتُ لها:«هل تعلمين أيّتُها الأخت بأنّ أخاً لنا في روسيا اكتشف الدواء السحري لداء الصّلـَع؟» فجحظتْ عيناها وكأنها تقول هذا من المستحيل؛ فقلت لها:«وما هذا الشعر الذي على رأسي؟ أنا كنت أصلع وتداويت ببول زوجتي رحمها الله.
غير أنّ المرأة المستفتية لم تكن كما كنتُ أعتقد. كانت تتألّم وتصغي وتلاحظ. وفي نهاية فتواي، طرحتْ عليّ هذا السؤال الكريه:«سيدي القردوح، وأنتَ تتكلّم، رأيتُ بعض الزغب نابتاً على لسانك...». وقاحة. تشكيك في سلوك الشيوخ. طعنٌ ملعون في فتاوى الشيوخ... ومع ذلك اصطبرت عليها وأضفتُ:«... وبولُ العناكب يشفي الحروق، وبول «بوعْبولة/البزّاقة» لا يترك أثراً للزغب على وجه المرأة، وبول أبي جعران فعّالٌ ضدّ َ داء العين، وبول...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى