الأربعاء ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
دور المهرجانات والمسابقات والنوادي في
بقلم صالح الشاعر

النهوض باللغة العربية

لا يختلف اثنان حول أهمية التجمعات، سواء كانت رسمية تتبع الدولة أو غير رسمية لكنها تجد إقبالاً من الشعب، فلكل من الدول والشعوب قوة، وتستطيع القوَّتان إذا تجمَّعتا وأوجدتا الغاية أن تؤدِّي فوق ما يُتوقَّع، والغاية هنا تخص شخصية الأمة ومناط عزها، ومظهر دينها الإسلامي الحنيف.

وفي هذا المقال سأتحدث ـ بإيجاز حول ثلاثة عناصر: المهرجانات، والمسابقات، والنوادي الأدبية والثقافية.

أولاً: المهرجانات:

لماذا تُعدُّ المهرجانات وسيلة للدعايات والإعلانات الهادفة إلى الترويج والمكاسب الاقتصادية دون التفكير في تفعيل هذه المهرجانات لتصبح رافدًا ثقافيًّا يدعم لغة المجتمع ودينه؟

هل نستطيع تحليل لغة المهرجانات لعلَّنا نفهم تأثيرها؟ نعم، إنَّ الدعاية للمهرجانات تركِّز على أفعال الأمر بشكل واضح، مِمَّا يثير قوةً إيحائية تدفع الناس للتفاعل معها، إنَّ أفعالاً شائعة في الدعاية للمهرجانات مثل (تسوَّق، استمتع، اربح، سافر، وفِّر، شاهد) تستطيع أن تؤتي نتائج مثمرة للغاية إذا ما أُدرجت على برامج المهرجانات المتعدِّدة التي تقام في الدول العربيَّة المختلفة فقراتٌ مُعدَّة بعناية لتوعية الجمهور بأهمية اللُّغة العربيَّة وإحيائها نطقًا في ألسنتهم، في معاملاتهم اليومية.

إنَّ الفنون الشَّعبية مثلاً، والشِّعر ـ المحلِّي غالبًا ـ، والغناء، والرياضة، والألعاب البهلوانية، كلُّها تشكِّل عناصر أساسيَّة في المهرجانات، ويجب استغلال تلك الفنون في جذب الجمهور، بعرض جمال اللُّغة وتعريف النَّاس بها، إذا أُريدَ للُّغة النُّهوضُ والرُّقيّ.

ففي الصِّين مثلاً تنظِّم جامعة (نانجنك) مهرجانًا عالميًّا للُّغة، تحت شعار: «اللغات: تفتح عالَمًا من الفرص»، ويقوم المهرجان على عدَّة أنشطة، اللُّغة فيها هي الغاية الأولى، حيث يقدِّم مسابقات في مجالات: القصائد، والخطب، والعروض التمثيلية، والتصميمات الدعائية، والعروض المرئية، وأعمال النحت، أمَّا على المستوى العربي فليس لدينا مهرجانات من هذا النوع، لكنَّ لدينا من المهرجانات ما يمكن أن تخدم فعالياته اللُّغة العربيَّة خدمة جليلة إذا ما أضيف إلى أهدافه ذلك الهدف.

فها هو مهرجان الجنادرية السعودي مثلاً، الَّذي ينال من الاهتمام والرِّعاية والتَّمويل والتَّغطية الإعلاميَّة الشَّيء الكثير، ومن الأهداف الَّتي يُقام من أجلها:
إيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربيَّة السعودية، والعمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي.

الحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله، والتَّعهُّد بحفظه من الضياع، وحمايته من الإهمال.

تشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات، كالصبر وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات، لتدعيمها والبحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة.

العمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية.
وكلُّ ما سبق أمورٌ إيجابيَّة ومطلوبة، والتَّلاحم الشعبي بهذا المهرجان واضحٌ لا يخفى، كما أنَّ الفعاليَّات الثقافية حاضرة فيه، ومنها مسابقة خادم الحرمين في القرآن والسُّنَّة، لكنَّ الاهتمام باللُّغة العربيَّة عن طريق المنتديات والجلسات الأدبيَّة والأمسيات في هذا المهرجان يجب أن يكون أكثر من ذلك، لا سيَّما واللُّغة العربيَّة من أهمِّ الخصائص الملازمة لبلاد الحرمين الشَّريفين، إذ هي ـ بالإضافة إلى كونها مهد الحضارة الإسلاميَّة ـ المركز التاريخي والجغرافي لنشوء اللُّغة العربيَّة وتطوُّرها، ومتى حصل هذا الفصل بين المتلازمَين: (شخصية البلد التراثية والثقافية والدينية) و(جذورها العميقة من لغة وتاريخ) فنحن أمام عنصر ناقص، يجب إكماله لتحدث المعادلة والتوازن.

اليوم العالمي للغة العربيَّة:

وممَّا يتَّصل بالمهرجانات: تخصيص يوم يُسمَّى: "اليوم العالمي للغة الأم"، هو الحادي والعشرون من شهر فبراير، وخُصِّص يوم الثامن عشر من ديسمبر ليكون يومًا عالميًّا للُّغة العربيَّة؛ حيث تأتي اللُّغة العربيَّة بحسب الإحصاءات الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في المرتبة السادسة على مستوى العالم، بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية، وقبل الفرنسية.

وتخصِّص الدوائر الثقافية والعلمية والتربوية في العالم هذا اليوم لإعلان اهتمامها باللُّغة العربيَّة؛ لكونها لغةً عالميَّة تعدُّ لسانًا ثقافيًّا لـجزء كبير من العالم، وتعكس ثقافةً أصيلة لِما يقرب من ربع سكان العالم، هم الَّذين يدينون بدين الإسلام.

وفي الحقيقة إنَّ أهمية هذا اليوم تظهرُ في كونه اعترافًا رسميًّا باللُّغة العربيَّة، وحلقةَ وصل بين الثقافة العربيَّة وغيرها من الثقافات، فيجب أن تُنمَّى فعالياته، وينال الرعاية والاهتمام الكافيَين؛ ليكون دعمًا للعلاقات الثقافيَّة بين الأمم والشعوب.

ثانيًا: المسابقات:

كان لدى كثير من المهتمين بالأدب العربي شعورٌ بأنَّنا في زمن سقوط الشِّعر، وكانت القناعة السائدة أنَّ الشِّعر منذ زمنٍ بعيدٍ فَقَدَ جزءًا كبيرًا من بريقه؛ حيث تحوَّل إلى علاقة صامتة، شاعر يكتب ديوانًا وقارئ يقرأ الديوان، فالشِّعر في أساسه وفي زمن عظمته لم يكن كذلك، بل كانت عملية الإبداع الشعري وتلقيه دائرة حول الإلقاء والاستماع، حتى إنَّ بعض دارسي الشِّعر انتبهوا لذلك فأقاموا دراسات كثيرة حول أساليب الأداء، من نبر وتنغيم وما إلى ذلك من مظاهر صوتية.

وعندما انتشرت هذه الأفكار بتوسُّع، ابتكرت (هيئة أبوظبي للثَّقافة والتُّراث) مسابقة: (أمير الشُّعراء) للشِّعر الفصيح؛ للنُّهوض بشعر العربيَّة الفصحى، والارتقاء به وبشعرائه، والتَّرويج له في الأوساط العربيَّة، وإحياء الدَّور الإيجابيِّ للشِّعر العربيِّ في الثقافة العربيَّة والإنسانية، فأعادت شيئًا من البريق لهذا الفنِّ، وقدَّمتْهُ مرئيًّا ومسموعًا، محاطًا بالدِّعاية الواسعة.
وقد أظهرت المشاركات فيه، ونجاحُه لدى الجمهور: أنَّ فنون العربيَّة لا تموت، ولا يمجُّها الذوق العربي المعاصر، بل تنال النَّجاح والقبول إذا ما أُحسن تقديمها بشكل لائق وتنظيم دقيق، والكلام هنا ينطبق على قواعد العربيَّة، فلو قُدِّمَتْ عن طريق تلك الفنون لنالت النَّجاح والقبول، وأدَّت دورها المنشود في تقريب العامَّة إلى فهم اللُّغة، ومحبَّتها، وعدم هجرها وإقصائها.

ثالثًا: النَّوادي الأدبيَّة والثَّقافية:

على الرَّغم من أنَّ النوادي الأدبية والثقافية باتت ظاهرة منتشرة؛ لكثرة عددها، ووفرة إمكانياتها ـ حيث ترعاها وزارات الثقافة والإعلام، وتدعمها وتشرف عليها ـ إلاَّ أنَّ حالها لا يختلف عن المؤسسات التعليمية والإعلامية، فهي منغلقة حول نفسها، لا تمسُّ الهموم الكبرى للأمَّة، ولا تساهم في تحقيقها، ومِمَّا يؤسف له أنَّ كثيرًا من أنشطة النوادي الأدبية والثقافية قد انحصرت في إصدار بضعة كتب كل عام، وإقامة بضع ندوات، وكلُّها تسهم بنشاط فكري محدود، لا يتعدَّى إلى نفع المجتمع منفعة حقيقية وتحقيق أهدافه السامية، والتأثير فيه بشكل إيجابي.

وإذا كان دور النوادي الأدبية لا يتجاوز ما تقوم به دور النشر من إصدار الكتب، والمؤسسات الإعلامية ممثلة في القنوات المسموعة والمرئية من عمل اللقاءات والأحاديث والحوارات والندوات، فما الذي يميِّزها سوى اختلاف التسمية فحسب؟ إنَّ الأندية لا يجب أن تكون مكانًا للتسلية وشغل الفراغ بما هو أكثر فراغًا منه، وإذا لم توجَّه أنشطتُها إلى ما يحقِّق مصلحة الأمَّة فإنَّها ستصبح مجالاً لإضاعة الأوقات وتبديد الثَّروات، وحبَّذا لو تحوَّلت تلك النوادي ـ ولو بصورة جزئيَّة ـ إلى أماكن لتنمية اللُّغة العربيَّة وتطويرها، وربط المجتمع بأكمله بقواعدها، عن طريق وسائل التَّوعية، والأنشطة العمليَّة المختلفة.

وهنا أقترحُ دعوةً مفتوحةً لجميع القائمين على النَّوادي الأدبيَّة والثَّقافيَّة، بإقامة دورة مفتوحةِ المدَّة لسلامة اللُّغة العربيَّة، والتوعية بأثرها وأهميتها؛ حيث إنَّ إقامة هذه الدَّورة تعدُّ ضرورةً دينية وثقافية وتاريخية، ووسيلةً للنهوض بالمجتمع، ويمكن أن تحتوي الدَّورة على عدَّة فعاليَّات، منها:

إقامة دورات لتنمية السَّليقة اللُّغوية، وتعليم النُّطق والكتابة السليمَين.

تنمية الوعي الديني والتاريخي والثقافي، ودفع آثار الهزيمة النَّفسية لدى متحدثي العربيَّة.
تفعيل اللُّغة العربيَّة في وسائل الإعلان، لدى المصمِّمين والخطَّاطين ومَن ماثلهم من أصحاب المهن المتَّصلة باللُّغة.

ربط تعليم اللُّغة العربيَّة بالوسائل العصريَّة الحديثة، وتقديمها في قوالب ترفيهيَّة مقبولة وسهلة الاستيعاب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى