الثلاثاء ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
أوراق لم تسقط عمدا «15»
بقلم فراس حج محمد

الذكرى باقية بقاء الروح يا ليلى

لقد تحولت ليلى العربية إلى رمز لكل معشوقة لن تنال، وليس إلى وصالها من أمل، فلكل عاشق ليله وليلاه، وكلهم يناجيك يا ليلى، فما نفع المناجاة، وقد احترق القلب، وتاهت البوصلة، ونزت الروح وجعها ألما يقض المضجع، ويسرق الأماني والمنى، ويسكب الروح رملا في مسارب المجهول.

لا أحد يحب أن يتعذب، وليس بعاقل من اختار أن يشقي نفسه بيده، ولكن الأمر أكبر من اختياراتنا، فليس لنا من خيار فيما يعشق القلب أو يهوى، ولذلك كان التعلق بالمحبوب الغائب البعيد أملا مشارفا يلوح من بعيد كغيمة، تعطيك أحيانا شكل أمنية عاجلة التحقق، وأحايين تنذرك بغياب مستكين، وفي الحالتين تبقى النجمة وراء الغيم سارحة ولاهية، ولن تطاوع عينيك ولن تبل لك عطشاً أيها الواله المسكين.

يريد الشاعر المصلوب في أوهامه أن ينسى ليلى، يريد أن يتجنب كل شيء يذكره بها، يريد أن ينغمس في أشغاله وأعماله، يريد أن يرتطم في صخرة الواقع، لعله يصحو من سكر السحر المسيطر، يخطط ليكون بعيدا ولا يريد لشيء أن يفاجئه بليلى ولكن.....

يكتشف أن كل شيء يذكره بها، أسماء وأشخاص، ملامح وأشعار وأغاني، صفات وذكريات، كتب ودفاتر، وأرتال من الصحو والسكر حتى الوقت ودقة الساعة تذكره بليلى، كل شيء حاضر ينطق بصورتها وبحسنها وبوجودها وبحضور غيابها، كل شيء يحاصر الروح ليقول ها هي ليلى يا مجنون، إنها تتراءى لك، ألم ترها في كل سبيل رائحة وغادية؟ ألم ترها في اللغة وحروفها، ألم ترها في حروفك الناشزة، ألم ترها في مناماتك أحلاما شاخصة، فكيف لك أن تنساها، لقد احتلت عقلك وفكرك وملكت عليك روحك، اصح أيها القابع في أقبية الموت، فستقضي عليك اللحظة وتموت، فهل تظن أن ليلاك التي هجرتك تعود لتسأل عنك ثانية؟! نخرت ليلى بغيابها نفسك.

أشبعت يا ليلى الواشين كلاما في التشفي، فيلفظ الحنين أنفاسه حرى مشوقة، لا يرتاح ولا تهدأ بلابل النفس المتشظية، يريد هذا الذي تعرفينه أن تهدأ بلابل روحه وهواجسها، يريد أن يظل مختفيا في الحجب المسدولة بكثافة الظلام، يريد أن يتوارى عن الأنظار، فتفجؤه الصدفة القاتلة، تتجلين له في طريقه، وهو ساهم غارق في مراجعة يوم عمل شاق، يغمض عينيه ويفتحهما غير مصدق، يا إلهي كيف يكون ذلك؟ تمثلتِ له فعلا في كل سبيل، لا فكاك من قيودك التي قيدته بها عمره كله، وفكره وحسه، فأين المهرب منك ومن ذكراك ومن رؤيتك التي تبدو في كل ما طلعت شمس نهار جديد، وتفتح زهر عابق في بساتين الحياة، عليك أن تعلمي أن الشاعر عندما قال:

أُريدُ لَأَنسى ذِكرَها فَكَأَنَّما
تَمَثَّلُ لي لَيلى بِكُلِّ سَبيلِ

لم يكن يعني نفسه فقط، ولكنه كان يعلم أن هناك شخصا سيأتي ليعاني مثلما يعاني، فقاله وأمده عبر الزمن ليصل مسمعي، فأراني فيه، فقد تمثلتِ لي بكل سبيل، ولتعلمي أن الروح لم تفتأ تناجيك، والذكرى باقية بقاء الروح يا ليلى، فعليك من الروح سلام الروح مدى الزمن، يا ربيع الذكرى المتجددة!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى