الجمعة ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم إبراهيم جوهر

«نوافذ» رفعت زيتون المشرعة على التاريخ وحكمته

في ديوانه الثاني يقيم الشاعر (رفعت يحيى زيتون) حوارا فلسفيا ذا نفس شعري في لغته وصوره مع التاريخ ؛تاريخ بدء الخليقة وبداية الصراع. ومع ذاته الشاعرة، ومع تلك المعشوقة التي عذبت فؤاده وليله. أما بعض ذكرياته فيتمنى نسيانها ومحوها.

إنه ينقل لحظات من الحوار الشعري مع الذات والآخر المتخيل. ويبني قصة شعرية مكتملة العناصر قوية الخيال والتأثير في قصيدة (عابرة سبيل) مثلا التي أجاد رسم الحركة والصوت واللون فيها. (صفحة 44 وما بعدها).

والشاعر لا يتخلى عن فلسفته المتفائلة المأخوذة من أبي ماضي، لكنه معجب بزهد أبي العتاهية، ويتسلل إلى روحه أحيانا نبض من لغة أبي العلاء المعري المتشائمة.
وهو إذ يبني فوق ما بناه الآخرون لا يضيع في أساليبهم ولا لغتهم بل يتفرّد بلغته وقضاياه ورؤاه وموسيقاه وصوره.

إنه شاعر يقدّم بستانه إلى قارئه بما فيه من زهور تصلح للمناسبات جميعها!

مفاجأة الديوان الثاني الجديد هذا للشاعر كانت مطولته الشعرية(لم يبق إلا الكلام).

القصيدة المطوّلة التي حملت عنوانا رئيسا في الديوان (لم يبق إلا الكلام) حملت عناوين فرعية وصل عددها إلى سبعة وثلاثين عنوانا ؛ في كل منها كانت إشارة إلى الحدث التاريخي الأبرز في مسيرة البشر الثقافية.إنها سيرة الإنسان منذ البدء حتى اللحظة التي يحياها الفلسطيني في راهنه.

استعراض بروح المعنى البعيد عن المباشرة، ورسائل بثها الشاعر بأسلوب ملحمي واع لغاياته الكبرى التي يدعو فيها إلى العمل، والأمل والاستفادة من حكمة التاريخ التي تشير إلى أهمية مكافحة السواد، والظلم ( لم تبق إلا كلمة الأنوار / بدّد عتم ليلك / واقتحم جدر السواد ودكّها /يا صانع العهد الجديد / انهض بها من تحت أكوام السواد / بنورها / وأعد إلى الدنيا البياض ) صفحة 110.

اعتمد الشاعر أسلوب القصة الشعرية في مطولته هذه لأنه يروي بدء الخليقة في الدنيا، وأرسل رسائله إلى مستمع متخيّل، هو كل قارئ، مستخدما اسلوب الخطاب المباشر، تارة للمستمع وأخرى للقلم. كما اعتمد أسلوب النصح والإرشاد ( كن كذاك الشيخ - ص59) وفتح نافذة للبشرى بعد حادثة الغراب ( أبشر بعد سلبك / بعد سبيك /بعد قيدك / تلك بشرى بالسرور ) ص 63.

تنوع أسلوب الشاعر في مطولته فاستخدم أسلوب الشرط، والطلب، والنهي، والنداء، والاستفهام...والتعقيب والتلخيص منوّعا بين أسلوبي الخبر والإنشاء مناسبا أسلوبه مع أحداثه التي يسوقها مستوقفا قارئه للوقوف على عبرها ليقبس منها جمرة لصموده، وبقائه، وأمله لينهض مجددا غير يائس من التغيير.

تشكّل هذه المطولة الملحمية تطورا في أسلوب الشاعر المأخوذ بالتغيير والتجريب. وهو يسهم في مراجعة أحداث التاريخ ليأخذ منها عبرة لواقعه.

احتوى الديوان (نوافذ) على قصائد سبقت هذه المطولة في الترتيب،عددها اثنتا عشرة قصيدة، تنوعت موضوعاتها وطغى عليها جو الشكوى، والحزن، والانتظار، والتشاؤم،والضياع، وإظهار التفجّع والألم وهي سمات الغزل العذري المعروفة فنيا لهذه الظاهرة الشعرية.
يعجب الشاعر هنا بشعر الذات الموجوعة المتألمة ليكون ألمه ذاتيا ينقل الحس العام. فنجده في غزله الشفاف ذا إحساس كليم متأثر بالجو العام الذي يحياه الإنسان في واقعه اليومي ؛ الأمل وحده يحرك الشاعر والصبر والإيمان. لذا نجده يدعو إلى الصبر والتمسك بالحلم في إطار عام من العاطفة الإيمانية التي تدعم صبر المرء على الرزايا والآلام.

رفعت زيتون شاعر مجدد ذو نفس ملحمي، يحسن صوغ الصورة والعبارة الشعرية. وهو في هذه المجموعة من القصائد يتقدم خطوة إلى الأمام في بستان القول الجميل.

صدر الديوان عن دار الجندي للنشر والتوزيع – 2012 م.وجاء في 111 صفحة.

هذه الورقة مقدمة إلى (ندوة اليوم السابع) في (المسرح الوطني الفلسطيني-الحكواتي) التي ناقشت الديوان يوم الخميس 27 أيلول 2012 م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى