السبت ١٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
أوراق لم تسقط عمدا «16»
بقلم فراس حج محمد

الورقة المجنونة الذابلة

هي ورقة مجنونة ذابلة كان لها أن تسقط منذ زمن بعيد، أبعد من عمر زيتونة معمرة، ولولا عناية البستاني بها، وتعهدها بالصبر عليها، وسقايتها ورعايتها حق الرعاية، ولكن يبدو أن لكل شيء نهاية، فلم يستطع أن يحتفظ بها؛ فقد أزفت ساعة موتها وسقوطها إلى الأبد، لعل ذلك البستاني ينفق ما كان ينفقه من وقت في تعهدها فيما هو أنفع وأكثر جدوى!!
ورقة أغوتها الطيبة والحنان وتحولت إلى عبء إضافي، تقتات من دمه، قبل أن تقتات من ري الأرض، ورقة استنزفت كل قواه المادية والمعنوية، وتركته دائم التفكير فيما حولها من أوراق، إنها ورقة الخوف التي لا بد أن ترحل إلى غير رجعة، إنها ورقة مسودة صفحتها بكل ما يعكر الصفو والرضا والهدوء، فكيف لها أن تعيش وديدان الفضاء والوهم تقرضها كل صباح ومساء!!
ورقة صفراء ذابلة، لا حياة فيها ولا خضرة ولا رواء، اعتادت أن تعيش في الظلام، لم تهتز يوما لنسمة صباح حانية، ولم تكن تعشق الشمس والحرية، كانت دائما تستهدي بالجنون لتعيش، تحب السيطرة وتهوى الجموح نحو أغلفة السخط المقيت، ورقة سقطت كما تسقط أوراق المجون، وحملتها الريح حيث التلاشي والعدم!!

ورقة لا عطر فيها فما الذي يجعل البستاني الحاذق يتشبث بها أكثر؟ يكفيها ألما أنها نبتت في دهاليز السذاجة منذ أن تفتحت، فكانت ورقة تجبن من الورد ورحيق الزهور وحبق الأغاني الراقصة، ورقة ولدت ميتة، فكيف لها أن تظل تحتل مكانا، غيرها أجدر به وأولى، لا بد أن تسقط، فسقطت أخيرا!!

تنفس البستاني أنفاسه، وشعر بآمال الانطلاق نحو المستقبل، ليعتني بالأوراق الزاهية النضرة الفواحة عطرا، المتماوجة سناء وسنا، ليكتب آياته في سفر الحياة الجديدة جملا بماء الحياة، فيتقن عنايته بها، ويسعد بأريجها الفائر دما حيا نابضا، ليقول أخيرا: لقد وجدت نفسي بعد أن دفنتها عقودا في البلاهة والشقاء، من حقه وقد أدى واجبه على أكمل وجه، وأعطى ذوب روحه أن يستمتع بين أوراقه بالنور والأريج بالسعادة والغواية والأمان بعيداً عن كل أوراق الموت والخوف والذبول، وليبعد عنه رياح الخريف، وليظل قلبه في ربيع متجدد في سناه وبهائه ورضا نفسه الوالهة المحبة للحياة!!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى