الأحد ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
الرئيس مرسي
بقلم أحمد الخميسي

مظهر قرآني جوهر أمريكاني

الرئيس محمد مرسي هو ما حصده الرهان على الديمقراطية الشكلية والدستور والانتخابات النزيهة بمعزل عن القضايا الاجتماعية. وهو أيضا ثمرة الحديث المتكرر السمج عن " حكم العسكر " كأن الاستبداد والإفقار مرتبط تحديدا بحكم العسكر وليس أن التجويع والاستغلال سياسة النظم الرأسمالية، بغض النظر عما إن كان الرئيس فيها يضع نجمة الجنرال أو يمسك بباقة زهور مدنية ! والرئيس أوباما مدني، منتخب، ليس عسكريا لكنه يمثل مصالح العسكرية الأمريكية أفضل من أي جنرال ويواصل شن الحرب على أفغانستان ودعم إسرائيل ويهدد إيران ويتولى تقسيم السودان ويتشبث بيديه وأسنانه بقواعده العسكرية في أركان الأرض. مدني. منتخب. وقد قام الأمريكان بدعم حملة مرسي " المدني " وأعطوا الضوء الأخضر لوصوله للحكم، كما دعموا مبارك " العسكري " لثلاثين عاما، لأنهم يعلمون أن القضية ليست أن يكون الرئيس مدنيا أو عسكريا، وأن القضية الحقيقية هي السياسة التي ينفذها الرئيس أيا كان رداؤه. وعندما راهنت النخب الليبرالية التي قادت 25 يناير على" الديمقراطية " بمفهومها الشكلي بمعزل عن حاجة الشعب للطعام والتنمية كانت تقود مصر إلي النتيجة الراهنة: مرسي ! وكانت تتنكر فعليا لدماء جماهير المدن التي انخرطت في الثورة بآمال أبعد من " نزاهة صناديق الانتخابات"، وأماني أعمق من تعديل الدستور.

وبوصول مرسي للحكم أتمت انطلاقة 25 يناير دورة كاملة، لتبدأ دورة أخرى جديدة ومختلفة، يبدو مرسي خلالها – وهو كما يقولون أول رئيس منتخب – بلا أثر، بل وبلا مستقبل ! ويحكم الشتات والارتباك حركته، فيعد ولا يفي، ويطلق التصريحات ويتراجع عنها، ويقيل النائب العام ويعتذر، ويرسل خطابا وديا لإسرائيل وينكره، ويتحدث عن مشروع " نهضة " ويتراجع عنه، ويتحدث عن قضية فسلطين ثم يعلن التزامه بكامب ديفيد التي تلتهم كل الحقوق الفلسطينية، إلي آخره، ويكثر من زيارات بلا معنى للدول الأخرى. يبدو الرئيس مثل سحابة عابرة، عاجزة عن أن تمطر، وعاجزة عن البقاء في الأفق. يبدو الرئيس مثل اللحظة المؤقتة التي يقضيها المرء داخل المصعد، لا هو في الطابق الأرضي حيث كان ولا وصل إلي طابق آخر. لحظة انتظار مرهقة ومملة.

والذين يعلنون استياءهم من حكم مرسي، يصبون نيران غضبهم على أن مرسي " إخواني"، بحكم تاريخه وانتمائه للإخوان، وبحكم خطابه السياسي الذي يشبه أقوال الحكماء القديمة في تمثيلية تلفزيونية عن هجرة المسلمين إلي الحبشة. والذين وقعوا من قبل في فخ " الشكل " بدون " مضمون " حين دعوا للإصلاح السياسي والدستور بدون ربط ذلك بالمحتوى الاجتماعي للثورة، يقعون الآن في نفس الفخ مرة أخرى، حين يعتبرون أن مشكلة مرسي تكمن في خطابه السياسي، أي في شكل الحكم ومظهره وليس في جوهره، في تصريحاته وليس في تبعيته الاقتصادية والسياسية، وباختصار فإن عيب مرسي الأساسي " فيما يقوله" وليس " فيما يفعله"!. والواقع أن الخطابات الأيديولوجية للأنظمة السياسية كانت في معظم الأحوال وعلى مدى التاريخ كله تقريبا مجرد قناع من عبارات منمقة عن الحرية والعدل تداري بها الأنظمة وجوهها الحقيقية. فمرسي الذي "يقول" (فلسطين) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي وليس اللفظي باتفاقيات تهدر كل حقوق فلسطين، ومرسي الذي "يقول" (النهضة) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بعرض برنامجه الاقتصادي على صندوق النقد للحصول على موافقته، ومرسي الذي " يقول" (الكرامة) لم يحرك في الواقع الفعلي ساكنا في السياسة الدولية إلا بتأييده لمساعي أمريكا للإطاحة ببشار الأسد، ومرسي الذي " يقول " (واقدساه) هو الذي يرسل في الواقع الفعلي بخطاب متودد للرئيس الإسرائيلي يسلمه السفير المصري ليس في تل أبيب بل في القدس. ومرسي الذي "يقول" (حقوق الشعب) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بعدم التنمية الصناعية وفتح الأسواق المصرية لتغمرها السلع الأجنبية وتحصد أرباحها من جيوب المصريين، ومرسي الذي "يقول " (الفلاحون) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بترك مآسي الأزمة الزراعية كما هي ويستمر في استيراد القمح لبلد هي أصلا بلد زراعية.

ليست مشكلة مرسي في "قناعه" الديني، لكن في "جوهر" سياساته التي تواصل تبعية نظام مبارك للهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية. أما حيرة مرسي فإنها تتجسد في محاولته إرضاء من آمنوا بما يقوله، ومحاولته في الوقت ذاته تلبية حاجات المصالح الأمريكية في بقاء تبعية النظام المصري. لهذا يكثر مرسي من الصلاة في الجوامع، لكن حين يجد الجد فإنه يعرض برنامجه الاقتصادي على واشنطن، ويكثر من حشو خطاباته بعبارات حكيمة، لكن حين يجد الجد فإنه يضاعف ديون مصر بقروض لا صلة لها بالتنمية. وهجوم المعارضة الآن على "الطابع الإخواني" لنظام مرسي، هو تكرار لهجومها على شكل القضايا وليس على جوهرها. وإلحاح المعارضة الآن على قضايا "الجمعية التأسيسية" و "الدستور" إلحاح على مظهر الحكم، بينما المطلوب من المعارضة أن تتفق على برنامج وطني اقتصادي اجتماعي للتنمية يحل مشكلات مصر من غذاء وبطالة وإسكان وتعليم ونهضة صناعية وزراعية، بحيث يلزم ذلك البرنامج الرئيس – أي رئيس – بالعمل على ضوئه بغض النظر عما إن كان مظهر الرئيس " قرآني " أو " اشتراكي" أو غير ذلك. الشعب يريد التنمية والعمل والطعام والعلاج والسكن، ويجب أن يكون كل ذلك هو برنامج المعارضة، ويجب أن تكون محاسبة الرئيس على تنفيذه أو عدم تنفيذه لذلك البرنامج، وليس مظهر الرئيس وطبيعة خطابه اللفظي. هذا إذا أرادت المعارضة أن تتفادى الوقوع مجددا في فخ التركيز على الشكل وتجاهل المحتوى.


مشاركة منتدى

  • الذين يبحثون لمرسي عن الأخطاء هم الذين يتحدثون بذلك الأسلوب ... أنت في دولة تحت مستوى الصفر ... كل ما تقول عن تناقضات في أفعال مرسي هي أعمال منطقية ... عبد الناصر مثلاً عندما قامت ثورة يوليو .. قال بأن مصر ملتزمة بمعاهداتها مع الدول الأخرى ... والسادات قال نفس الشئ ومبارك ... عندما تكون على رأس دولة تحت الصفر فلا يجب أن تبحث عن بطولات وهمية .. هو بالفعل حريص على فلسطين ولكنه مضطر في الوقت الحاضر إلى التعامل مع إسرائيل ... هذا ليس تناقضاً على الإطلاق ... هل تتصور أن يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل وسحب السفير ... ذلك يكون تصرفاً أحمقاً .. التصرف الحكيم هو احترام المعاهدات ولو كانت ظالمة ... ومد حبل الحوار في سبيل تغيير تلك المعاهدات بطريقة لا تستعدي عليك العالم .. إن المشكلة ليست في التصرفات و لا في الأقوال ولا في الأفعال التي يقوم بها مرسي وإنما هي في عقول من يتربصون به ..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى